شكلت القمة العربية الأخيرة فى السعودية تحولا مهما فى مسار العمل العربى المشترك واكتسبت أهمية كبيرة ليس فقط نتيجة لمستوى التمثيل غير المسبوق فيها, وإنما أيضا بالبيان الصادر عنها والذى عالج المشكلات والأزمات الحقيقية التى يواجهها العالم العربى وسبل حلها. عقد القمة بشكل دورى يمثل إنجازا فى ذاته ويعكس الحرص العربى على الحفاظ على الحد الأدنى من التماسك العربى رغم الظروف والتحديات الكبيرة التى يعيشها العرب، وأبرزها خروج بعض الدول عن حالة الاصطفاف العربى مثل قطر ومراهنتها على قوى إقليمية أخرى كإيران وتركيا, وكذلك تفكك العديد من الدول العربية التى تعانى من حروبا وأزمات وصراعات مثل سوريا وليبيا واليمن والعراق والصومال, وتزايد الأدوار الخارجية الدولية والإقليمية فى المنطقة العربية وفى إدارة أزماتها المشتعلة مع غياب الدور العربى, وهى التحديات غير المسبوقة التى أفرزتها مرحلة ما بعد الربيع العربى وما زال العرب يعانون تداعياتها. فاستمرار الحالة العربية الراهنة يحمل مخاطر كبيرة ليس فقط على الحاضر العربى وإنما مستقبله أيضا، فتهديد الدولة الوطنية وهدم مؤسساتها وبروز الفاعلين من غير الدول, كالتنظيمات الإرهابية مثل داعش والحوثى وغيرها, يمثل انتكاسة كبيرة لمسيرة بناء الدولة العربية ما بعد الاستقلال والقادرة على تحقيق السيادة والاستقرار والاندماج القومى بين مختلف المكونات العرقية واللغوية والدينية, والتى انفجرت مع انهيار تلك الدولة ودخلت فى صراعات طاحنة طائفية ودينية خلفت ملايين الضحايا من القتلى والجرحى والمهجرين واللاجئين, وتدمير البنية الأساسية, إضافة إلى انهيار النسيج المجتمعى وزيادة حدة الاستقطاب والكراهية بين أبناء الوطن الواحد. كما أن تزايد الدور الخارجى للقوى الكبرى والإقليمية فى المنطقة العربية وفى أزماتها من شأنه أن يؤثر بشكل كبير على المسارات المستقبلية لتلك الأزمات، والتى سوف تتشكل وفقا لأجندات ومصالح تلك القوى الخارجية على حساب المصالح العربية، حيث إن حالة الضعف العربية قد أغرت تلك الدول لأن تصبح المنطقة ساحة للصراع والتنافس على النفوذ فيما بينها, وهو ما أدى لتعقد أزمات المنطقة وإطالة أمدها. هناك تكلفة اقتصادية ضخمة لاستمرار الحالة العربية الراهنة, من صراعات وحروب وانقسامات, فقد أعاقت عملية التنمية والتطور الاقتصادى وعادت دول عربية إلى الخلف عشرات السنين, كما أن تكلفة الإعمار وإعادة بناء ما تم تدميره تحتاج إلى مئات المليارات من الدولارات من الصعب توفيرها فى المدى القصير، إضافة إلى التكلفة الاجتماعية الكبيرة، سواء على مستوى التعايش والتلاحم بين أبناء المجتمعات العربية، أو على مستوى التعليم حيث حرمت أجيال بكاملها من فرص تلقى تعليم جيد. القمة العربية وضعت أيديها على نقاط الداء العربية, وتحتاج إلى خريطة طريق واضحة ورؤية شاملة وإستراتيجية متكاملة للخروج من الوضع الراهن وتتمثل فى: أولا: إعادة ترتيب أولويات التحرك فى الفترة المقبلة, والتركيز على الأولويات الملحة, المتمثلة فى تفعيل الدور العربى فى إطفاء النيران المشتعلة ووقف نزيف الدم والدمار فى بعض الدول العربية والعمل على تسوية الأزمات فى سوريا وليبيا واليمن عبر حل سياسى شامل يستوعب الجميع ويكرس الديمقراطية الحقيقية القائمة على مبدأ المواطنة الذى يساوى بين الجميع فى الحقوق والواجبات بغض النظر عن اية خلافات عرقية أو طائفية أو لغوية، والمساعدة فى تحقيق المصالحة المجتمعية والمساعدة فى إعادة إعمار تلك الدول، ورغم العقبات التى يواجهها التحرك العربى خاصة مع تعقد تلك الأزمات وتشابك القوى الخارجية والتى تعد اللاعب الرئيسى فيها، إلا أن تشكيل لجنة عربية تابعة للجامعة العربية مهمتها العمل على التدخل فى تلك الصراعات والتحاور مع القوى الكبرى الفاعلة فيها خاصة روسيا وأمريكا يمكن أن يسهم فى تدعيم الدور العربى. كذلك أولوية مواجهة مخاطر الهجمة الشرسة على القضية الفلسطينية بعد قرار ترامب، ليس فقط برفض ذلك القرار ورفض الإجراءات الإسرئيلية لتغيير هوية القدس, وإنما أيضا العمل المضاد بحشد الدعم الدولى للاعتراف بالقدسالشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية. ثانيا: مواجهة الخطر الأساسى وهو التدخل الإيرانى فى المنطقة والذى لا يقل عن خطر تنظيم داعش الإرهابى الذى تعرض للانحسار بشكل كبير بعد هزائمه فى سورياوالعراق، حيث يكتسب الدور الإيرانى بعدا طائفيا أدى إلى اشتعال الصراعات فى المنطقة، ويمثل خطرا كبيرا على الأمن القومى العربى، ولاشك أن تزايد الدور العربى فى العراقوسوريا واليمن ولبنان يمثل حائط صد أمام التمدد الإيرانى. ثالثا: تبنى نظرية المسارات المتوازية, أى التحرك السياسى لتحقيق الأمن والاستقرار مع التحرك الاقتصادى عبر تدعيم التكامل الاقتصادى العربى, ليس بمفهومه التقليدى وإنما من خلال تدعيم التعاون بين الدول الصلبة مثل مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات والكويت والبحرين والجزائر والأردن, لتكون قاطرة العمل العربى حتى تستعيد بقية الدول العربية عافيتها وتلحق بها. لتكن هذه خريطة الطريق العربية لعام 2018 و العمل على تركيز الجهود العربية على تلك الأولويات بحيث تأتى القمة العربية العام المقبل، وقد تحقق بالفعل إنجازات واضحة على الأرض، وهو ما يمثل تصحيحا للمسار العربى للخروج من حالته الراهنة. لمزيد من مقالات د. أحمد سيد أحمد