• د. شوقى علام: الممارسة العشوائية فى التعليم الدينى تخرج المتشددين • د. عمر هاشم: التسامح وقبول الآخر شعار الشرائع السماوية • د. محب الرافعى: تطبيق إستراتيجية (الأمن الفكرى) ضرورة عصرية هل نحن بحاجة إلى معركة حقيقية وسريعة مع المتطرفين داخل مناهج التعليم باعتبارها الفضاء الأكثر تأثيرا على عقول الطلاب، الذين تظهر الإحصائيات أنهم الأكثر تأثرا وانصياعا وراء الأفكار المتشددة، التي لا تكتفي بسلب عقولهم بل تدفعهم إلى الانضمام للتيارات المتشددة؟! وفي ظل مبادرة وزارة التربية والتعليم بتطوير نظام الامتحانات فهل وجب علينا التركيز على ضرورة تطوير المناهج الدراسية لمحاصرة كل أسباب التطرف، وملاحقتها في أوكارها وحواضنها مثل المقررات المدرسية التي من شأنها أن تكون البذرة الأولى في زرع الذهنية التكفيرية والثقافة العدائية البعيدة عن روح المجتمع وقيمه الأصيلة، هل بات لزاما علينا إعادة صياغة المناهج وتطهيرها من ملوثات الفكر التكفيري الذي يحث على الكراهية ومناصبة العداء لقيم الحداثة والتطور؟! وإذا كان لزاما علينا أن نتكاتف ونتحد جميعا وأن ندعم مؤسسات الدولة وفي مقدمتها الجيش والشرطة، والعملية العسكرية الشاملة «سيناء 2018»، وان نساند الجهود والتضحيات التي يقدمها أبطال القوات المسلحة في حروبهم المستمرة ضد الجماعات والتنظيمات الإرهابية، فلماذا تحجم مؤسساتنا التعليمية عن الإقرار بمواقع الخلل في المناهج التعليمية، فتبادر بالمضي قدما نحو الإصلاح وتطوير الكتب المدرسية واجتثاث الأورام الخبيثة من المقررات المدرسية وحذف المناهج التي تحض على العنف والكراهية؟ ومن المسئول عن هذا التطوير؟ وكيف يحدث؟ وهل يحتاج المعلم إلى تدريب وإعادة توجيه؟ كل هذه الأسئلة وضعناها بين يدي عدد من علماء الدين والتربية لكي يجيبوا عنها؟ علماء الدين يؤكدون أن ما أصاب الأمة العربية والإسلامية من تطرف وتشدد وتكفير وتفجير ما هو إلا نتاج للممارسة الفردية والعشوائية للتربية الإسلامية، وأن صلاح الأمة وتحصين الشباب من الفكر المتطرف لا يقوم إلا بالاعتماد على المنهجية والتخصص في المناهج الدينية. وخبراء التربية يشددون على ضرورة بناء الأمن الفكري للناشئة والشباب بمناهج تقود إلى ثقافة الإتقان والجودة بديلا عن ثقافة الحد الأدنى. ويقول الدكتور شوقي علام، مفتى الجمهورية، إن التربية الإسلامية الصحيحة تخرج لنا إنسانًا يعرف دينه عقيدةً وأحكامًا وسلوكًا، لا يتأثر بالدعوات الهدامة التي يبثها أهل الإرهاب والتطرف محاولين سلخ الشباب عن دينهم وعن سماحتهم، مستغلين فقر المعرفة الدينية، مع توفر الطاقة والحيوية والاندفاع لدى الشباب، وها نحن نرى نتائج هذا التعليم المشوه في الشباب الذي سارع بالانضواء تحت لواء هذه الجماعات الضالة المنحرفة. وأكد المفتي أهمية التعليم الديني في مؤسساتنا التعليمية والعملية مهما كان نوع الدراسة التي يتلقاها طالب العلم أو الوظيفة التي يقوم بها المواطن، وأن ترك التعليم الديني لحالة الممارسة الفردية العشوائية قد تسبب في أضرار بالغة بأبنائنا وبناتنا الذين تلقَّوا تعليمًا خاطئًا فيما يتعلق بأمور الدين والشرع الحنيف، فخرج علينا مَن يتشدد ومَن يتطرَّف ومن يُكفِّر ومَن يُفجِّر باسم الإسلام. وشدد المفتي على أنه لا بديل عن المنهجية والتخصص في وضع مناهج التربية الإسلامية للطلاب والطالبات، بل للموظفين والعاملين في مؤسسات الدولة، وبناءً على ذلك نضع القواعد والمناهج للوصول إلى تلك الغايات. وأوضح أن هناك قيمًا أخرى نحتاج أن ندرجها في مناهجنا التربوية الإسلامية، كقيمة التعايش، وهي قيمة كبرى يندرج تحتها الكثير من القيم الأخرى كالتفاهم والحوار والتسامح وقَبول الآخر مهما اختلفنا في الفكر والرأي والعقيدة، وهذه قيمة قرآنية