لم يمض من الوقت على تولى رونالد ترامب منصب الرئاسة فى الولاياتالمتحدة ما يكفى لأن ينسب إليه منهج فى التفكير هو الترامبوية على غرار ما تداولته الميديا من مصطلحات تنسب إلى زعماء كالماركسية واللينينية والناصرية والديجولية، لكن ما اتسمت به مواقف ترامب من دراماتيكية وتقلبات إضافة إلى تغريدات شبه يومية مفاجئة ظهر كما لو أنه موشك على وداع فترة رئاسية ثانية، رغم إن تكرار انتخابه رئيسا لا يمكن لأحد أن يتنبأ به مبكرا، خصوصا بعد أن تضاعف عدد خصومه من الأمريكيين ذوى الأصول الإفريقية والآسيوية واللاتينية بعد أن وصفهم بالبدائيين وبالحثالات! لكن مؤلف كتاب «نار وغضب» وهو مايكل وولف استخدم مصطلح الترامبوية عدة مرات فى كتابه، وهنا تجدر الإشارة إلى أن معظم ما كتب خصوصا فى عالمنا العربى عن هذا الكتاب كان ثمرة اختزالات فضائية وهذا أمر طالما تكرر مما أتاح للمعلقين أن يمارسوا ما يسمى فى أدبياتنا العربية «لا تقربوا الصلاة» ، وهو تعبير دقيق عن الاجتزاء والانتقاء تبعا للنيات، وكون هذا النمط من الكتب هو الأكثر مبيعا فور صدوره ليس فقط بسبب الفضول وما يمكن تسريبه من الأسرار وما يدار وراء الكواليس، بل لأن مؤلفى هذه الكتب يحاولون قدر المستطاع الإفادة من التقنية الروائية بهدف التشويق. وعلى سبيل المثال يبدأ كتاب نار وغضب باسلوب سردى روائى يوحى للقارئ كما لو أنه من نسج الخيال، يقول: كان يفترض أن تبدأ الأمسية عند الساعة السادسة والنصف لكن ستيفن بانون الذى أصبح فجأة من بين أقوى الرجال فى العالم والذى فقد تدريجيا إدراكه للوقت قد تأخر، وكان الثلج ينهمر بغزارة، وبدا وكأن العشاء مسألة مشكوك فيها، لأن ايلز الذى يبلغ من العمر ستة وسبعين عاما يعانى مشكلات فى ساقه ووصوله مع زوجته إلى مانهاتن مقلق لأن الطرقات شديدة الانزلاق، وقد يبدو مثل هذا الاستطراد فى الوصف كما لو أنه عبء على سرد الأحداث لكنه الفخ أو الكمين الذى ينصبه الكاتب ذو الخيال للقارئ كى يستدرجه نحو ما يريد قوله أخيرا . ويستخدم مؤلف كتاب «نار وغضب» الذى أثار حفيظة ترامب مصطلح الترامبوية كتعبير عن حركة أو تيار داخل الحزب الجمهورى، ومن المعروف أن هناك شخصيات بارزة فى الحزب الجمهورى عارضت ترشيح ترامب للرئاسة ومنهم من وصفه بالأرعن أو عديم الخبرة ، كما ان هناك من وصفوه بالمقاول الذى سوف يتعامل فى السياسة بالأرقام فقط ويسعى إلى الكسب العاجل، ومن الشخصيات الجمهورية التى عارضت ترشيح ترامب بانون الذى يحاول الاستيلاء على الحركة الترامبوية، وكذلك جون ماكين عضو الكونجرس الذى سعى لإعاقة تلك الحركة. ولم يكن رصد ما يصدر عن ترامب من ممارسات ومواقف سهلا، إذ بلغ عدد المقابلات التى أجراها وولف أكثر من مئتى مقابلة مع الرئيس ومساعديه فى البيت الأبيض، كما أن الأسئلة التى وجهها للرئيس كانت أقرب إلى المساءلات السياسية والقانونية