على مدى واحد وسبعين عاما خلال الفترة من (يناير1919يناير1990) أبدع إحسان عبد القدوس 22 رواية، و32 مجموعة قصصية، ومجموعة من المقالات ضمتْها كتبه: على مقهى بالشارع السياسى فى جزءين، والبحث عن الثورة، وبعنوان أيام شبابى، وبعنوان ياابنتى لا تحيرينى معك، وبعنوان خواطر سياسية، فكان ساردا منتميا إلى جيل التأصيل القصصى الرائد بصدارة نجيب محفوظ، ذلك الجيل الفنى الذى تبلورتْ شخصيته الفنية مع الحرب العالمية الثانية، وتفاعلت مع أحداث مصر الحديثة، ومعاناتها الوطنية فى مضمار الحرية منذ ثورة 1919. ....................... وفى الوقت نفسه كان إحسان كاتبا صحفيا وطنيا جريئا جسورا، بمقالاته الصحفية: الأدبية والسياسية والاجتماعية والوطنية، والمذكرات، ففجّر قضية الأسلحة الفاسدة فى حرب فلسطين 1948،وكاتبا اجتماعيا وسياسيا خبيرا، وكان قد حاول كتابة الشعر فى سن الرابعة عشرة حين كتب قصيدة من تسعين بيتا استخلص والده منها أربعة أبيات فقط، وبرغم تلك التعددية الماضية فى درب الهموم الوطنية والاجتماعية والنفسية وسم البعض أدبه بما شاءوا من اتهامات، فرآى العقاد فى أمثال «سوزيت» تحللا وانحرافا، وأن أدبه أدب فراش، ومنهم من جعله «كاتب المراهقات»، و«الكاتب الإباحى»، كما ذهبتْ زهيرة البيلى، وغالى خصومه السياسيون عام 1965 فتقدموا بسؤال إلى وزير الثقافة والإرشاد القومى د. عبد القادر حاتم بسؤال إلى مجلس الأمة عن رواية أنف وثلاثة عيون، ووصفوها بأنها جنسية هدامة.، وبقدر ما ضلّلتْ تلك الحملات الرأى العام، وربما الفنى، أفادت إحسان، كما حكى فى حديث له نشر بالأهرام، ودافع توفيق الحكيم عن منهج إحسان مستشهدا بروايته «الرباط المقدس»، وما أحدثتْه من صدى، كما اعترض طه حسين على تلك الحملات التى صنّفت إبداعه فيما يسمى أدب الجسد، أو الأدب المكشوف، أو الأدب الإباحى، أو أدب الفراش، أو الأدب الماجن، أو أدب المراهقة، والحق أن ما شنّ عليه من نقد وهجوم كان مما يندرج فى باب المبالغة، ويبعد عن مجال الأحكام الفنية المعيارية التى تتناول الأدب الواقعى، ذلك الاتجاه الأدبى الذى يتوخى الصراحة فى معالجة عيوب المجتمع وسلوكياته، وما يعانيه من أزمات أخلاقية واجتماعية وسياسية، فى إطار حرية التعبير الأدبى، وروح العصر، فرأى غالى شكرى، بحق، أن رواية أنا حرة تجسيد لأزمة الحرية، ورأى د. رمضان بسطويسى الرواية عند إحسان رحلة فلسفية تبدأ من الإدراك الحسى المباشر حتى تصل إلى الإدراك الواعى العميق ضد سيادة الجسد على روح الإنسان، وذلك فى إطار التأويلات النقدية فى رؤى نقاد السرد، وبخاصة سرد الجسد، وتعدد نظراتهم بين: المنظور الأخلاقى، أو المنهج السوسيولوجى الاجتماعى، أو المنهج النفسى، أو الفلسفى، وما إلى ذلك من رؤى ونظريات. وعلى مستوى إبداع إحسان عبد القدوس، سيقف قارئه المدقق على الغايات الفنية منه، وهى أولا: أنه لايدعو للإباحية، أو يحض على هدم القيم. بل يدين الرذيلة، ويجرّمها، وينتصر للمرأة القوية التى تكبح غرائزها كنجوى بطلة أنف وثلاث عيون، كما يسعى إلى الدفاع عن تحرير العقل، و يعبرعن أزمة الحرية، كما نجد فى «أنا حرة»، والتفرقة بين الحرية والفوضى؛ ذلك أن إبداعه نشط فيما بين سنوات الحرب العالمية الثانية وسْط الإحساس بالضغط السياسى والاجتماعى والوطنى، وتعرضه للاعتقال، كما حدث سنة 1954، ولهذا ينبغى النظر إلى أعماله مجتمعة. لا منفردة، «ثانيا»، كان حريصا على أن يكتب مقدمة لأعماله الإبداعية، إمّا رادّا، أو مفنّدا، أو شارحا، أو مفسرا. ثالثا، دافع مرارا فى أحاديثه وحواراته بأنه يكْشف الواقع فى نظرة متكاملة. ليست جزئية مقتصرة على الجنس، وليست متناولة له لذاته، فهو بعيد البعد كله عن مرمى كتاب رومان ياكبسون فى كتابه «العشق المنحطّ»، وهو بعيد كل البعد أن يصنف، فنيا، أو اجتماعيا، أودلاليا ضمن قائمة روايات من نمط رواية الخبْز الحافى،؛ لأنه ، دائما، كان يقف ناقدا المجتمع مبينا فى «الطريق المسدود» أن الخطيئة لا تولد معنا، ولكن المجتمع يدفعنا إليها بمثل ما دفع فايزة فى الطريق المسدود، وجعل نوال فى «فى بيتنا رجل» تحاول مشاركة الرجل قضاياه المهمة والخاصة منطلقا من موقف المساواة بين المرأة والرجل، ومن أصداء الحركة النسوية العالمية المنظمة، التى نشطتْ معترضة على النظام الأبوى البطريركى، وذلك دفاعا عن حقوق المرأة، واعتراضا على واقعها، وإنقاذا لحريتها، ووقوفا ضد ظلم المجتمع لها، وتقوقعها فى منزلة الدونية والتهميش والتحيز والتبعية، وفى الوقت نفسه نشطتْ الحركة النسائية العربية وعلا صوتها فى المنتديات والصالونات النسائية وفى الإصدارات المطبوعة وفى الثورات، وبرزتْ فى الساحات المتنوعة رموز نسائية ثائرة كميّ زيادة، ونبوية موسى، وجميلة العلايلى، ممن يضيق المقام عن حصرهن، وسقطتْ آثار كتاب خير الدين أبى الثناء وعنوانه «الإصابة فى منع النساء من الكتابة» !!!، ولم يكن الأدب، بفنونه المتنوعة، بمعزل عن تلك الموجات .