استوقفنى ما كتبه أ.أحمد البرى عن «السموم الغائبة عن المزارعين»، والذى طالب فيه بإعادة النظر فى استخدامنا المبيدات الزراعية من أجل الحياة فى بيئة نظيفة، وقال: «إذا كان المزارعون يستخدمون المبيدات للحفاظ على الخضراوات والفواكه من الآفات التى تصيبها خلال فترة تكونها فإنه تغيب عنهم أن لها أضرارا جسيمة، ومن ثمّ يجب تقنين استخدامها»، وتعليقا على ذلك أقول: إن المبيدات تعد من أسوأ وأعظم الاكتشافات فى الوقت نفسه، وذلك لما لها من فوائد وأضرار يعجز الإنسان عن التخلص منها بعد أن صار استخدامها أمرا لا مفرا منه، ولذلك فإن على مستخدميها توخى الحذر والتقيد بإرشادات وتوصيات تطبيقها، وتقنين وترشيد استخدامها.. والحقيقة المؤلمة والصادمة أننا افتقدنا تقنيات وفنيات وارشادات وترشيدات استخدامنا المبيدات الزراعية بعد أن تركنا الفلاح سيد قراره فى استخدامها دون أن يكون لها بديل مناسب، وتركنا له مجالا خصبا لتنمية عقيدته الرامية للإفراط فى استخدامها أملا فى محصول أوفر، وكان ذلك داعيا للاستخدام المفرط العشوائى بل والفوضوى للمبيدات، وفى خضم هذا السلوك يغيب عن المزارعين أن المبيدات تفتك بصحتهم ويجب تقنينها، إن هذه المشكلة تشترك فيها كل الجهات المعنية بداية من مسئولى الزراعة والصحة، ووصولا إلى الفلاح الذى ترك وحده ينصهر فى بوتقة «سمّية المبيدات» وهو يحمى محصوله من ضرر الآفات مضحيا بصحته، وهى أعز ما يملك، وقد حذرت دراسات محلية وإقليمية ودولية عديدة من أخطار تلك المبيدات، وشددت على أهمية تقنين وترشيد استخدامها لما تسببه من حالات تسمم حاد ومزمن للإنسان والحيوان وتشوهات وسرطانات ووفيات، فإذا دققنا النظر جيدا نجد أن هذه الأضرار إذا غابت عن المزارعين، فإنها لا تغيب عنا، فلسنا بمنأى عنها لأننا من مكونات البيئة التى تلوثت «ماء هواء تربة زراعية نبات حيوان إنسان» نحن مستهلكو هذه المحاصيل حاملة متبقيات المبيدات. إن للمبيدات دورة حركية تبدأ بالاستخدام خاصة غير المقنن، ثم تلوث البيئة، وبعدها تصب فى أجسادنا محدثة ما لا تحسب عقباه من أضرار، ويكون ذلك إما بشكل مباشر بوصول المبيد أو أجزاء منه عن طريق الاستنشاق أو اللمس، أو عن طريق الفم أو العين وذلك للقائم باستخدام المبيد أو القريبين من أماكن الرش، أو بطريق غير مباشر باستهلاك المواد الغذائية والماء والهواء والمواد الملوثة بأثر المبيدات، فبواسطة الاستنشاق تدخل جزيئات المبيد على شكل غازات عن طريق التنفس مسببة التهاب الرئة ثم ارتشاحها، ثم التليف فى المرحلة النهائية، وقد تذوب بعض غازات المبيدات فى الدهون من خلال مجرى الدم عن طريق الرئة مسببة العديد من الأمراض الحادة للكلية والكبد، أما باللمس فيمكن للمبيدات دخول الجسم عن طريق الجلد، ومن ثم تصل إلى الدم وكل أعضاء الجسم، وتستقر فيها وتتسبب فى العديد من الأمراض الخطيرة، ومنها أمراض الكبد والفشل الكلوى والسرطان، وقد تصل أضرار المبيدات إلى الأنهار ومياه الآبار بذوبان متبقيات المبيدات الموجودة بالتربة الزراعية بواسطة الرى والأمطار، وهى لا تتحلل بسهولة، وتقضى على الكائنات الحية المفيدة، وتتراكم فى أجسام الأسماك خاصة فى موادها الدهنية، ومن ثم تصل إلى الإنسان عن طريق استهلاكه لها ملحقة به العديد من الأضرار الصحية، كما تؤثر فى التربة الزراعية، وتصيبها بالتسمم الحاد، والأدهى من ذلك أن أغلب المبيدات خاصة مجموعة «الكربيات» تتحول فى التربة إلى مركب «نيتروزأمين» الذى يعد من المواد المسرطنة، وتمتصها النباتات، وعند تغذية الإنسان والحيوان على هذه النباتات تنتقل المادة المسرطنة إليهما، وهذا ما سطّره علماء الطب والتغذية.. إن الآثار السلبية المصاحبة لاستخدام المبيدات لا حصر لها، ولابد من بذل كل الجهود لتقنين استخدام المبيدات، وانتشال الكائنات الحية من براثنها. د. عوض حنا سعد الإسكندرية