مضمَّنة في قوله تعالى: «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ» [الممتحنة: 8] وفي قوله تعالى: «لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين»ِ [الكافرون: 6]. التسامح وقبول الآخر وفي سياق متصل يقول الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، إن مناهج مادة التربية الدينية في المدارس تحتاج إلى إعادة نظر فلابد أن يوضع فيها ما يوضح سماحة الإسلام واعتداله وأيضا بالنسبة للتربية الدينية لغير المسلمين وان يوضع فيها وسطية الدين المسيحي واعتداله، لأن الشرائع السماوية كلها تدعو إلى الاعتدال وعدم الغلو والتطرف لأن الغلو والإرهاب خطأ فكرى وعقدي ونفسي وهذا من أكبر الأمور التي يجب أن يراعيها الذين يضعون المقررات المدرسية والمناهج بوزارة التربية والتعليم بالتعاون مع مجموعة من العلماء والمفكرين على أن تشمل هذه المقررات قيمة التسامح وقبول الآخر ووسطية الإسلام وسماحته. إشراك التربويين من جانبه يري الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، انه في إعداد التوصيفات التعليمية المعاصرة ينبغي أن تكون بأيدي أكاديميين وتربويين معا لاتحاد النظرة فيما يعود بالفائدة في الموضوعات المقترحة وينبغي إن يكون العرض مشوقا مبسطا موفقا فمثلا على سبيل المثال لا الحصر آيات القتال في القرآن الكريم ينبغي الإشارة إلى أنها دفاعية وليست هجومية، وكذلك ما يقدم للناشئة من قواد التجنيد لهم من جماعات العنفين الفكري والمسلح كمسائل التحاكم إلى الشرع والخلافة، ينبغي أن تطرح هذه الأمور في قالب حواري وهذا ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في الوسائل التعليمية للمسلمين بمعنى انه كان يطرح سؤالا ويدير حوارا، وهذا أدعى للفهم بجانب موضوعات قبول الآخر والتعايش معه والتسامح أى إعلاء (الإنسانيات) وهنا يفضل اللجوء إلى عرض أحداث وحوادث تاريخية موجزة لتعود بالناشئة على التأسي بأصحاب القلوب الرحيمة من التاريخ التراثي والمعاصر وكذلك التركيز على القواسم المشتركة للشرائع من أن الكل يعمل في عمارة الأرض وعبادة الله. مع العناية بتأهيل المعلم أيا كانت صفته من الحضانة إلى الجامعة الذي يقوم بالشرح والإيضاح لهذه الموضوعات. خبراء التعليم وعلى جانب آخر يؤكد خبراء التربية والتعليم ضرورة إعادة النظر في المناهج وطرق التدريس لتحصين الطلاب من الانحراف الفكري والتطرف، ويقول الدكتور محب الرافعي، وزير التربية والتعليم الأسبق، لكي نحمى طلابنا وأبناءنا من الوقوع في براثن الإرهاب والتطرف يجب أن نطبق إستراتيجية (الأمن الفكري) التي تم إعدادها من قبل المركز القومي للبحوث التربوية، والتي تم تدريب عدد من الإخصائيين الاجتماعيين عليها تمهيدا لتطبيقها، وهى نواد للأمن الفكري في المدارس بمختلف مراحلها، تعمل على تعليم الأطفال مهارات التفكير الناقد لكي يصنف الأشياء ويفهمها ويفرق بين الصواب والخطأ وليس مجرد الحفظ والتلقين. وأوضح أن نوادي الأمن الفكري هي طوق النجاة للحماية من التطرف الفكري ويجب أن تعقد ندوات يشترك فيها المعلمون والطلاب للتدريب على الحوار والمناقشة والتفكير الناقد وعلى إدارة المتابعة وتقييم الأداء بالوزارة والمديريات التعليمية أن تتابع كل ذلك ليتعود الأطفال على كل هذه المهارات حتى لا ينجرفوا للجماعات الإرهابية بالإضافة إلى تعليمهم قبول الآخر وتقبل النقد والتفكير السليم والتمييز بين الأشياء. كما يجب ألا نغفل دور وسائل التواصل الاجتماعي للكثير من الأفكار الإرهابية وعلى الآباء والأمهات عمل (كنترول فكرى) لحماية أبنائهم من خلال التربية الصحيحة والحوار مع أبنائهم والصراحة في كل الأمور. الأمن الفكري وحول دور مناهج التعليم فى تحقيق الأمن الفكرى، يقول الدكتور حسن