نقيب المهندسين يتضامن مع هيثم الحريري في طعنه أمام مجلس الدولة    الوعي الوطني ومواجهة التحديات، ندوة مشتركة بين مجمع الإعلام وجامعة الفيوم    أبرزها إنشاء مصنع لتجميع السيارات، مجلس الوزراء يوافق على 12 قرارا جديدا    الرقابة المالية تلزم أمناء الحفظ بالتأكد من وجود حسابات بنكية لدى عملائها للتعامل في الأوراق المالية    رئيس الوزراء يوضح سبب رفع أسعار الوقود والاستشارة التي طلبها من المتخصصون    السيسي: نستضيف 10 ملايين أجنبي من دول تعاني أزمات وعدم استقرار    حكاية منظمة    طاقم تحكيم مغربي يصل القاهرة لإدارة مباراة الزمالك وديكيداها    سقوط دجال كرموز لنصبه على المواطنين بوهم العلاج الروحاني    السطو على متحف آخر في فرنسا بعد ساعات من سرقة اللوفر    من خام الذهب والفضة.. الحكومة: إصدار عملات تذكارية احتفالا بافتتاح المتحف المصري الكبير    الصحة تبدأ تفعيل البرنامج القومي للوقاية من روماتيزم القلب    أفضل 5 وجبات خفيفة صحية لا ترفع السكر في الدم    الريال ضد يوفنتوس.. التشكيل المتوقع لقمة دوري أبطال أوروبا    جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا.. صرح أكاديمي متكامل ورؤية تعليمية عالمية    مصر تستضيف مؤتمر تسليم وتسلم قيادة افريكسم بنك    شاهد غرفة ملابس الأهلي قبل مباراة الاتحاد السكندري في الدوري    رفض طعن برشلونة على طرد فليك وغيابه عن الكلاسيكو أمام ريال مدريد    الفريق كامل الوزير يفتتح أحدث خطوط الإنتاج للمكملات الغذائية باستثمارات 200 مليون جنيه    ضبط متهم فبرك فيديو Aiمخل لفتاة رفضت الزواج منه    فئات ممنوعة من أداء مناسك الحج    حملات مرورية مكثفة بمنطقة المساكن والجامعة بقنا بعد شكوى الطلاب والأهالى    "التربية السليمة للأطفال وحقوق الطفل وذوى الإعاقة " فى ندوة بالشرقية    زلزال بقوة 5.1 درجة يضرب قبالة مدينة كوشيرو اليابانية    النجم التركي كان أورجانجي أوغلو: أتطلع لزيارة الجمهور في منازلهم بمصر    محمد عبده يقبل يد المايسترو هاني فرحات : "ونكيد العوازل بقي "    نائب الرئيس الأمريكى: نأمل أن تمضى خطة ترامب قدما وأن يتحقق السلام فى غزة    بوتين يطلع عبر الفيديو على تدريبات للقوات النووية الاستراتيجية    محافظ شمال سيناء: معبر رفح من الجانب المصري مفتوح منذ 7 أكتوبر 2023    505 جهة وشركة تتعاقد بمنظومة التأمين الصحى الشامل على مستوى الجمهورية    «تعليم الغربية» تتفقد انتظام الدراسة وتوافر وسائل الأمن والسلامة في عدة مدارس    الأورومتوسطي: لم ينجُ أحد بغزة من الإبادة.. وإسرائيل قتلت وأصابت واعتقلت 12% من سكان القطاع    «الرعاية الصحية» : تقنية حديثة لعلاج دوالي الساقين دون جراحة بمستشفى السلام التخصصي ببورسعيد    على خطى «لصوص لكن ظرفاء».. اعترافات المتهمين ب«سرقة ذهب» من فيلا التجمع    إحالة أوراق سائق للمفتي بعد اتهامه بقتل مزارع وتزعُّم عصابة للإتجار بالمخدرات في القليوبية    القبض على المتهم بقتل طليقته أمام مدرسة في مدينة السادات بالمنوفية    البترول: مصر تُصدر 150 ألف متر مكعب من الغاز المسال إلى تركيا لصالح توتال إنيرجيز    تراجع ظاهرة السحابة السوداء بالشرقية    «مصر» ضمن المرشحين لجائزة أفضل منتخب إفريقي في 2025    حسام حسن ويوريشيتش ضمن قائمة المرشحين لجائزة أفضل مدرب في إفريقيا 2025    لبنى عبد الله: أمير عبد الحميد رحب بالاستمرار في الأهلى من موقع الرجل الثالث    الأقصر تتحرك لدعم موسم سياحي استثنائي.. لقاء موسع بمشاركة خبراء ومختصين    بيحبوا يكسروا الروتين.. 4 أبراج لا تخشى المخاطرة وتحب انتهاز الفرص    تأهل كلية الاستزراع المائي بالعريش لجائزة مصر للتميز الحكومي    "الأونروا": يجب فتح جميع المعابر إلى غزة مع ضرورة أن تكون المساعدات غير مقيدة    انتخاب رئيسة جديدة للاتحاد العالمي للكنائس المصلحة    وزير الإسكان: تخصيص 408 قطع أراضٍ للمواطنين بمنطقة الرابية    نائب وزير الصحة يتفقد جاهزية الخدمات الطبية والطوارئ بميناء رفح البري    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 22-10-2025 في محافظة الأقصر    الصحة وصندوق مكافحة الإدمان يفتتحان قسما جديدا للحجز الإلزامي بمستشفى إمبابة    منال عوض: نسعى لحل مشاكل المواطنين والتواجد المستمر على أرض الواقع    موعد مباراة بايرن ميونخ وكلوب بروج فى دوري الأبطال والقنوات الناقلة    دبلوماسي روسي سابق: النزاع مع أوكرانيا قائم على خلافات جوهرية    مفتي الجمهورية: الله تولى بنفسه منصب الإفتاء وجعله من وظائف النبوة    حكم القيام بإثبات الحضور للزميل الغائب عن العمل.. الإفتاء تجيب    حين يتأخر الجواب: لماذا لا يُستجاب الدعاء أحيانًا؟    سماء الفرج    موعد شهر رمضان المبارك 1447 هجريًا والأيام المتبقية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى ذكرى محمد عبد الوهاب
نشر في الأهرام اليومي يوم 19 - 03 - 2018

تحل فى هذه الأيام ذكرى عزيزة على المصريين (بل وعلى العرب عموما) هى ذكرى ميلاد محمد عبد الوهاب، الموسيقى المصرى الفذ والمطرب المحبوب الذى ملأ الدنيا وشغل الناس، بأغانيه وموسيقاه وأفلامه، لأكثر من ثلاثة أرباع قرن، من عشرينيات القرن العشرين إلى أوائل التسعينيات.
إنى أذكر كيف انقسمنا، ونحن صبية صغار فى السنوات الأولى من الدراسة الثانوية، بين المتحمسين للملحنين المتمسكين بالتراث الموسيقى العربى (مثل زكريا أحمد) و (المستغربين) من الملحنين الذين تأثروا بشدة بالموسيقى الغربية، بل وسمحوا لأنفسهم أحيانا بالاقتباس منها، وعلى رأسهم محمد عبد الوهاب. ولكن عبد الوهاب كان يميزه عن هذا الفريق الأخير بأنه أثبت فى مطلع حياته الفنية موهبته الفذة، حتى فى أعماله الملتزمة التزاما تاما بقواعد الموسيقى والغناء العربية، ومن ثم لم يكن اقتباسه من الموسيقى الغربية ناتجا عن قلة الحيلة أو نضوب الموهبة، وأنه كان قادرا على تطويع ما يقتبسه من موسيقى الغرب ليصبح جزءا مقبولا فى وسط النغم العربي.
هكذا بدأ عبد الوهاب، إذا أدخل فى مقطوعتة الموسيقية أو الغنائية نغمة من قطعة موسيقى غربية، وكأنه لا يفعل هذا إلا بعد أن يهضم الموسيقى المقتبسة هضما، ومن ثم تقبلها الأذن العربية برضا تام ودون أى شعور وبأن شيئا يقحم إقحاما مما يمكن أن تنفر منه النفس.
هكذا دخلت ألحان عبد الوهاب (أو معظمها على الأقل) الأذن والقلب العربيين دون أى عاتق. فكنا نبتهج لسماعنا عن ظهور أغنية جديدة له وكأنه خبر سياسى مهم وسار، ونظل ننتظره بشغف ثم نردده بعد سماعه حتى نحفظه عن ظهر قلب.
كان خبرا مهما جدا إذن، ذلك الذى انتشر فى منتصف الستينيات بأنه عبد الوهاب وأم كلثوم سيتعاونان فى عمل واحد، فيلحن عبد الوهاب أغنية لأم كلثوم، بعد أن استقر فى أذهاننا أن كلا منهما سعيد بالتربع على عرشه مستقلا عن الآخر. سمعنا وقتها شائعة (وأظن أنها صحيحة)، بأن السلطة السياسية فى ذلك الوقت (التى كانت تحكم البلاد بيد من حديد) هى التى قررت وضغطت على الفنانين العملاقين لكى يشتركا فى عمل واحد، ولم يكن بقدرتهما أن يرفضا مثل هذا الطلب. انتظرنا بشغف شديد أن نسمع بنتيجة هذا التعاون، وكانت النتيجة هى أغنية «أنت عمري» الزائعة الصيت والتى لم يكن المذياع ينتهى من إذاعتها فى إحدى المحطات حتى تبدأ إذاعتها من جديد فى محطة أخري، كانت نتيجة هذا التعاون موفقة جدا من الناحية الفنية (ولابد إنها كانت كذلك أيضا من ناحية العائد المادي)، فتوالى بعد ذلك ظهور أغنية بعد أخرى لأم كلثوم من تلحين عبد الوهاب، واستقبل الناس هذا بترحاب شديد يتفق مع حبهم لكل منهما.
من الطريف أن نلاحظ أن كلا من الفنانين الكبيرين لم يستطع أن يتجنب مراهنة السلطة السياسية، بدرجة أو بأخري، إذ كان رضا السلطة ضروريا، فيما يبدو، لاستمرار رضا وسائل الإعلام عنهما. ولكن العكس كان صحيحا أيضا، أى أن مراهنة السلطة للفنانين الكبيرين بدأ ضروريا أيضا للحصول على بعض الرضا من الناس، فعندما نصح الملك فاروق بأن التمتع بالشعبية يتطلب أن ينضم إلى الشعب بصورة أو أخرى فى الحفاوة بأم كلثوم، فوجئ الناس بحضور الملك إحدى حفلاتها ومنحها خلالها نيشان الكمال (الذى سمح بتلقيبها بصاحبة العصمة). ويبدو أن عبد الوهاب شعر أيضا بضرورة التقرب من السلطة فأضاف إلى أغنية «الفن» عبارة فى نهايتها تمجد الملك لرعايته للفنون. كان فى هذا بالطبع أوجه لا يستهان بها من فساد الذوق، ولكن يبدو أن حبنا لعبد الوهاب منعنا من تهديل الأمر، ربما مثلما كان شعور الناس نحو المتنبي، إذ لا أظن أنهم كانوا يبالون كثيرا بما يضفيه المتنبى من صفات غير حقيقية على سيف الدولة الحمدانى أمير حلب.
من الطريف أيضا ما كان يشعر به هؤلاء الفنانون العظام من ضرورة التعرض فى بعض أغانيهم لبعض الأمور السياسية الجارية، مما يبدو لنا غريبا جدا الآن. لعبد الوهاب مثلا أغنية تصف الخلافات الحزبية التى كانت على أشدها فى الأربعينيات من القرن الماضي، قبيل ثورة 1952. وكان الناس قد سئموا هذه الخلافات بشدة لأنها كانت تعبيرا عن أهداف شخصية وحب المنصف أكثر مما تعبر عن مطامح وطنية كان، مطلع الأغنية (إلام الخلف بينكم إلام، وهذه الضجة الكبرى علام)، وهو موضوع غريب أن يتغنى به فعن شهيد أو غير شهيد، ولكنى لا أذكر أننا شعرنا بالاستغراب له عند وقوعه (وهو ما قد يحتاج بدوره إلى تفسير).
كان العصر الذهبى لمحمد عبد الوهاب هو فترة ما بين الحربين العالميتين، فلما انتهت الحرب العالمية الثانية، بدأ وكأن التطور الاجتماعى فى مصر يتطلب موسيقى أسرع وغناء أكثر جماهيرية من موسيقى وغناء عبد الوهاب زادت أهمية الإيقاع السريع، ولكن قلت أهمية الكلمات المبالغة فى عاصفيتها، واحتفى الناس بالكلمات الأقل خضوعا للحبيب والأكثر جرأة فى مخاطبته. لم تعد كلمات «الذل» و «الحرمان» مطلوبة مثلما كانت من قبل، بل ظهرت أغان من نوع «أبو عيون جريئة»، تفترض أن الحب ممكن دون عذاب» بل وفى ظل اجتماع الحبيبين واستمتاع كل منهما بالآخر.
جاء عبد الحليم حافظ ليعبر عن هذا النوع الجديد من الحب، ومن ثم سرعان ما صعد نجم عبد الحليم على حساب نجم عبد الوهاب. ومع ذلك سيظل عبد الوهاب يمثل فترة غالية من تاريخ الطرب والتاريخ الاجتماعى فى مصر.
لمزيد من مقالات د. جلال أمين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.