الحملة العسكرية، سيناء 2018، التى تقوم بها القوات المسلحة، والشرطة، لدحر فلول الإرهاب، والعناصر الإجرامية، واقتلاع جذورها، فى سيناء، والدلتا، وغرب النيل، هى التاريخ نفسه يتكرر، تارة أخري، على أرض مصر، بعد أربعة آلاف سنة، مع اختلاف التفاصيل بتقديم صورة جديدة من ملحمة التحرير الكبرى أكبر معركة تحرير على مستوى العالم التى شنها جيش مصر، وشعبها بقيادة نب يحتى رع، أحموسي، (أحمس الأول) أمير طيبة (الأقصر)، لطرد الرعاة الهكسوس (وهى كلمة مصرية قديمة معناها: حكام الأراضى الأجنبية) الذين تسللوا شيئا فشيئا عبر سيناء إلى شرق الدلتا، وأحكموا قبضتهم على الحدود الشرقية للدلتا، واتخذوا من أفاريس بالفاء الثقيلة (حوت وعره: صان الحجر قرب مدينة الزقازيق الحالية) معقلا لهم، وبالتدريج بسطوا نفوذهم على الدلتا، وأخيرا سيطروا على مصر كلها حتى حدود أسيوط بمصر الوسطى لمدة قرن ونصف قرن... وبمرور الزمن، اتخذوا ألقاب الفراعنة، ولبسوا ملابسهم، وقلدوهم فى كل شىء وتوالى على حكم البلاد منهم 23 ملكا، (كونوا الأسرتين الخامسة عشرة والسادسة عشرة من 1710 إلى 1680 ق.م) وشملت (ممتلكات) الرعاة أقدس مقدسات الحضارة المصرية كلها: مدينة أونو (أون) التاريخية بعين شمس (المطرية حاليا) عاصمة مصر الموحدة. و(إنب حج) الجدار الأبيض القلعة البيضاء عاصمة منا (مينا) موحد القطرين، التى عرفت فيما بعد باسم (من نفر) أى الميناء الجميل (منف) ميت رهينة، عاصمة مصر كلها فى عهد الدولة القديمة. أساء الرعاة معاملة المصريين، ونشروا الرعب بينهم. فقتلوا بعضهم، ونهبوا ممتلكاتهم، وهدموا معابدهم وأجبروهم على دفع الجزية، ولم يبق (مستقلا!!) من مصر كلها سوى شريط ضيق، يحكمه أمراء طيبة، بالصعيد المحاصرة بين أرض (واوات) النوبة جنوبا، وجيوش مملكة الهكسوس فى الشمال، الذين شيدوا الحصون، والقلاع، ونشروا قواتهم فى أنحاء البلاد. ولم يكن خافيا عن (عيون) أبو فيس، ملك الهكسوس، الروح الوطنية الوثابة لسقنن رع (تاعا قن: أى قن الشجاع) أمير طيبة، ورجاله، ولا الأصوات العالية التى تطالب بالتحرير، فأرسل إليه من أفاريس، رسالة مستفزة يقول فيها: (اسكتوا (أفراس الماء) فى البحيرةالشرقية بطيبة، فضجيجها!! يحرمنى من النوم، نهارى وليلى وأصواتها (تطن) فى مسامع مدينتي!!) ورفض سقنن رع، هذا التهديد الصريح، وقامت الحرب بين إمارة طيبة، وبين جيوش الرعاة، رغم عدم التكافؤ فى القوة العسكرية و(الشئون الإدارية) بين موارد طيبة الصغيرة وجيوش الهكسوس المجهزة بالعدة، والعتاد، والرجال «بما يجل من الحصر». ووقفت المجاهدة العظيمة (إياح حتب) أم المصريين إلى جوار زوجها، (فى واحد من أحلك الظروف التى مرت بها مصر عبر تاريخها الطويل) تناصره وتؤيده، وتشد من أزره، حتى سقط شهيدا على أرض المعركة وخلفه ابنه (واج خير رع) كاموسى فى قيادة معركة التحرير، بدعم أمه وتأييدها، حتى استشهاده بعد أن تمكن من (انتزاع) جانب كبير من أقاليم مصر الوسطى من أيد الرعاة، ودعت (أياح حتب) الصابرة المحتسبة ابنها الثانى (أحموسي) (حكم من عام 1590 1545 ق.م) لقيادة جيشه وشعبه، فهب إلى الشمال، يطارد الرعاة إلى (افاريس) وكرهم الأول حتى افتتحها، وواصل مطاردتهم فى شمال سيناء، حتى هزمهم عند حصن (شاروهين) الذى احتموا به قرب العريش بعد حصار مرير دام ثلاث سنوات!!، وظل فى أعقابهم، يطارد فلولهم، حتى بدد شملهم.. ومحا التاريخ ذكرهم، ولم تقم لهم قائمة بعد ذلك. وعاد أحمس إلى وطنه سالما غانما، واستقبله شعب مصر استقبالا عظيما بعد أن وضع حجر الأساس لدولة عظمي، منيعة الأركان، امتدت على يد (أحفاده) العظام: من الشام، وسواحل شرق البحر المتوسط، وأعالى الفرات، فى آسيا، شمالا إلى الشلال الرابع من أرض كوش السودان جنوبا وتسابق شباب مصر للالتحاق بالجيش، أسوة بهذا القائد الكبير، بعد أن تبينوا أن الانتساب إلى الجيش.. شرف عظيم.. وفتح الله لمصر بعد ذلك.. فتحا مبينا. حسن أغا مدير البحوث بالمجلس الأعلى للثقافة سابقا