يوما بعد يوم تزداد حدة التوتر فى المشهد السياسى البرازيلى مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والمقررة فى أكتوبر المقبل. حالة من الانقسام الحاد تسود شوارع البلد اللاتينى المهم بعد الحكم بسجن الرئيس البرازيلى الأسبق لولا دا سيلفا لمدة 12 عاما فى قضية فساد شهيرة لتفتح الباب أمام العديد من التكهنات حول إمكانية ترشحه فيما تشير استطلاعات الرأى إلى أنه يتقدم بفارق عشرين نقطة فى نوايا التصويت على أقرب منافسيه، مرشح اليمين المتطرف جاير بولسونارو. صحيح أن دا سيلفا ،مؤسس حزب العمال اليسارى، يقبع خلف القضبان إلا أن الواقع الميدانى يقول إنه يخوض معركة شرسة من أجل أن يجد له مكانا فى قائمة المرشحين. ورغم أن القانون لا يسمح للمدانين جنائيا بالترشح, غير أن الوقت وحده كفيل بقلب موازين المشهد بين ليلة وضحاها. فالقرار النهائى يعود إلى لجنة الانتخابات ومازال أمام دا سيلفا فرصة للطعن على الحكم أمام المحاكم العليا، كما أن حزب العمال متمسك بأن يكون دا سيلفا مرشحه فى الانتخابات المقبلة. أما إذا ظلت المشاركة محظورة، فقد ينهى ذلك عمليا حياة الزعيم السياسية، الأمر الذى سيؤدى حتما إلى اشتعال الغضب داخل نفوس الملايين من أنصاره مما قد يهز استقرار البلاد. ومن ناحية أخرى قد لا يكون للنتيجة سوى قدر ضئيل من الشرعية, فقد كشفت دراسة استقصائية نشرتها وسائل إعلام برازيلية أن 42 % من الشعب يعتقد أن وسائل الإعلام والنظام القضائى يضطهدون دا سيلفا الذى يبدو أن شعبيته فى ازدياد حتى بعد حبسه. ورغم أن أسماء المرشحين لن تبدو واضحة قبل الخامس عشر من أغسطس وهو الموعد النهائى لتسجيل المرشحين الذين سيخوضون المنافسة للوصول إلى قصر بلانالتو الرئاسي, إلا أن استفتاء أجرته مؤسسة «داتا فولها» كشف أنه فى حال تم السماح لدا سيلفا بالترشح فإنه من المتوقع حصوله على نسبة تأييد تصل إلى 30% من الأصوات. وإذا جرت جولة إعادة فإنه سوف يفوز بسهولة على كل المتنافسين باستثناء مارينا سيلفا المدافعة عن البيئة التى سبق أن رشحت نفسها للرئاسة مرتين، إذ سيتعادل الاثنان. لا أحد ينكر أن دا سيلفا (72 عاما) ظاهرة «كاريزمية» فريدة من نوعها. فقد نجح الزعيم اليسارى، خلال 8 سنوات من فترة حكمه بدأت عام 2003، فى تحقيق نهضة اقتصادية جعلت ترتيب البرازيل العاشرفى قائمة أقوى اقتصاديات العالم. كما استطاع انتشال ما يقرب من 30 مليون مواطن من الفقر ليطلق عليه الكثيرون لقب «بطل الفقراء». ولكن فضيحة «غسيل السيارة» المتورط فيها دا سيلفا أدت إلى إرباك شديد فى المشهد السياسى البرازيلى كانت أبرز ملامحه الإطاحة بديلما روسيف، خليفة دا سيلفا فى الرئاسة. بالإضافة إلى سجن رجال أعمال ونخبة من السياسيين وأخيرا صدر الحكم بسجن دا سيلفا بعد اتهامه بالحصول على شقة سكنية على شاطئ البحر على سبيل الرشوة من شركة «أواس» للبناء، وهى القضية الأولى من بين 5 قضايا ضده، يواجه فيها الرئيس السابق اتهامات بالفساد وتلقى رشاوى واستغلال النفوذ وإعاقة مسار العدالة. الغريب فى الأمر أن كل هذه الاتهامات لم تقف حائلا بين دا سيلفا وشعبه الذى بات يدرك أن البرازيل بحاجة الآن إلى استعادة عصره الذهبي. فخلال السنوات الماضية عانت البلاد من أسوأ كساد اقتصادى، وشهدت عزل البرلمان لرئيسة ديلما روسيف، وفضائح فساد غير مسبوقة طالت رموزا اقتصادية وسياسية من بينهم الرئيس الحالى ميشيل تامر والذى تزايد إستياء الشعب فى عهده بسبب سوء الخدمات العامة مثل التعليم والصحة والأمن, الأمر الذى جعل الناخب البرازيلى يشعر بخيبة أمل إزاء السياسة المعتادة. ولكن السؤال هنا, هل البرازيل بحاجة الآن إلى رئيس ذى كاريزما شعبية, أم تحتاج إلى رئيس إصلاحى ينقذ البلاد؟ خبراء سياسيون يرون أن البلاد تشهد الآن استقطابا من جانب دول مثل الولاياتالمتحدة، وهو فى الواقع قائم منذ سنوات، غير أنه إذا غاب دا سيلفا عن الساحة السياسية فسينفتح المجال دون شك أمام زعيم من خارج المشهد مثير للمشاعر مثل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ويقصد هنا عضو الكونجرس «جاير بولسونارو» اليمينى المتطرف الذى إحتل المرتبة الثانية فى استطلاعات الرأى بين المرشحين المحتملين للرئاسة بحصوله على نسبة 18% من الأصوات. واستطاع بولسونارو الملقب ب«ترامب البرازيل» حشد العدد الأكبر من المتابعين له على مواقع التواصل الاجتماعى معتمدا على تصريحاته الهجومية تجاه بعض السياسيين ودأبه على التصريح بأن حقوق الإنسان «للبشر وليست للمجرمين», حيث وصف برنامج تحويل الإعانات الاجتماعية المشروط الذى يستفيد منه ربع البرازيليين بأنه «جريمة».