حلم عودة منبر (لاجين) يتحقق قريبا و20 منبرا تنتظر الإنقاذ مشروع الإنقاذ يتضمن التوثيق والترميم والاستنساخ ولدينا أكثر من 50 منبرا تحتاج للترميم المنابر الهدف الأول للصوص لجمالها وارتفاع أسعارها فى أسواق تجارة الآثار
فى منتصف القرن التاسع عشر خرج من مصر وتحت رعاية حكومية رسمية أول معرض للآثار الإسلامية هذا المعرض ضم مئات القطع كان أهمها مجموعة منبر السلطان (لاجين )181 قطعة تم تفريغها من واحد من أجمل المنابر الإسلامية على وجه الإطلاق خرجت تلك القطع ولم تعد توزعت بين 11 متحفا وعدد من المقتنين وبقى هيكل المنبر الجميل فارغا ليذكرنا أن جمالا كان هنا وضاع ثم ضاعت بعده منابر أخرى لا تقل جمالا وروعة فى سنوات لاحقة .. وفى تقرير مفصل كان قد أصدره قطاع الآثار الإسلامية بوزارة الآثار عن السرقات التى تعرضت لها أشهر مساجد ومدارس القاهرة التاريخية كانت المنابر دوما هى الهدف للصوص والضحية التى تظل شاهدة على الإهمال والتواطؤ الشديدين من الجميع . ما يزيد على 16 منبرا تمت سرقتها بالكامل أو سرقة اجتزاء منها وتركها تعانى تشوها حقيقيا فى بنيانها الجمالى المنابر كانت دوما هدفا للصوص وحلما لمقتنين الآثار وسوقا رابحة جدا لأصحاب صالات المزادات العالمية. قبل عدة أشهر عرضت صالة (سوزبيز) للمزادات بابين لمنبر إسلامى حدد السعر لها ما بين 100 إلى 120 ألف جنيه إسترلينى أى ما يعادل 3 ملايين جنيه مصرى تقريبا البابان هما بابا المقدم لأحد المنابر الإسلامية من العصر المملوكى وهما جزء من عدة أجزاء تكون منابر مساجد مصر التاريخية فماذا لم يتم بيع المنبر كاملا إذن ؟ لهذا كانت المنابر دائما هدفا، دكتورة أمنية عبد البر المدير التنفيذى لمشروع ترميم وحماية المنابر المملوكية وهو المشروع الذى انطلق قبل أيام بمنحة كاملة من الحكومة البريطانية ممثلة فى المركز الثقافى البريطانى تشرح لنا قصة المنابر قائلة: «وحدات بناء المساجد والمدارس الإسلامية تتعدد أشكالها ويأتى على قمتها المنبر والذى يعتبر قلب الفن فى بناء أى مسجد فهو الذى يحتوى على الوحدات الأكثر جمالها فى الاعمال الخشبية والصدف والتطعيم الزخرفى وبالتالى فهو دائما هدف للصوص وأصحاب صالات المزادات وهو الاعلى سعرا فى حالة البيع السرى أو حتى المزايدة العلنية كما نتابع دائما فى المزادات التى تقيمها سوزبيز وغيرها وهو ما نتج عنه عمليات سرقة دائمة ومنظمة لتلك المنابر لا ينتج عنها فقط اختفاء أجزاء مهمة من منابر بعينها بل تشويه حقيقى لما تبقى منها فالمنبر لكبر حجمه يصبح سرقته بالكامل أمرا صعبا وان كان هذا قد حدث بالفعل قبل سنوات ولكن اغلب السرقات تكون إما بسرقة أجزاء كبيرة وعلى رأسها بابا المقدم أو سرقة حشوات أو أجزاء صغيرة من جسد المنبر نفسه وهى الظاهرة الشائعة منذ سنوات ولكن أيا كانت نوعية السرقة فنتيجتها واحدة وهى الاعتداء على المنبر الأثرى وتشويهه» . ( اللصوص يحبون المردانى ) من أغرب قصص السرقات التى ذكرها تقرير