د. بكر زكى عوض: التجديد ليس دعوة غربية لهدم الإسلام كما يعتقد البعض د. محيى الدين عفيفى: نخوض معركة فكرية شاملة لتصحيح المفاهيم المغلوطة د. عبد الفتاح العوارى: التطرف ظهر حينما انحسر دور الأزهر وضيق عليه إعلاميا
امتاز التدين المصرى منذ فجر التاريخ بسمات خاصة من التصالح مع النفس وقبول الأخر بغض النظر عن الجنس أو الدين .. حتى حدث تغير مهم فى الشخصية المصرية، فطال كثيرا من أبنائنا صورة مغايرة للإسلام نتاج فهم سقيم للتدين أفرزه ما نراه الآن فى سيناء من تكفير وتدمير وتخريب وإزهاق للأرواح على أيدى الإرهابيين. وأكسب هذه الصورة القاتمة صورة أشد قتامة من الجمود الفكرى الذى حال بين تحرير تراثنا الإسلامى مما علق به من شوائب، وجمود مناهج التعليم الدينى التى يعد تحريرها من كثير من الأحكام والاجتهادات القديمة من فروض العين الآن. وحينما ننادى بتجديد الخطاب الدينى يعتقد البعض أنها دعوة تهدف إلى هدم الإسلام، فأصبح هذا التوجس من موانع التجديد، فهل آن لنا أن نزيل تلك العقبات والمعوقات لننطلق انطلاقة قوية على المستوى القيمى والحضارى والإنسانى أم اننا سنظل كمن يحرث فى الماء؟! وما سبل مواجهة الترويج للفكر الإرهابى ومكافحته؟! علماء الدين يؤكدون أن ما يقوم به جنودنا البواسل فى الدفاع عن الوطن ضد الإرهاب الآثم يجب أن يتواكب معه دعوة إلى بث فكر إسلامى جديد فى عقول الأئمة والوعاظ، بل والإعلاميين والكتاب، والمدرسين، وفى تعليمنا وإعلامنا، وأزهرنا وأوقافنا، وذلك من خلال عملية شاملة تشترك فيها المؤسسة الدينية مع غيرها من مؤسسات الدولة، سواء الثقافة والإعلام والتربية والتعليم ليكون لنا (مشروع قومي) للقضاء على عوائق تجديد الخطاب الديني. مشكلة حقيقية يقول الدكتور بكر زكى عوض، عميد كلية أصول الدين السابق، إن المشكلة التى تعانيها أمتنا العربية والإسلامية فى الجهل بحقيقة الدين، وحينما ننادى بتجديد الخطاب الدينى يعتقد البعض أنها دعوة غربية لهدم الإسلام، ويعد هذا التوجس من موانع التجديد حتى الآن، ونرى ظهور الجماعات المتطرفة فى سيناء الآن، بسبب تعطل تجديد الخطاب الديني، ومن أجل هذا المعتقد (التجديد دعوة غربية لهدم الإسلام)، كثرت العقبات والمعوقات، فهل نتجاوز هذه العقبات لننطلق انطلاقة قوية لتجديد الخطاب الديني، أم أننا سنظل كمن يحرث فى الماء، و(نظل محلك سر) .. تأكد للجميع أن كل مؤسسة تنظر إلى تجديد الخطاب الدينى من زاوية غير التى تراها الأخرى، ونجد أن الساسة تشغلهم الحركات المارقة الفاجرة الفاسقة التى تقلق المضاجع وتزهق الأرواح وتهدم الديار وتنشر الخراب وترمل النساء وتيتم الأطفال، وتثكل الأمهات، وهم يرون أن هذا ناتج الفهم السقيم للتدين، ولذلك لابد أن نعرف أخطاءنا ونفندها ونصلح من أنفسنا أولا قبل أن نخاطب الآخرين أو أن نطالبهم بالإصلاح. عوائق التجديد وأوضح د. بكر أن أهم عوائق التجديد يتمثل فى عدم تحرير تراثنا الإسلامى مما علق به من شوائب، وأنه لا توجد دورات تدريبية مكثفة للقائمين على الخطاب الديني، حتى يستطيعوا التجديد - وهذا ما تقوم به وزارة الأوقاف حاليا وحذر من جمود مناهج التعليم الديني، ولا يزال تحريرها من كثير من الأحكام والعبارات القديمة من فروض العين الآن، مثل (تقسيم الديار، تقسيم البشر، قضية الجزية، قضية الرق، العجائب والغرائب فى المسائل الفقهية). وأوضح أن من أهم المعوقات أيضا الصراع الدعوى القائم على التناقض لا التنافس بين دعاة التجديد والتقليد، وانحدار المستوى العلمى لمن أُوكل إليهم تجديد الخطاب الديني، فنحن مازلنا نعتقد أن تجديد الخطاب الدينى فى تغيير شكل الخطبة أو الوعظ أو أسماء الندوات وتغيير أسماء الدعاة، ورأينا الاتهامات بين ما أطلق عليه (إعلام الدولة)، وبين ما يطلق على نفسه (الإعلام الحر)، وكل منهما لا يدعو إلى الآخر، بل يتهمه بعدم المهنية فى بعض الأحيان، مما ينعكس سلبا على تجديد الخطاب الديني، بالإضافة إلى التيارات الدعوية غير الرسمية، التى سارت فى ركب السلفية المزعومة. عملية شاملة وفى سياق متصل يقول الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن تجديد الخطاب الدينى عملية