ومع ذلك فإن العالم فى هذا العام يحتفل بمرور مائة عام على مولدها. إنها الثورة الشيوعية. والمفارقة هنا أنه قد قيل عنها إنها وُلدت ثلاث مرات. المرة الأولى فى عام 1891 عندما شاعت المجاعة، وهرب مَنْ هرب ومَنْ بقى مات بالكوليرا أو التيفوس. ومع ذلك فإن الحكومة أخفت أخبار المجاعة والهجرة والأمراض القاتلة. إلا أن تولستوى لم يصمت إذ أعلن أن اللوم يقع على النظام الاجتماعى والكنيسة الأرثوذكسية والحكومة. وإثر إعلانه ثم تسييس المجاعة لتفعيل المقاومة فبدأ التأثر بأفكار ماركس عن طبيعة النظام الرأسمالى وعلاقته بافقار الفلاحين، ومن ثم تعرى افلاس النظام السياسى إلا أن المقاومة لم تتحول إلى ثورة. والمرة الثانية فى عام 1905 التى عُرفت بثورة العمال المتعلمة إلا أنها فشلت بسبب انقسام القوى الثورية وارهاب القيصر. والمرة الثالثة فى عام 1917 وهو العام المعترف به فى قيام الثورة الشيوعية ومن ثم يكون ذلك العام هو العام الذى فيه نحتفل بمرور مائة عام على نهايتها. والسؤال اذن: لماذا انتهت؟ لثلاثة أسباب: وعى الجماهير بالبؤس، وامتناعها عن التكيف مع القيصر الحاكم باسم المطلق، وتصميمها على أن تكون متعلمة. وأظن أن السبب الثالث يقع فى مقدمة الأسباب، ولا أدل على ذلك من أن الثورات الانجليزية والفرنسية اشتعلت وكانت نسبة تعليم رجال الشارع تقترب من 50%. ومن شأن هذه النسبة تدعيم انتشار الأفكار الجديدة ودفع الفلاحين إلى تمثل الايديولوجيات الحديثة وتفجير الثورة الثقافية، ومن ثم وُلدت الثورة الشيوعية بقيادة لينين الذى كان على وعى بقدرة الانسان على تغيير مسار التاريخ. ومن هنا يمكن القول بأن الماركسية لم تكن هى التى صنعت من لينين رجل ثورة، إنما كان لينين نفسه هو الذى طعم الماركسية بالروح الثورية عندما خرج على المألوف عن الماركسية بأنها لم يكن فى إمكانها تحديد هوية المرحلة الانتقالية من الرأسمالية إلى الشيوعية عندما تستولى البروليتاريا على السلطة، إذ حدد لينين هذه الهوية عندما أطلق عليها مصطلح » السياسة الاقتصادية الجديدة«. والسؤال اذن: ماذا يعنى هذا المصطلح؟ إنه يعنى إحداث توليفة بين ملامح هذين الشكليْن من الاقتصاد الاجتماعى وهما الرأسمالية والشيوعية. وسبب هذه التوليفة مردود إلى أن هزيمة الرأسمالية لا يعنى تدميرها كما أن مولد الشيوعية لا يعنى أنها قوية. ومن هنا يمكن القول بأن الفترة الانتقالية تنطوى على تناقض يلزم إزالته، وإزالته تعنى انتصار الشيوعية. ومن هنا أيضاً كان مهموماً بمن سيخلفه. وكان التنافس فى حينها بين ستالين وتروتسكي. كان تروتسكي، فى رأيه، ضعيفاً فى اللجنة المركزية للحزب الشيوعى ومكروهاً بسبب ذهنيته اليهودية، ومن ثم لم يكن لينين راضياً عنه. أما ستالين فقد كان، فى رأى لينين، فظاً فى مسلكه وهو أمر لا يليق عند التعامل مع الرفاق، ومن ثم استبعده من الترشح لمنصب الأمين العام للحزب. وفى النهاية مات لينين فى عام 1924. وفى أثناء تشييع جنازته قيل إن لينين قد مات ولكن اللينينية حية. ومع ذلك فالسؤال اللازم إثارته: ما هى هذه اللينينية التى من المطلوب أن تكون حية؟ إنها تستند إلى مبدأين: مبدأ مطلق هو وحدة الحزب الأمر الذى يترتب عليه اتهام أى انسان يفكر فى التمرد على هذا المبدأ بأنه ضد اللينينية وبالتالى يوصف بأنه خائن. وقد اتهم تروتسكى بأنه ضد اللينينية، أما ستالين وخروشوف وبرجنيف وجورباتشوف فقد قيل عنهم إنهم لينينيون. أما المبدأ الثانى فهو «السياسة الاقتصادية الجديدة». وإثر موت لينين واستيلاء ستالين على السلطة انتهت اللينينية وانتهت معها السياسة الاقتصادية الجديدة، ولكن بقى مبدأ وحدة الحزب. إلا أن هذا المبدأ قد استثمره ستالين فى إثارة الرعب بين أعضاء الحزب. وفى 5 مارس من عام 1953 مات ستالين. وفى 24 فبراير من عام 1956 انعقد المؤتمر العشرون للحزب الشيوعى السوفيتى وأعلن فيه خروشوف العودة إلى مبادئ اللينينية لتجنب العنف الوحشى الذى اتسم به زمن ستالين. إلا أن هذه العودة استلزمت النقد الذاتى لأنه من المبادئ الأساسية للينينية. ومع ذلك فإن خروشوف قد عزل من منصبه فى أكتوبر من عام 1964 بأمر من زعيم الانقلاب برجنيف لإعادة الوضع الذى كان قائما فى زمن ستالين. إلا أن هذا الوضع لم يكن صالحاً لإعادته، إذ كان موضع إثارة لطُرف عديدة منها على سبيل المثال: ماذا يحدث لو طبقنا اللحظة الخمسية على الصحراء؟ فى البداية لن يحدث شيء، ولكن بعد عدة سنوات ستحدث أزمة فى كمية الرمال. لا أحد يعمل ولكن الخطة المقترحة نُفذت على أكمل وجه المحلات خالية من السلع ولكن الطوابير أمام المحلات كل سوفيتى بائس ولكنه يصوت فى الانتخابات ب نعم وفى مارس عام 1970 دعيت للمشاركة فى الاحتفال بالعيد الألفى للينين فى المركز الثقافى السوفيتى بالاسكندرية. وفى بداية الاحتفال حكى المستشار الثقافى السوفيتى طرفة. قال: فى إحدى مدارس الأطفال بموسكو قالت المعلمة: إن المواطنين فى الاتحاد السوفيتى فى منتهى السعادة لأن كل ما يطلبونه متوفر وكل أحلامهم متحققة. وفجأة لاحظت المعلمة أن طفلاً يبكى بالدموع فسألته عن السبب فكان جوابه: أبكى لأننى أريد أن أذهب إلى الاتحاد السوفيتي. وكان برجنيف آخر رؤساء الاتحاد السوفيتى وكان أول مَنْ أجهز عليه هو جورباتشوف. وعندما جاء بعده يلتسين أصبح الاتحاد السوفيتى فى حالة فوضي. وفى جلسة افتتاح المؤتمر العالمى للفلسفة بموسكو فى عام 1993 فوجئت بدخول جورباتشوف متجها إلى المنصة ودون إذن مسبق وألقى خطاباً نارياً جاء فيه« إن الاتحاد السوفيتى مازال محكوماً بالستالينية». لمزيد من مقالات مراد وهبة;