هذا العنوان المثير للمقال يستدعى إلى الذهن فورًا سؤالًا مؤلمًا مباغتًا: وهل نحن المصريين يمكن ألا نكون مصريين؟ هل من الوارد أن «مصريتنا.. وطنيتنا.. حماها الله» من الممكن أن يطلع عليها نهار فإذا هى معرضة لا سمح الله للضياع أو الزوال ليصير لسان حالنا كحال عبد الباسط حين خرج ينوح: «أنا موش عارفني.. أنا تُهت مِنّي.. أنا موش أنا»؟ صحيح.. من هو المصري؟ ما شكله؟ ما ملامحه؟ ما ثقافته؟ وماهى مكونات شخصيته بالضبط؟ ياااه يا عم الحاج.. هذا سؤال قديم قدم التاريخ، وتمت الإجابة عنه فى ألف كتاب وكتاب، وفى مائة دراسة ودراسة.. فما مبرر طرحه الآن؟ المبرر يا باشا تلك الحالة من الحيرة والاضطراب والاغتراب والخوف من المستقبل إلى الحد الذى حدا بالبعض منّا غير مرة إلى ترديد: يا ترى إحنا رايحين على فين؟ غير أن هناك مناسبة أخرى تستوجب طرح سؤال « من هو المصرى بالضبط الذى نتحدث عنه الآن؟».. وتلك هى أننا حاليًا بصدد تطبيق نظام تعليمى جديد شامل كامل عكف أساتذتنا مسئولو التعليم على وضعه لشهور طويلة وانتهوا منه بالفعل، وهاهو مجلس الوزراء قد ناقشه الأحد الماضي.. وها نحن سنبدأ فى التطبيق بدءًا من العام الدراسى الجديد فى سبتمبر المقبل بإذن الله. وبحسب تصريحات متوالية للدكتور طارق شوقى وزير التعليم، أكد الوزير أن العنوان الأبرز لهذا النظام هو إعادة بناء الإنسان المصرى من كل النواحي.. وليس فقط من الناحية المعرفية المعلوماتية. قال الدكتور شوقى إننا فى هذا البرنامج الجديد حرصنا على الاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى المتقدمة فى تعليمها، وعلى رأسها التجربة اليابانية، لأنهم هناك فى اليابان- من أكثر المهتمين ببناء الشخصية فى تعليمهم أبناءهم. هل يكون منطقيًا إذن طرح الأسئلة عن ما هى بالضبط مكونات الشخصية المصرية التى ستقيمون على أساسها هذا البنيان التعليمى الشامل؟ نعتقد أنه سؤال مشروع. فمن هو المصري؟ سيقولون: هو إنسان وديع هادئ، معتدل الطباع، وسطى التفكير، يعشق الحياة ولا يميل للعنف بل يميل إلى السكينة والمهادنة، ويحب الاستقرار، ومتدين بطبعه، ولا يثور بسهولة إلا إذا تعرضت أسرته أو كرامته أو لقمة عيشه إلى خطر مميت، ساعتها يفز فينتفض ثم يثور. هل صحيح أن المصرى (بتاع اليومين دول) مازال هكذا؟ ألم تصهره الأيام والليالى ومتغيرات العصر فصار شخصًا غير الذى طالما عرفناه فى الماضي؟ إن الإنسان (أى إنسان.. فى أى زمان ومكان.. وسواءً كان مصريا أو غير مصري) هو ابن لبيئته، وتتحدد مكونات شخصيته بناءً على الثقافة السائدة فى مجتمعه.. فهل ثقافة المصريين الآن هى هى نفس ثقافتهم قبل مائة عام؟ قد يجوز فى هذا السياق التطرق لعدة جوانب نحسب أن القائمين على وضع النظام التعليمى الجديد قد وضعوها فى اعتبارهم وهم يخططون: أولًا: ما تأثير ثقافة العصر على عقول وأذهان المصريين المعاصرين؟ هل ثمة تحديات فرضها العصر على البعض من مكونات الثقافة الموروثة عندنا فأشعل فيها النار حتى باتت رمادًا تذروه الرياح ومع ذلك مازلنا نتشدق بها؟ ومن ذلك مثلًا النظرة للآخر (المختلف معنا دينيا وعقائديًا وجنسًا ولونًا وعنصرًا).. هل ستراعون ذلك فى برامجكم التعليمية الجديدة؟ وهل سوف تتحلون بجرأة المواجهة.. أم كدأبنا دائمًا سنفضل سياسة (سَكِّن تسلم)؟ .. وثانيًا: كيف ستعلمون أبناءكم كيف ينظرون للمرأة، (المرأة على حالتها الحالية وما بلغته من تطور.. وليس كما صورتها لنا الكتب القديمة إياها!).. أو للفنون (كالرقص مثلًا)، أو لاحترام القوانين واللوائح ( طبعًا مع الوضع فى الحسبان أنكم يجب أن تكونوا صرحاء فتعلمونهم أن القانون لا يفرق بين كبير وصغير)، أو لمكافحة الفساد ( مع الوضع فى الاعتبار أن القدوة فى هذا الشأن هى أساس الإقناع)، أو لضرورة احترام الصغير فينا الكبير (مع الوضع فى الاعتبار أن الكبير يجب عليه فرض احترامه بعمله وممارساته وليس بالكرباج أو بالعصا الغليظة!). ..وثالثًا: ماذا ستقولون لهم عن الحرية، أو الديمقراطية، أو المشاركة المجتمعية؟ هل ستعيرون اهتماما مثلًا لجدوى مناقشة الطلاب بأنفسهم أوضاعهم المدرسية إنهم هناك فى الغرب المتقدم الذى تستلهمون منه تجاربه- يفعلون ذلك.. فهل سوف تحذون حذوهم ( طبعًا فى حدود تقاليد المجتمع المصرى وعاداته وأعرافه)؟ ..ورابعًا: هل لديكم كتيب أو كاتالوج، أو مرجعية ما، تتضمن معرفة مكونات شخصية الطالب المصرى الآن.. ومدى اختلاف البيئات المصرية المحلية المتعددة (إذ بالتأكيد أن طفل الريف غير طفل المدينة.. وطفل الكومباوند غير طفل العشوائيات.. وطفل الطبقة الدنيا غير طفل الطبقة الوسطي.. وهكذا). هل عندكم دراسات وافية بهذا الشأن كى يكتب الله تعالى لهذا البرنامج التعليمى الجديد النجاح؟ ..ثم خامسًا: ماذا عن التكاليف المادية لهذا البرنامج الهائل الطموح؟ إننا كلنا نعرف مدى ضخامة التكلفة، ونعرف ظروف البلد الآن، وبالتالى سيكون مطلوبًا دراسة كيفية توزيع عبء التكاليف، بحيث إن القادرين فى المجتمع ستكون عليهم مسئولية كبيرة، فالدولة كما نعلم جميعًا ( العين بصيرة.. واليد قصيرة).. فهل درستم هذا الموضوع بتمعن، ووضعتم الخطط لإقناع القادرين بمسئولياتهم المجتمعية؟ إن بديهية البديهيات هى أن التعليم ولا شئ سواه- هو أساس بناء الشخصية المصرية الجديدة.. ولهذا فإن المنطق السليم يحتم طرح السؤال من جديد: من هو المصرى الذى تريدون بناء شخصيته بالضبط؟ لمزيد من مقالات سمير الشحات