شحاتة، أستاذ المناهج بتربية عين شمس: إن الأمن الفكري هو مسئولية اجتماعية تقع على عاتق جميع المؤسسات المجتمعية المختلفة، ابتداءً بالفرد، ثم الأسرة، ثم المدرسة، فالجامعة، ووسائل الإعلام، وبقية المؤسسات المجتمعية الأخرى، وهو من أهم وأخطر أنواع الأمن، فهو بمثابة الرأس من الجسد لما له من صِلَةٍ بهوية الأمة وشخصيتها الحضارية، وأشار إلى أن بعض مناهج التعليم تسهم فى إعداد جيل من الخريجين ليست لديهم القدرة على تطوير معارفهم، وعلى فهم متغيرات العصر من حولهم، وعلى التفاعل بإيجابية مع هذه المتغيرات، وتقديم الخدمات التى يحتاجها المجتمع ووضع الحلول المناسبة لمشكلاته. والمشكلة تتمثل فى استخدام أساليب التدريس التقليدية الإلقائية فى تعليمهم وتدريسهم لطلبتهم، والتى تقوم على حشو أذهان الطلبة بالمعارف والمعلومات دون أن يكون هناك وعى بضرورة ربط برامج التعليم بالواقع المعيشي، مما يعنى إجهاد الذاكرة، واستهلاك العقل، وتعطيل إعمال الفكر، دون التركيز على تدريبهم على النقد أو التحليل المنطقى العلمي. وهنا تدخل عقولهم بعض الأفكار السلبية وتفسدها، أو قد تخترق وجدانهم بعض الآراء المتطرفة الهدامة فتكون السبب المباشر والرئيس فى اكتسابهم مفاهيم خاطئة وغير مرغوب فيها، وحتى يتحقق الأمن الفكرى من خلال المناهج يجب مراعاة أن يستند بناء المناهج وتطويرها إلى فكر تربوى قوامه التعليم للحياة. وطالب بالاهتمام بالمناهج التى تعمل على تكوين الشخصية السوية القادرة على خدمة الذات، والمجتمع، والتهيؤ للمشاركة فى حركة التقدم العلمى، وتربية الطلاب على احترام الحقوق العامة والضرورية لحفظها وحمايتها، وذلك لتحقيق الأمن والاستقرار للمجتمع، وغرس القيم والمبادئ الوطنية لدى الناشئة. آلية التعليم وأكد د.شحاتة أن منظومة التعليم لا بد أن تتواءم مع متطلبات القرن الحادى والعشرين بأن تأخذ مجموعة من التحولات من حالة قائمة إلى حالة قادمة، وهي التحول من الجمود إلى المرونة بتبنى فكرة التطوير المستمر فى سياق منظور إستراتيجي واضح، والتحول من ثقافة الحد الأدنى إلى ثقافة الإتقان والجودة، ومن ثقافة الاجترار إلى ثقافة الابتكار، والتحول من ثقافة التسليم إلى ثقافة التقويم، وكذلك التحول من الاعتماد على الآخر إلى الاعتماد على الذات، والتحول من التعليم محدود الأمد إلى التعلم مدى الحياة، وتطوير عقول الطلاب من خلال تقديم مهارات التفكير النقدي. المناهج أولا وفي سياق متصل تؤكد الدكتورة محبات أبو عميرة، الخبيرة التربوية، أن محاربة الإرهاب لا تأتى من خلال الامتحان أو (التابلت) بل عن طريق إعداد بعض الموضوعات التي توضع في ثنايا المقررات والكتب الدراسية في كل المراحل التعليمية خاصة في كتب اللغة العربية والتربية الوطنية والتاريخ والجغرافيا، ونحن لا نطالب بمنهج مستقل لمحاربة التطرف والإرهاب بل بموضوعات دراسية معينة داخل المناهج يدرب عليها المدرسون في المدارس حتى يتمكنوا من شرحها وتوصيلها للطلاب، فوزير التربية والتعليم عندما عرض خطة التطوير الجديدة لم يتطرق إلى المناهج والمقررات بل اهتم بنظام الامتحانات والتابلت وهذا ليس كافيا فالمناهج هي الأساس فقط فأين ثقافة البدن وأين التربية المسرحية والموسيقية وغيرها من الأنشطة التي تسمو بالوجدان والفكر؟ فلا يجب أن نغفل دور هذه الأنشطة للحفاظ على أبنائنا من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية من الانضمام للجماعات الإرهابية. وطالبت بأن تكون هذه الأنشطة المدرسية لها درجات من المجموع الكلى للطالب فمثلا إذا كان الامتحان النهائي للمقرر المدرسي 60 درجة فالأنشطة تحدد لها حوالي 40 درجة حتى نجعل هذه الأنشطة جزءا لا يتجزأ من فكر الطالب، ويكون قادرا على حماية نفسه من التفكير المتطرف والخاطئ.