ربما لم يعتصر الألم قلب وروح مصر، مثلما حدث يوم رحيل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر. كل هذا الجنون، وهذا الكم المفجع من اللوعة، وتلك الأناشيد عفوية خرجت من افواه الملايين ترثي ناصر العروبة، وتلك الرقصات الهستيرية لنسوة سحقهن الألم، فتحولن وسط أمواج الجماهير التى اندفعت من كل شبر في مصر الي القاهرة، للمشاركة في جنازة القرن، الى ما يشبه الطير عند الذبح. في يناير الماضي وفى مناسبة الاحتفال بمؤية الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، بثت إحدي القنوات الفرنسية مجموعة من المشاهد النادرة التي لم تعرض من قبل، لجنازة القرن، استعرضت الكاميرا خلالها في لغة سينمائية راقية، ملامح الناس وقد اعتصرها الألم، بدء من المئات الذين تسلقوا شارات المرور وأعمدة الكهرباء لتتحول الى منصات آمنة رغم الخطر، مرورا بتسونامي البشر الذي زحف الى شوارع العاصمة من كل حدب وصوب، لا فرق فى ذلك بين وزير او سفير أو خفير، ومشاهد الالاف وهم يهرولون فى الشوارع علي غير هدي، يتلمسون ولو خبرا صغيرا او حتي شائعة عن خط سير الجنازة، حتي اذا ظهرت سيارة ميري انطلقوا يعدون امامها ليفسحوا الطريق، علها تحمل الجثمان المرتقب. قبل ايام قال الدكتور مصطفي الفقي مدير مكتبة الإسكندرية، أن المكتبة سوف تنظم احتفالية كبري يوم 26 يوليو المقبل، الذي يصادف اليوم الوطني لمحافظة الاسكندرية للاحتفال بمئوية قائد ثورة 23 يوليو، الزعيم والقائد الذي قال عنه الرئيس السيسي في كلمته المتلفزة بمناسبة المئوية، تجسدت في مسيرته آمال الشعب المصري نحو الاستقلال والكرامة، فعبر عن تلك الآمال بإخلاص وكبرياء، وبذل أقصى الجهد لوضع مصر في المكانة العالية التي تستحقها، إقليميا ودوليا، فحمل له الشعب المصري وفاء لم ينقطع برحيله، واستمر اسمه من بعده رمزا وعنوانا لتطلع الشعب لسيادته على مستقبله ومصيره. الاحتفال بمئوية الزعيم الراحل تجاوز حدود الوطن، الى بلدان عربية واجنبية اخري، من بينها العاصمة الروسية موسكو التى ازاحت الستار عن تمثال جديد له في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، والغريب أن يأتي لك بعد كل هذه السنين الطويلة التى مرت على رحيل ناصر، من يقول لك إن الحشود التى تدفقت على جنازته، والتى قدرت اعدادهم حينذاك بنحو سبعة ملايين مصري، في بلد لم يكن يزيد تعداده على ثلاثين مليونا، كانت تمثيلية، حشدت فيها المخابرات والاتحاد الاشتراكي ملايين المصريين فى وداع رجل ميت.! مائة عام على مولده، ونحو نصف قرن مرت على رحيله المفجع في سبتمبر من العام 1970، ولا يزال جمال عبد الناصر يثير الحنين الى زمن الكرامة في نفوس عشاقه، ولا يزال مجرد ذكر اسمه يشعل نيران الحقد في قلوب من كرهوا سياساته، وانحيازه الى فقراء هذا الوطن.