كانت قد أعدته إدارة الآثار الإسلامية بوزارة الآثار هى قصة سرقة منبر الطنبجا المردانى فالمسجد والذى بنى فى العصر المملوكى تحديدا عام 704 هجريا كان قد تعرض منبره للسرقة أكثر من مرة وكانت السرقة الأولى فى أوائل سبعينات القرن ال 19 حيث نزعت منه أربعين حشوة عثر عليها بالصدفة احد أعضاء لجنة حفظ الآثار فى فرنسا عام 1901 واشترتها اللجنة وأعادت تركيبها وبعد أكثر من مائة عام وتحديدا فى مايو عام 2007 عاد اللصوص لسرقتها مرة آخرى ولكن هذه المرة لم يتم العثور عليها وخرجت ولم تعد بينما القضية تم حفظها بعد أن قيدت ضد مجهول . نعود للدكتورة أمنية عبد البر لنسألها عن مشروع إنقاذ منابر القاهرة المملوكية وتكمل : «المشروع هو تمويل بريطانى ضمن مشروع اكبر خصصت له الحكومة البريطانية مبلغ 30 مليون جنيه إسترلينى لإنقاذ التراث الحضارى لعدد من دول المنطقة المهددة بتدمير تراثها سواء بسبب الحروب كما فى سوريا والعراق مثلا أو بسبب الإهمال وتعرض تلك الآثار للسرقة المتكررة وقد تقدمت المؤسسة المصرية لإنقاذ التراث التى شكلتها مجموعة من المعماريين والأثريين فى عام 2013 بهدف التحرك السريع لانقاد الآثار والحفاظ عليها وترميمها ,تقدمنا بفكرة المشروع بعد أن اخترنا المنابر وتحديدا 20 منبرا مهمة فى القاهرة التاريخية لإنقاذها وترميمها وتمت الموافقة وقدمت لنا منحة عبارة عن 100 ألف جنيه إسترلينى لمدة عام كامل تبدأ فى فبراير 2018 وتنتهى فى يناير 2019 ويعمل المشروع على ثلاثة محاور رئيسية أولها التوثيق وشكلنا له فريق كامل من العاملين والمتطوعين وسيبدأ عمله بداية ابريل الحالى حيث يتم توثيق تلك المنابر توثيقا معماريا وفوتوغرافيا وسيستمر لمدة 6 شهور بحيث يصبح لدينا سجل كامل لتلك المنابر خاصة انه مع التوثيق التاريخى والتصوير سنقوم عبر المتخصصين برسم كل الأشكال والزخارف التى تحويها تلك المنابر بشكل دقيق جدا يحفظ لنا فى حالة حدوث أى سرقة القدرة على إنتاج القطعة المسروقة ويتيح كذلك القدرة على تتبعها بشكل واضح أما المرحلة الثانية من المشروع فهى مرحلة الترميم فنتيجة لعملية التوثيق يمكن أن نحدد المنابر التى تحتاج للترميم بشكل عاجل ونحن لدينا تصور مسبق أننا سنتعامل مع أربعة منابر فى حدود ما توفره لنا المنحة من أموال أما المرحلة الثالثة فهى مرحلة إعادة الإنتاج حيث سندعو عددا من المصممين المتخصصين وعددا من الحرفيين المهرة ونختار مجموعة من القطع من تلك المنابر لنقوم بإعادة إنتاجها كنوع من حفظ هذا التراث وأيضا لأحداث عملية ترابط ما بين التراث والقيم الحديثة عبر إعادة إنتاج التراث واستخدامه». (السلطان لاجين يعود) فى منتصف القرن التاسع عشر وتحديدا عام 1867 فى عصر الخديوى إسماعيل خرج من مصر أول معرض دولى لأثار مصر الإسلامية ليطوف فى عدد من المتاحف الأوروبية وكان ضمن القطع المعروضة أجزاء مهمة من منبر السلطان لاجين الموجود فى مسجد ابن طولون وهو واحد من أروع المنابر المملوكية