لم يخطر أبدًا ببالى أن أرتكب يومًا جريمة قتل إنسان.. أو أتوقع لحظة واحدة أن أكون سجينًا خلف القضبان يومًا من الأيام مع المجرمين أو أن تتصّدر صورتى صفحات الجرائد فى جريمة قتل بشعة اقترفتها يدى دون قصد، ستجعلنى أعيش نادمًا طيلة عمرى على ما ارتكبته من جُرم فى حق شقيقتى أولًا ثم فى حق نفسي، ولما شاركت فيه من إراقة دماء نفس، بهذه الكلمات بدأ المتهم يدلى باعترافاته فى واقعة اشتراكه فى مقتل شقيقته بمنطقة المعصرة. الشمس كانت تدنو من الغروب.. عندما عادت «ميار» إلى منزلها بعد غياب استمر قرابة شهر، لم تطأ قدماها شارع بركات حمودة بالمعصرة مدة الثلاثين يومًا، ولم يرها جيرانها أو أهالى منطقتها خلال هذه الفترة.. لكن الغريب أن غياب «ميار» لم يثر إندهاش أو قلق الجيران، حيث اعتادوا على هذا الأمر منذ أن اشتد قوام «الفتاة» ووصل بها قطار العمر محطته الخامسة عشرة.. أما فى نظر شقيقها الأكبر «شريف» فلم يمر غيابها مرور الكرام، بل قرر أن يعاقبها بطريقته التى لم يتوقع نتائجها. صرخات «الفتاة» التى خرجت من نافذة شقتها بالطابق الأرضى لمنزل العائلة لم تحرك ساكنًا عند جيرانها، بعد أن بدأ شقيقها فى معاتبتها بشدة على غيابها المتكرر من المنزل لفترات طويلة.. «ميار» وأشقاؤها نشأوا فى كنف أسرة بسيطة لا يعرف الإنحراف طريقها، ولا يطرق الانحلال أبوابها، بل عاش «رب الأسرة» طوال حياته يحبه الجميع ويتمتع بسيرة طيبة هو وأبناؤه وسط أهالى المنطقة. «ما لكش ضرب عليا».. عبارة قالتها «الفتاة» لشقيقها، كانت الشرارة التى أشعلت ثورة الغضب بداخله، بل جعلته يفكر فى طريقة أخرى لعقابها تكون أشد قسوة، خاصة أنه العائل الوحيد لها ولشقيقتها الكبري، فهداه شيطانه إلى تقييد حركتها لمنع خروجها عن المنزل نهائيًا.. لكن ما ينوى «شريف» فعله هذه المرة لم يكن من تفكيره بمفرده، بل استعان بزوج شقيقته الكبرى «مبيض المحارة»، لتنفيذ مخططه الشيطانى وتضييق الخناق على الفتاة الطائشة. اصطحب «شريف» زوج شقيقته وتوجها ليلًا إلى شقة شقيقته «ميار».. فاستيقظت الفتاة من نومها على طرقات الباب السريعة، لكنها لم تعلم أن ضيفيها هذه المّرة اصطحبا معهما «عزرائيل» ليقبض روحها بعد أن يلقناها علقة ساخنة ستودى بحياتها قبل وصولها إلى المستشفي.. صرخت الفتاة عندما انهال عليها شقيقها لتوثيق قدميها ب «جنزير» كان بحوزته، لكن بادرها شقيقها بكتم أنفاسها، وبدء هو فى معاقبتها بالضرب المبرح لعدم إلتزامها بأوامر العائلة ولغيابها المستمر عن المنزل.. لكن فجأة ساد الهدوء أجواء الشقة وشحب وجه الفتاة واستلقت على الأرض، فأحضر المتهمان سيارة ملاكى وتوجها بها إلى المستشفى، لكنها فارقت الحياة قبل وصولهما مبنى الاستقبال. لكن دائمًا عقب كل جريمة يصّور الشيطان للجانى أن أمامه الفرصة لأن يلقى بآثار جريمته فى مهب الريح، أو أنه سيفلت من «حبل المشنقة» بحيلة ما،.. فقد ادّعى المتهمان أمام رجال الأمن بنقطة شرطة مستشفى الدمرداش أن «المجنى عليها» تعانى صدمة كبيرة منذ وفاة والديها، وقد أنقذاها من محاولات كثيرة للانتحار، وأنها تعانى من اضطرابات نفسية تسببت فى ابتلاعها شريط أقراص مهدئة، مما أصابها بإعياء شديد نُقلت على إثره إلى المستشفي.. لكن مناظرة الجثة كذبت رواية المتهمين، حيث تبين وجود إصابات قديمة عبارة عن جرح قطعى صغير بالجبهة، وآثار كدمات بالرقبة مما يعنى وجود شبهة جنائية فى وفاتها أو تعرضها للتعذيب. الغريب أن الفتاة رغم تغيبها المتكرر عن المنزل، لم يكن سلوكها سيئا كما كان يتوقع البعض، بل كانت تحب دائما زيارة أحد أقارب والدتها بمنطقة 6 أكتوبر ، وقد تبين أن سبب غضب شقيقها أن والده رفض قبل وفاته زيجتها من أحد شباب أقاربها، وحذرها أكثر من مرة من زيارتهم. ولكن فريق البحث الذى امر به اللواء جمال عبد البارى مساعد وزير الداخلية لقطاع الامن العام لسرعة كشف غموض الحادث قد توصل الى أن المجنى عليها «ميار.أ» دخلت إلى المستشفى بعد إصابتها بغيبوبة عقب تعدى شقيقها «شريف» 26 سنة وزوج شقيقتها الكبرى «ع.ج» 25 سنة عليها، لاعتياد الضحية الغياب المستمر من منزلها دون إذن شقيقها، الذى قام باحتجازها وتقييدها بجنزير فى منطقة القدمين والرقبة، وتعديا عليها واعترف المتهمان أمام اللواء محمد منصور مدير الإدارة العامة لمباحث القاهرة واللواء محمود أبو عمرة نائب مدير الإدارة العامة لمباحث القاهرة بتنفيذ الجريمة.