والأخلاقية أيضا، ومنها قراره نقل سفارة أمريكا إلى القدس، وتورطه مع الروس الذين يقال إنهم ابتزّوه فى حملته الانتخابية، وحين يتحدث وولف عن طاقم ترامب يحاول التسلل إلى النيات، فهو مثلا يقول إن ممثلة امريكا فى الأممالمتحدة «نيكى هالى» تدرك أن ترامب لن يظفر بولاية ثانية وهى امرأة كما يقول ذات طموح شيطاني! إن ما أغضب ترامب فى كتاب مايكل وولف ليس ما قدمه من معلومات تكشف المستور فى الجناح الغربى من البيت الابيض فقط، بل إسقاط أقنعة مزخرفة عن وجوه ذئبية يسيل لعابها على منافع قد تكون كسبا عاجلا للأشخاص، لكنها خسائر استراتيجية فى المدى البعيد للولايات المتحدة! أما السؤال الذى يفرض نفسه قبل انتهاء الفترة الرئاسية الأولى لترامب فهو: كيف اتسع نطاق الشخصنة ودور الرئيس فى بلد غالبا ما يطرح كنموذج للمؤسسات والبيروقراطية العميقة؟ لأن ما ظهر فى عدة مواقف من تفاوت فى المواقف واختلاف فى التصريحات بين الرئيس والدبلوماسية والبنتاجون أوحى للناس بأن هناك عزفا منفردا فى البيت الأبيض وأن حكاية المايسترو والسيمفونية التى يتناغم فيها العازفون مع العصا الأنيقة للمايسترو ليست دقيقة تماما، خصوصا بعد أن لوّحت بعض الولاياتالأمريكية بالتهديد بالانفصال مثل كاليفورنيا وبتزامن دراماتيكى مثير مع انفصال كاتالونيا فى إسبانيا وكردستان فى العراق! إن المدة الزمنية لحكم ترامب وحدها لا تكفى لأن تفرز تيارا تحت عنوان الترامبوية، لأن بوش الأب والابن معا لم يستطيعا رغم كل ما أحدثاه من تحولات واتخذاه من قرارات أن يضيفا إلى سلالة المصطلحات التى تنسب الى زعماء ما يمكن تسميته البوشية، لكن الاختلاف بين بوش الأب والابن وبين ترامب هو أن الأيديولوجيا غلبت على عهدى الأب والابن، حيث شهدت تلك الفترة تناميا ملحوظا وسطوة لليمين المسيحى المتطرف، مما دفع باحثا عربيا هو منير العكش إلى نبش ملف عائلة بوش حتى عام 1861 ووجد أن جورج بوش الجد كان عدوا راديكاليا للإسلام كدين وللمسلمين حتى لو كانوا معتدلين ووسطيين، وتلك بالطبع حكاية أخرى تطول. إن ما يعطى مبررا لأى تيار كالماركسية واللينينية أو الماويّة نسبة لماوتسى تونج او التروتسكية نسبة لتروتسكى أو الديجولية نسبة للجنرال شارك ديجول أو الناصرية نسبة لعبدالناصر، وقبل ذلك كله المسيحية نسبة للسيد المسيح هو استمراره بعد رحيل المؤسس، بحيث تتجاوز الأفكار الشخصنة وتتحول المبادرات الفردية إلى مفاهيم قابلة لعبور الأجيال . لكن ترامب حتى لو ظفر بولاية ثانية فليس هناك من القرائن والحيثيات ما ينبئ ببقاء تيار يحمل اسم الترامبوية، أما المفارقة فهى ما عبّر عنه برنارد شو فى كتابه الشهير بعنوان المسيح ليس مسيحيا، وكذلك ما قيل عن ماركس بأنه ليس ماركسيا وأخيرا فإن ترامب ذاته سينقلب على الترامبوية حتى لو تخيلنا وجودها على نحو افتراضى!. لمزيد من مقالات خيرى منصور