شاملة، تشترك فيها المؤسسة الدينية مع غيرها من مؤسسات الدولة، سواء الثقافة والإعلام والتربية والتعليم، ولابد أن يعتمد التجديد على منهج له برنامج محدد واضح المعالم والقسمات، وفى ذات الوقت يحتاج إلى متلق يتبصر ما يقدم له من مادة دينية، ومن أحكام شرعية، يستطيع أن يكون على وعى بها، وأن يحسن قبولها، وفهمها والعمل بمقتضاها، ويرى الجندى أن التجديد حتى الآن لم يحقق الغرض المرجو منه. المنهج الإلكتروني وأضاف: إنه من المهم للغاية أن يتم تفعيل آلية تقديم الإسلام للمنهج الإلكتروني، عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، لأنها أصبحت هى الأكثر قبولا ورواجا وفاعلية فى الوقت المعاصر، وعليها يعتمد الخوارج الجدد، وقادة هذه الجماعات الإرهابية التى لا هم لها إلا تدمير الإسلام والأوطان، لذلك فإن أحد آليات التجديد المعاصر والدعوة إلى الله تتم حاليا عن طريق هذه الوسيلة الفعالة، فهى الأسرع والأكثر استخداما، والأقوى فى صد المفاهيم المغلوطة عن الإسلام والأوطان. مهنة لا رسالة ويقول الدكتور سيد أبوشنب عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات ببورسعيد سابقا، إن أخطر معوق لتجديد الخطاب الدينى أن أصحابه يجعلونه مهنة لا رسالة، ومغنما لا واجب شرعيا ينبغى القيام به، وظهورا فى المنتديات وأجهزة الإعلام لا ضرورة حتمية تحدد مستقبل الأمة، فنحن فى حاجة إلى بث فكر إسلامى أصيل جديد فى عقول أبنائنا من الأئمة والوعاظ بل والإعلاميين والكتاب، والمدرسين، وأصحاب الفكر، فى تعليمنا وإعلامنا، وأزهرنا وأوقافنا، ليكون لنا مشروع قومي، كتفريعة قناة السويس، وزراعة المليون ونصف مليون فدان، والعاصمة الإدارية الجديدة، مشروع فكرى لا يقل عن تلك المشروعات. التضييق على الأزهر من جانبه يرى الدكتور عبدالفتاح العواري، عميد كلية أصول الدين، أن الإرهاب إفراز طبيعى للأصوات المتشددة التى تنكرت للأزهر وارتمت فى أحضان فكر وافد على مصر، وامتلك أصحاب هذا الفكر المتشدد أبواقا إعلامية، وقنوات فضائية، بثت سمومها فى عقول الناشئة والشباب، والبنات ونسائنا فى البيوت والمدن والقرى والنجوع، وظن الناس فى أقصى البلاد شمالا وجنوبا أن ما يسمعونه بين غلو فى الفكر وتشدد فى الفتوى يمثل مرجعية الدين فى الأزهر، وسبب ذلك ضيق الخريطة الموضوعة فى الإعلام الرسمي، وغير الرسمى لأصحاب الوسطية، وعدم تخصيص قنوات للأزهر، يخرج عليها أناس مؤهلون يملكون وسطية الإسلام، وأدوات الخطاب المعتدل، فيصبحون بخروجهم فى هذه القنوات وتلك المساحات التى لو منحت لهم بمنزلة تفنيد وإبطال لهذه الأصوات المتطرفة فى قنواتها ووسائل إعلامها، فالغلو والتطرف ظهرا حينما انحسر دور الأزهر إعلاميا، وبرز دور هؤلاء من خلال ما أشرنا إليه. معركة فكرية وحول جهود الأزهر فى مواجهة الفكر التكفيرى يقول الدكتور محيى الدين عفيفى الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، إن الأزهر لم يقف مكتوف الأيدى أمام هذا الفكر اللعين وإنما يقوم بمواجهته بشكل مستمر سواء من خلال قوافل التوعية الفكرية أو من خلال إصداراته العلمية فى هذا الشأن أو من خلال البيانات الصادرة من هيئة كبار العلماء والتى تدين جرائم هذه التنظيمات وأنها لا تمثل الإسلام وأن هؤلاء خارجون عن تعاليم الإسلام. وأوضح أن مكافحة العنف والإرهاب معركة فكرية تحتاج إلى إعمال العقل أولا وتوعية الناس من خطرهم فالمواجهة الفكرية مسألة ضرورية لمكافحة هذه الجماعات المتطرفة، والأزهر الشريف يقوم بدور مهم فى هذا الشأن من خلال تصحيح ما يحاول هؤلاء ترويجه من مفاهيم مغلوطة كمفهوم الدولة الإسلامية والجهاد والحاكمية والجاهلية والتكفير. وأشار إلى أن الأزهر لم يغفل فى تلك المواجهة أيضا اهتمامه بقضايا المواطنة والتعايش السلمى وتدعيم الحوار وترسيخ مفاهيم التعددية الدينية والمذهبية ضمن خطتها فى هذه المواجهة الشرسة، خاصة وأن هذه الجماعات تحاول استغلال مثل هذه القضايا لبث الفتن بين الأفراد والمجتمعات لأجل تهيئة بيئة مناسبة لتحقيق أهدافهم التى لا يمكن تحقيقها فى ظل وجود وحدة وطنية داخل المجتمع الواحد من ناحية وبين المجتمعات وبعضها من حانب آخر.