يقال إن عنصر «المفاجأة» من أكثر عوامل المأساة فاعلية وتأثيرا على صاحبها ومحيطه ومتابعيه، ويقال أيضا إن هوية الفاعل تكون عادة غير متوقعة ما يزيد من حدة المأساة. ولكن لا هذا ولا ذاك ينطبق على ماجرى للمصرية مريم مصطفى عبد السلام فى شوارع «نتوينجهام» البريطانية قبل ثلاثة أسابيع، ومع ذلك فما جرى يعتبر مأساة بكل ما تحمله الكلمة من معني. فالشابة ذات ال 18 عاما كانت فى نزهة للتسوق بمفردها استعدادا لبداية مرحلة جديدة ومهمة من حياتها بعد قبولها لدراسة الهندسة بإحدى كليات العاصمة البريطانية لندن. وخطة اليوم كانت تتضمن أن تلتقى لاحقا بوالدتها، نسرين شحاتة، وأختها الصغرى ملك (15 عاما)، حتما كانت ستريهما مشترياتها وحتما سيكون هناك حديث ضاحك عن استعدادات اجتماع مريم بحلمها وحلم أسرتها أيضا. مخطط مبهج وجميل لليوم، وكان يمكن أن يتم، إلا أن الاجتماع العائلى لم يتم أبدا، أو بمعنى أدق لم يتم كما كان مخططا له. فأثناء ما كانت مريم تنتظر عند محطة الحافلات عقب إتمام تسوقها، هاجمتها مجموعة من عشر فتيات ذوات أصول إفريقية، وفقا لشهادة المارة، وانهالوا ضربا وركلا على مريم بدون أى مقدمات أو توقف، إلا لإغراقها بسيل من الشتائم العنصرية والألفاظ النابية. حاولت الشابة الهروب بحياتها وما تبقى من جسد متكسر ونفس مرتعبة حقها لكنها لم تنله، تعقبوها وسحلوا جسدها 20 مترا بقلب «نوتينجهام»، دون ان يحاول أحد التعرض لهن وإنقاذ المسكينة. وبعد وقت كاف من التنكيل، تدخل شاب من المارة وساعد مريم على الصعود إلى الحافلة رقم 27 حيث حاولت الإختباء وكان يمكن لها النجاة خاصة أن سائق الحافلة بادر بالإتصال بعربة الإسعاف. لكن عصابة العشر تتبعت مريم واستكملت ما بدأته من ضرب وركل على متن الحافلة قبل أن تفقد مريم وعيها فتهرب العشر الواحدة تلو الأخري. لقاء مريم بأسرتها الصغيرة تم ولكن فى المستشفى التى بلغتها فى حالة مبكية حيث خضعت للفحوص قبل أن يتم صرفها ومعها بعض العلاجات لتسقط لاحقا من جديد. فالمراجعة الطبية أغفلت إصابتها بنزيف بالمخ والرئة والبطن ما أعادها بعد أيام قليلة من الحادث إلى المستشفى. وفى حالة بالغة التدهور. وخضعت مريم من حينها لحوالى 13 عملية جراحية، إحداها بالمخ ودخلت بعدها فى غيبوبة كتم محبوها فى مصر وبريطانيا أنفاسهم أثناءها وحتى جاءهم الخبر الأليم يوم 14 مارس بمفارقة مريم الحياة. المفاجأة لم تكن مفاجأة، فوالدة مريم أكدت للجميع أن اثنتين من المعتديات على الشابة الراحلة سبق واستهدفتاها بأفعال التنمر وعبارات العنصرية قبل أربعة أشهر، حتى أن الأم والإبنة توجهنا إلى الشرطة وتقدما ببلاغ آملين فى معاقبة الجانى وحماية مريم من تكرار هذه الأفعال، وهو ما لم يحدث. أما الفاعل، فهو أبعد ما يكون عن المجهول والحقيقة أن الآراء تتهم كثيرين بالمسئولية عن مقتل المصرية طالبة الهندسة. فهناك طبعا الفتيات العشر واللاتى رصدت أفعالهن كاميرات المتاجر بموقع الاعتداء، وتم إلقاء القبض على إحداهن فيما كانت مريم تصارع من أجل حياتها على سرير المشفي، لتخرج بكفالة مؤقتة ودون توضيح الأسباب. والشرطة البريطانية من جانبها تلتزم التحفظ على أساس أن التحقيقات سارية ولا يمكن الإدلاء بتوضيحات قبل إتمامها. وهناك أيضا المارة الذين لم يحاولوا التدخل لإنقاذ الشابة الضحية من أيدى عصابة العشرة. وطبعا المستشفى الذى استقبل مريم وأخرجها بدون منحها الرعاية الوافية ما تسبب فى تدهور حالتها والدفع بها إلى النهاية المؤلمة. لقاء الأسرة لم يتم كما كان مقررا له وأهل الهندسة فى لندن لن يتعرفوا إلى الشابة المصرية، وإلى حين الكشف عن هوية المعتدين ..لا عزاء لمريم.