لقد حدد حديث جبريل، عليه السلام، أركان الإسلام والإيمان ومفهوم الإحسان, فعن سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: «بَيْنَما نَحْنُ جُلُوس» عِنْدَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَومٍ، إذْ طَلَعَ عَلَينا رَجُلٌ شَديدُ بَياضِ الثِّيابِ، شَديدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، لا يُرَى عَلَيهِ أثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيهِ إِلَى رُكْبتَيهِ، وَوَضعَ كَفَّيهِ عَلَى فَخِذَيهِ، وَقالَ: يَا مُحَمَّدُ، أخْبرنى عَنِ الإسلامِ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (الإسلامُ: أنْ تَشْهدَ أنْ لا إلهَ إلاَّ الله، وأنَّ مُحمَّداً رسولُ الله، وتُقيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البَيتَ إن اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبيلاً). فأول أركان الإسلام الشهادتان، وثانيها: إقامة الصلاة, وهو أداؤها فى أوقاتها تامة كاملة غير منقوصة, وثالثها: إيتاء الزكاة, لمن امتلك نصابًا, وهو تأكيد أن من لا يؤدى الزكاة مع امتلاكه النصاب كان فى الحكم والإثم كمن ضيع الصلاة سواء بسواء. والركن الرابع: صوم رمضان, أما الحج وهو الركن الخامس فمن رحمة الله تعالى بنا أن جعله على المستطيع ماليًّا وبدنيًّا, وجعل حج الفريضة مرة واحدة تخفيفا وتيسيرًا على أمة النبي، صلى الله عليه وسلم، فمن أدّى ذلك فقد أدّى ما افترضه الله عليه. وقد سأل أحد الصحابة الكرام، رضوان الله عليهم، نبينا صلى الله عليه وسلم، عن الإسلام, فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله, وتقيم الصلاة, وتؤتى الزكاة, وتصوم, وتحج البيت إن استطعت, فقال والذى بعثك بالحق لا أزيد على ذلك ولا أنتقص, فقال صلى الله عليه وسلم: «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ», وفى رواية: «إِنْ صَدَقَ دَخَلَ الْجَنَّةَ». هذا من حيث الأداء, أما من حيث ثمرة العبادات فإنها لا تكاد تتحقق إلا إذا هذّبت سلوك صاحبها, فنهته الصلاة عن الفحشاء والمنكر, ونهاه الصيام عن السباب والفسوق, وطهّرت الزكاة نفسه من الشح والبخل, ونهاه حجه عن الفسوق والعصيان, فصار سلمًا للناس أجمعين, فالمسلم الحقيقى من سلم الناس كل الناس من لسانه ويده، فالإسلام دين الرحمة والسلام, دين لا يعرف الأذي، فالمسلم الحقيقى هو من سلم الناس من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأعراضهم وأموالهم وأنفسهم، ولما سئل نبينا صلى الله عليه وسلم، عن امرأة صوامة قوامة غير أنها تؤذى جيرانها بلسانها، قال صلى الله عليه وسلم: «هى فى النار»، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن» قالوا: من يا رسول الله؟، فقال صلى الله عليه وسلم: «من لا يأمن جاره بوائقه»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤذِ جَارَهُ». دين يحفظ للإنسان كرامته، فينهى عن الغيبة، والنميمة، والتحاسد، والتباغض، والاحتقار، وسوء الظن لهو دين عظيم. دين يمنع الظلم والغش، ولو مع أعدائه، ويحرم سائر الممارسات الاحتكارية، ويعمل على تحقيق الرحمة للإنسان والحيوان والجماد لهو دين عظيم. دين ينهى عن كل ألوان الفساد والإفساد والتدمير والتخريب، ويعصم الأموال والأعراض والأنفس، لهو دين عظيم. وأخيرًا نستطيع أن نقول إن الإسلام قضية عادلة ودين عظيم وإنه وإن تعرض للهجوم من أعدائه فإن المخلصين من أبنائه قادرون بإذن الله، عز وجل، على تجلية الغبار عنه، وعرضه عرضًا صحيحًا من خلال البلاغ الواضح المبين، الفاهم لفقه المقاصد، وفقه الواقع، وفقه المتاح، وفقه الأولويات، فهمًا يؤهل صاحبه للوفاء بواجب هذا الدين العظيم بما يحمله لمصلحة الإنسانية جمعاء من سبل السعادة والرقي، وما يحمله لمن يعمل به من خير الدارين: الدنيا والآخرة. لمزيد من مقالات د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف