اللهم ثبت جناني, وأجر الحق علي لساني, وأحلني من حولي وقوتي, إلي حولك وقوتك.. استنجدت بهذا الدعاء وأنا أحاول اليقظة جاهدة, لأخرج من كابوس يتملكني ويسيطر علي قواي العقلية والبدنية, ولا ينهي الكابوس إلا اليقظة أي عودة العقل وكما تعلمون.. ذو العقل في معترك الأقدار مقتدر.. لكن ذا الجهل مغلوب ومغلول, وعقل ذي الحزم مرآة الأمور بها.. يري الحقائق حقائق والمجهول مجهولا. أما الكابوس فهو وجودي في مكان مهدم, يخيم عليه الظلام, إلا من شعاع خافت, يمكنني من رؤية أشلاء, أتنقل بينها, والصرخات المكتومة تدوي داخلي, وأحاول أن أفعل شيئا للملمتها, ولا أعرف سبب وجودي في هذا المكان, وما الواجب علي عمله, واجتمع الناس يبحثون عن الفاعلين للجريمة, وأخاف منهم حتي لا يتهموني ظلما, وأخاف من الفاعلين الذين أعرفهم أن يورطوني معهم, خوف من كل جانب, وحزن وهم وغم من الأشلاء والدماء, وأحاول التفكير أو الاستنجاد بأحد لا أجد إلا اليقظة, واليقظة عزيزة إلا علي من رحم ربي! أعتقد أنني لست وحدي في العالم العربي, التي تأتيها تلك الكوابيس من الفتن التي أجرت دماء الأبرياء أنهارا, منذ أحداث(11) سبتمبر المشئومة, ولم يتوقف القتل بكل أنواعه في بلاد المسلمين والعرب, أما ذلك الكابوس السابق ذكره فاعترف ان له سببا مباشرا وهو أنني بالمصادفة, وجدت ابنتي تتابع مشهد( قتل سيدنا عثمان بن عفان), في مسلسل يذاع بإحدي الفضائيات, عن الصحابي الكبير( القعقاع), ووجدتها تبكي علي( عثمان), فحزنت عليه أنا أيضا, فما زالت العبرات تذرف عليك يارفيق رسول الله في الجنة, فرأيت أن أقرأ في سيرته من جديد, ربما نخرج بالعبر, التي تناسب حالنا اليوم في زمن الفتن! وتعافينا من الكوابيس التي ما إن يزول إحداها إلا ونغرق في آخر! أول هذه العبر, ربما نأخذه من سبب الفتنة الذي جر علي العرب والمسلمين فتنة طويلة, شقت صفهم, ومازالت آثارها ضاربة في التاريخ حتي الآن وتروي كتب السيرة أن سبب الفتن أن( سعد بن العاص) والي الكوفة, كان كريما يقيم الولائم لوجهاء البلد, ويتصدق علي الفقراء, وفي احدي الولائم أخذ الضيوف يتسامرون فقال( خنيس الأسدي): ما أجود طلحة بن عبدالله! فرد عليه سعيد: من كان له مثل ضيعته لحقيق أن يكون جوادا, والله لو أن لي مثله لأعاشكم الله عيشا رغدا, فقال( عبدالرحمن بن خنيس) وهو غلام صغير: والله لوددت أن هذا( الملطاط)( بستان) لك وهو ما كان لكسري علي جانب الفرات فغضب القوم وقالوا له: فض الله فاك, فقال لهم أبوه إنه غلام فلا تتوقفوا عند كلامه فقالوا: يتمني له من سوادنا( أرضنا), فأغلظوا القول علي الغلام وأبيه وظل( سعيد بن العاص) يناشدهم, ويأبون, حتي أوسعوا الغلام وأباه ضربا, حتي غشي عليهما, فغضب بنو أسد, فراضاهم( سعيد), ومنع هؤلاء القوم من السهر والسمر عنده, فلزموا بيوتهم, إلا أنهم أخذوا يعيبون ويشتمون في حق( سعيد) والخليفة( عثمان بن عفان), حتي لامه, أهل الكوفة لسكوته عنهم, فاشتكاهم للخليفة( عثمان) الذي أرسلهم لمعاوية بن أبي سفيان وقال له: إن أهل الكوفة قد أخرجوا إليك نفرا خلقوا للفتنة فرعهم, وقم عليهم, فإن أنست فيهم رشدا, فأقبل منهم, وإن أعيوك فاردد عليهم! من حوارات( معاوية) الطويلة والعقلانية والصبورة معهم, يتضح أن الأمر أبعد من مجرد الغيظ, مما تمناه غلام صغير لوالي الكوفة, بأن يكون له ما لكسري, حتي يجود عليهم أكثر, ولكن كانت هناك أحقاد وضغائن عصبية مكتومة, فهم من أشراف الكوفة, ويكرهون أن تقودها قريش, مهما كان