واقتطعت منه حوالى 181 قطعة عرضت فى عدد من المتاحف الأوروبية وعلى رأسها متحف فيكتوريا وألبرت بانجلترا ويقال انه بعد انتهاء الجولة لم تعد تلك القطع لمصر وتم بيعها لتلك المتاحف أو الأماكن التى عرضت بها بحيث توزعت على 11 متحفا قوميا وثلاثة من مقتنى الآثار. وقد حاولت لجنة حفظ الآثار لاحقا وفى بداية القرن العشرين إنقاذ المنبر الذى كان قد تحول لهيكل فارغ تماما من جميع مكوناته وحلياته الفنية بعمل مستنسخات بسيطة لملء تلك الفراغات ولهذا سيكون منبر السلطان (لاجين)على رأس قائمة الإنقاذ كما تقول أمنية عبد البر: «فى متحف فيكتوريا وألبرت توجد حوالى 80 قطعة وحلية مختلفة الأشكال والأحجام من منبر السلطان (لاجين) والذى سبق وقمت بدراسته بشكل متعمق الآن لدينا محاولة حقيقية لعمل مستنسخات طبق الأصل من الحليات القديمة عبر التصوير ثلاثى الأبعاد لتلك الحليات والتى أصبح مستحيلا استعادتها حيث إنها تم بيعها بشكل رسمى عقب انتهاء معرض حسين باشا المعمار فى عام 1867 فلم يكن لدى المصريون وقتها وعى التعامل مع الآثار الإسلامية تحديدا باعتبارها اثر لابد من حمايته والحفاظ عليه لكثرة الموجود منها ولعدم إدراك أهميتها وندرتها وبالتالى لم يعد أمامنا سوى محاولة الحفاظ على الشكل الجمالى وسوف يتاح لنا عقب اتفاق مع المتحف على التصوير وتحديدا أربع قطع هامة جدا وهى لوحات تعتبر ما يمكن أن نسميه اللوحات التأسيسية للمنبر حيث كتب عليها اسم السلطان وسنة الإنشاء والعودة للفنانين المصريين والمتخصصين فى إعادة تخليق نفس القطعة تماما وتركيبها وهو ما سنفعله فى قطع منبر (لاجين) واتفقنا بالفعل مع دار نديم للتصميم لإعادة تصنيع تلك القطع ضمن مشروع ترميم المنبر والذى يعتبر أول منبر سيتم ترميمه ضمن المشروع». وفى متحف فيكتوريا وألبرت أيضا يستطيع زوار المتحف زيارة القاعة المخصصة لمنبر كامل من عصر السلطان قايتباى ويعتبر المنبر حسب تقدير المسئولين عن المتحف من أهم القطع المتحفية به لقدمه وجماله ولاعتباره قطعة متكاملة وليست مجرد أجزاء المنبر الكامل كان قد خرج من مصر بشكل رسمى ضمن احد المعارض أيضا ولم يعد بعد أن اشتراه المتحف وهو أمر كان يحدث بشكل عادى فى القرن التاسع عشر قبل تشكيل أول كيان مصرى رسمى لحماية الآثار والحفاظ عليها وهى لجنة حفظ الآثار, أما ما يثير الحزن حقا فهو أن هناك منبرا آخر سرق بالكامل من مصر وسط وجود وزارة الآثار والقوانين التى تجرم السرقة وهو منبر مسجد السلطان (قايتباى الرماح) الذى يرجع تاريخ بنائه لعام 908 هجرية 1502 ميلادية وحسب تقرير السرقات الذى أعدته وزارة الآثار فالمنبر تمت سرقته فى عام 2010 ويصف تقرير السرقات الذى أعدته وزارة الآثار نهاية عام 2016 المنبر بأنه من أجمل منابر العصر المملوكى وسرقت أجزاؤه بالكامل وهى عبارة عن:(باب المقدم وبابى الروضة والريشتين الجانبيتين اللتين يعلوهما درابزين والسلم والجوسق وجلسة الخطيب) ورغم هذه السرقة الضخمة والصادمة