فى الأعوام الخمسة الأخيرة، أعلنت جامعة القاهرة فى أكثر من مناسبة عن اختيارها ضمن قائمة أفضل 500 جامعة فى عددٍ من التصنيفات العالمية للجامعات، و فى 28 فبراير 2018 كشف تصنيف «كواكواريلى سيموندس QS» البريطانى فى تقرير نشره عن تقدم جامعة القاهرة على كل الجامعات المصرية وحصولها على مراكز متقدمة فى 16 برنامجا أكاديميا، إلى جانب ظهور تقدم الجامعة فى قائمة ترتيب أفضل 5 قطاعات أكاديمية على المستوى الدولي. وقد تباينت آراء الخبراء المتخصِّصين فى شئون الجامعات حول المرتبة المتقدمة التى تحتلّها جامعة القاهرة ضِمن أفضل الجامعات على مستوى العالم فى الأعوام الخمسة الأخيرة فى أهم التصنيفات العالمية. ففى حين يعتبرها البعض ثمرة جهود أعضاء هيئة التدريس بالجامعة وإدارتها، يرى الكثيرون أنه تصنيف غير معبر عن الواقع. غير أن الأسئلة التى تطرح نفسها هي: ما هى أهمية التصنيفات العالمية للجامعات بالنسبة للدول؟ وما هى أهم هذه التصنيفات؟ وما هى المعايير التى تعتمدها فى ترتيب الجامعات؟ وكيف يُمكن لصانع القرار أن يتخذ من الإجراءات ما يؤدى إلى إدراج عددٍ أكبر من الجامعات المصرية فى هذه التصنيفات وتحسين ترتيبها؟ فى معرِض الإجابة عن هذه التساؤلات تجدر الإشارة إلى أن هناك عددًا من الجامعات المصرية الأخرى -بخلاف جامعة القاهرة- مؤهلة للدخول ضمن قائمة أفضل 500 جامعة فى تصنيف أو أكثر من هذه التصنيفات، مثل جامعات: الإسكندرية، والمنصورة، والأمريكية بالقاهرة. وتأتى أهمية وجود عدد من الجامعات فى قائمة أفضل 500 جامعة من كونها أحد مصادر القوة الناعمة للدولة، مثلها فى ذلك مثل الفنون، وبراءات الاختراع، والتقدم التكنولوجي، وعدد جوائز نوبل التى حصل عليها مواطنوها.. إلخ. ومما يجدر ذكره فى هذا السياق أنه لا يخلو أى تصنيف دولى للجامعات من وجود 4 جامعات إسرائيلية -على الأقل- ضمن أفضل 500 جامعة عالميًّا، فى حين لا يتعدى -فى الغالب- عدد جامعات الدول العربية مجتمعة فى هذه القوائم ثلاث جامعات على الأكثر من بين الجامعات التى تحتضنها البلدان العربية. وأما عن أهم التصنيفات العالمية للجامعات، المستندة إلى معايير موضوعية تجعلها بمثابة المرجعيات التى تحرص الجامعات العالمية على التنافس من أجل تَصَدُّر مواقع بارزة فيها، فهى على النحو التالي: أولا- التصنيف الأكاديمى للجامعات العالمية: وهو تصنيف تُصدره جامعة جياو تونغ شنغهاى الصينية، ويعرف فى الأوساط الأكاديمية بالتصنيف الصينى أو تصنيف شنغهاي. ثانيًا- تصنيف مجلة التايمز البريطانية للتعليم العالي: وعادة ما يشار إليه بالتصنيف الإنجليزي. ثالثًا- تصنيف كواكواريلى سيموندس QS للجامعات العالمية: وهى مؤسسة غير ربحية مقرها لندن. رابعًا- تصنيف الويبومتركس: ويقوم على إعداد هذا التصنيف المركز الوطنى للبحوث بمدريد فى إسبانيا. وهناك عدد آخر من التصنيفات العالمية للجامعات، غير أنها أقل أهمية وتأثيرًا من التصنيفات الأربعة المتقدمة. ومن أهم المعايير التى تعتمد عليها هذه التصنيفات فى ترتيبها للجامعات، هي: مدى حصول خريجى الجامعة وأعضاء هيئة التدريس بها على جوائز نوبل أو أوسمة فيلدز للرياضيات، وعدد الأبحاث المنشورة لأعضاء هيئة التدريس فى المجلات الدولية المحكمة والمدرجة فى قواعد البيانات المعتمدة مثل قاعدة طومسون رويترز، لا سيما مجلتى Science وNature، وحجم استشهادات الباحثين فى العالم بالأبحاث المقدمة من الباحثين والأكاديميين فى الجامعة، ونسبة الطلاب لأعضاء هيئة التدريس، ونسبة أعضاء هيئة التدريس الأجانب إلى الأعضاء المصريين، وغيرها من المعايير الموضوعية القابلة للقياس والمقارنة بطريقة عادلة وموضوعية. ومنذ بداية عام 2007، قامت إدارة جامعة القاهرة بزيادة الميزانية المخصَّصة للبحث العِلمي، وتخصيص مكافآت للنشر الدولي، والتى قد تصل إلى 100 ألف جنيه للباحث فى حالة نشر بحثه فى أيٍّ من مجلَّتَيْ Science أو Nature، وهو ما نتجت عنه حالة من التسابُق بين أعضاء هيئة التدريس بالجامعة لنشْر أبحاثهم ودراساتهم بالمجلاّت الدولية المحكمة، لا سيما المدرجة منها فى قاعدة بيانات طومسون رويترز، وقد ساهم هذا بدوره فى حفاظ الجامعة على موقعها فى ترتيب أفضل 500 جامعة طبقًا لتصنيف شنغهاى فى الأعوام الأخيرة. وفى الأعوام الخمسة السابقة قامت الجامعة أيضًا بتطوير الخدمات الإلكترونية اللازمة لإتاحة الأنشطة العلمية لأعضاء هيئة التدريس بها على بوابتها الإلكترونية عن طريق إنشاء موقع علماء الجامعة، والذى يُمكِّن كل عضوٍ من إتاحة أعماله البحثية على شبكة المعلومات وتحديثها كلما رغب فى ذلك، وهو ما ساهم فى حصول الجامعة على المركز 299 فى التصنيف الإسبانى فى عام 2014. وخلاصةُ الأمر، فإن حصول الجامعات المصرية على ترتيب متقدم فى التصنيفات الدولية المعتمدة يُعزز من مكانة مصر الدولية، ويُعد مصدرًا مهما من مصادر قوتها. وظهور جامعة واحدة فقط فى قائمة أفضل 500 جامعة فى أهم التصنيفات العالمية تصنيف شنغهاى الصيني، هو فى حقيقة الأمر وضع لا يليق بدولة بمكانة مصر كانت ولا تزال رائدة فى مجال التعليم فى إفريقيا وفى منطقة الشرق الأوسط، وبخاصة أن هناك جامعات مصرية أخرى لديها من الإمكانيات ما يؤهلها للحصول على ترتيب متقدم فى هذه التصنيفات. وتفعيلا لمواد البحث العلمى فى دستور 2014، ومنها تحديد 1% من ميزانية الدولة للبحث العلمي؛ فإنه يجب على المسئولين عن منظومة التعليم والبحث العلمى فى مصر تحفيز أعضاء هيئة التدريس بالجامعات على نشر بحوثهم فى مجلات عالمية محكّمة عن طريق زيادة المكافآت المادية والمعنوية لمن يقوم بذلك منهم.
عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة لمزيد من مقالات د. محمود السعيد