لها من منزلة, فمعاوية بعد أن أكرمهم, قال لهم: إنكم قوم من العرب, وقد أدركتم بالإسلام شرفا, وغلبتم الأمم وحويتم مراتبهم ومواريثهم, وبلغني أنكم نقمتم قريشا, وأن قريشا لو لم نكن عدتم أذلة كما كنتم.. فرد عليه صعصعه: أما ما ذكرت من قريش, فإنها لم تكن أكثر العرب, ولا أمنعها في الجاهلية, فتخوفنا! ولم تغير خطب معاوية فيهم شيئا من الغيرة العصبية, التي كانت تحتاج إلي اجراءات رؤيوية مستقبلية, تتوقع الشر, وتغلق أبوابه قبل أن تفتح, ولا نستطيع ردها, وبعد أن يئس منهم معاوية طردهم محقرا شأنهم قائلا لهم: اذهبوا حيث شئتم, لا ينفع بكم الله أحدا أبدا, ولا يضره, ولا أنتم رجال منفعة ولا مضرة, وكتب لعثمان بن عفان: إنهم أقوام ليس لهم عقول ولا أديان, أضجرهم العدل, ولا يريدون الله بشئ, ولا يتكلمون بحجة, إنما همهم الفتنة, والله مبتليهم ومختبرهم ثم فاضحهم.. واستمروا في التطاول علي سعيد ومعاوية وعثمان, ولم يؤدبهم إلا عبدالرحمن بن خالد بن الوليد أمير( حمص) الذي تشدد عليهم وأهانهم, حتي تابوا, وحق قوله: إن من لم يصلحه الخير أصلحه الشر! لم تنته الفتنة حتي بعد تسامح عثمان, وعزل( سعيد بن العاص) وتعيين( أبو موسي الأشعري), حسب طلبهم, حتي تهدأ الفتنة قائلا: والله لا نجعل لأحد عذرا ولا نترك لهم حجة ولنصبرن, كما أمرنا, حتي نبلغ ما يريدون, لكن هذا اللين والتسامح الذي تميزت به شخصية( عثمان) رضي الله عنه أغراهم, لتمتد الفتنة من مكان لآخر, وكان رأي( سعيد بن العاص) أن هذا الأمر مصنوع في السر, فيلقي به( يتحدث به) غير ذي المعرفة, فيخبر به, أي هي نظرية المؤامرة الموجودة دائما, ولم يسلم منها حتي مجتمع الصحابة المبشرين بالجنة!) وأعتقد أن سيدنا عثمان كان عليه أن يسمع فيما سمع ويا لكثرة ما استمع واستشار ولكنها الفتنة للداهية( عمرو بن العاص) الذي قال له: أري أنك لنت لهم وتراخيت عنهم وزدتهم علي ما كان يصنع( عمر بن الخطاب), فأري أن تلزم طريق صاحبيك فتشتد موضع الشدة وتلين موضع اللين! وهذا الرأي أصدق ما قاله( عمرو) الذي كان يضمر الحقد لعثمان رضي الله عنه لعزله من ولاية( مصر), رغم أنه كان من أهم مستشاريه فعندما سأله مع أهل الرأي عن رأيه قال( عمرو): أري أنك ركبت الناس يما يكرهون, فاعتزم أن تعدل فإن أبيت فاعتزم أن تعتزل, فوجئ( عثمان) وقال له أنك هنا يا ابن النابغة, قملت جبتك منذ عزلتك عن العمل! فالفتنة لم تكن في دوائر بعيدة عنه, بل كانت بين الأقربين أيضا. وعندما فاض بعثمان الكيل خطب في الناس موجزا سبب ما يجري فيما قال: إن لكل شئ آفة ولكل أمر عاهة وإن آفة هذه الأمة وعاهة هذه النعمة, عيابون طعانون, يرونكم ما تحبون, ويسرون ما تكرهون, يقولون لكم ويقولون, أمثال النعام يتبعون أول ناعق, أحب مواردها إليها البعيد, لا يشربون إلا نغصا, ولا يردون إلا عكرا, لا يقوم لهم رائد, وقد أعيتهم الأمور, وتعذرت عليهم المكاسب, ألا فقد والله عبتم علي بما أقررتم لابن الخطاب بمثله, ولكنه وطئكم برجله, وضربكم بيده, وقمعكم بلسانه, فدنتم له علي ما أحببتم أو كرهتم, ولنت لكم, وأوطأت لكم كفي, وكففت يدي ولساني عنكم فاجترأتم علي!.. مازال العيابون الطعانون في دنيا العرب يلبسون الحق بالباطل إلي يومنا هذا, ويجرون الخراب علي أهلهم, بأدوات حديثة من فضائيات وأيضا دراسات وبحوث, وعدة من شعارات وهتافات لزوم المظاهرات الفضائية تعشمنا بالإصلاح والديمقراطية, ولكن شريطة خراب مالطة أولا! وللحديث بقية. المزيد من مقالات وفاء محمود