فإن القضية تم حفظها لعدم الوصول لمرتكبى الحادثة !!!! (سرقات دائمة) اختفاء منبر السلطان (قايتباى الرماح) عام 2010 كان قد سبقته عدة حوادث لسرقات ضخمة للمنابر شهدت تفريغ بعضها مما تحتويه من حشوات وأجزاء هامة بعضها سرق بشكل مرحلى وبعضها تم اقتناصه فى ليلة واحدة ففى شهر مايو من عام 2008 استيقظ خادم مسجد (جانم البهلوان) فى حى الخليفة ليجد أن اللصوص قد قضوا ليلتهم فى تفريغ المنبر من جميع الحشوات النجمية الموجودة به ثم وجدوا بعض الوقت لسرقة نفس الحشوات من جانبى كرسى المصحف وكالمعتاد لم يستدل على الجناة.. وبعد اقل من شهر من تلك السرقة الكبرى شهد منبر مسجد الصالح طلائع والذى يشير تقرير وزارة الآثار إلى انه يعتبر تحفة فنية حقيقية من تحف العصر الفاطمى حيث يعتبر محرابه من أروع ملامح ذلك العصر كما أن منبره يعتبر أكثر المنابر اتقانا فى صنعته كل هذا لم يشفع له ليحظى بحماية كافية تحميه من عبث اللصوص وأياديهم حيث عبثت به مرتين فى نفس الشهر بفارق أسبوع واحد فقط فى المرة الأولى تمت سرقة 6 كندات خشبية من الطبق النجمى فى الريشة اليمنى للمنبر وكندات أخرى من الريشة اليسرى وهى محلاة برسوم نباتية محفورة ومطعمة بالعاج والصدف وفى المرة الثانية سرقت حشوتين من باب المقدم عليها نص تجديد المنبر والذى يعود تاريخه لأكثر من 120 عاما ... وبعد اقل من شهرين على تلك السرقة الضخمة وبالتحديد فى أغسطس 2008 تمت سرقة مجاورة لمنبر لمسجد الأمير قجماس الاسحاقى أو مسجد أبو حريبة وهو احد مساجد العصر المملوكى حيث بنى عام 886 هجرية 1481 ميلادية حيث سرق من منبره شديد الجمال المطعم بالعاج ضلفتى باب المقدم بالكامل..!!!! حسب ما ذكره موقع المركز الثقافى البريطانى عن مشروع منابر القاهرة فإن الهدف من المشروع هو إنقاذ وحماية المنابر المملوكية التى تتميز بروعة وحداتها الفنية واعتبارها هدفها لعمليات السرقة المنظمة لارتفاع قيمتها السوقية وأيضا ما تتعرض له من إهمال كبير ليكون الهدف هو الإنقاذ والحماية عبر عمليات ترميم لها وتوثيقها بشكل دقيق وإنشاء قاعدة بيانات شاملة لها كما يسعى كذلك لخلق قنوات للإبداع عبر إنتاج نماذج مصغرة ومتطابقة لتلك المنابر وما تحويه من وحدات بنائية شديدة التميز. أعود لأمنية عبد البر لأسألها وهل يكفى عام واحد لانجاز عملية الإنقاذ وتجيب: «فى تصور سابق وضعناه فى المؤسسة المصرية لإنقاذ التراث توصلنا إلى أن هناك حوالى 50 منبرا تحتاج لإنقاذ عبر ترميم كامل أو جزئى حسب حالة المنبر وفى المتوسط تتكلف عملية الترميم حوالى 125 ألف جنيه للمنبر وهو ما يعنى أننا نحتاج فعليا لأكثر من 6 ملايين جنيه للتعامل المبدئى مع تلك المنابر وأظن أن جمال هذا المشروع الذى تموله الحكومة البريطانية انه يوجه الانتباه للمرة الأولى لهذا الجزء المهم من الفن الإسلامى وضرورة الحفاظ على ما تبقى منه وربما يكون بداية لمشروع اكبر واعم للتعامل مع ما تبقى لدينا منه بقدر من الاهتمام والتقدير».