كنت في زيارة ماسبيرو وهذا هو اسم الشهرة الذي أطلقناه عليه لشدة ولعه بمشاهدة التليفزيون هذا المبني الضخم المطل علي ضفة نيل القاهرة وهو مقر التليفزيون المصري أقدم التليفزيونات الحكومية في الشرق الأوسط وإفريقيا, وماسبيرو أيضا هو اسم الشارع الذي يطل عليه المبني وأطلق عليه هذا الاسم تيمنا بعالم الآثار الفرنسي جاستون ماسبيرو الذي كان رئيس هيئة الآثار المصرية, والمهم أني رأيت علامات الهم والحزن علي وجهه وأخذ يروح ويجئ في الغرفة وقد وضع يديه فوق رأسه وبدت عليه علامات الهم والتفكير وسألته.. هل توجد أي مشكلة في بيتك في عملك في عائلتك فأجاب لا.. لا.. لا فسألته اذن ماهي المشكلة فسألني: ألم تقرأ جرائد اليوم قلت بلي فما الخبر الذي أزعجك فيها؟.. قال لقد قرأت أن عدد مسلسلات رمضان الجاري عرضها الآن يزيد علي70 مسلسلا بين الدرامي والتاريخي والاجتماعي والكوميدي وأنت تعلم شدة شغفي بمشاهدة التليفزيون ولكن كيف لي بمشاهدة هذا العدد الضخم ومن أين أتي بالوقت اللازم لمتابعتها, وأنت تعلم أن كل حلقة لا تقل مدتها عن ثلاثين دقيقة, أضف الي ذلك مدة الاعلانات بالاضافة الي برامج المنوعات والفوازير وما الي ذلك؟ قلت له مازحا ولكن كيف أمكنهم في ظل كل الاحداث التي مرت بمصر من حريق المجمع العلمي وأحداث شارع محمد محمود وماسبيرو والعباسية, كيف تمكنوا من تصوير كل هذه المسلسلات.. إن ما نمر به ياصديقي مشكلة كبيرة ذكرتني بإحدي السنوات التي لم يتم فيها تقديم الفوازير فتوجه بعض الناس لشيوخهم سائلين.. هل يجوز الصيام بدون فوازير؟!.. قال لي لا تمزح وتذكر ما أنا فيه من كرب الآن بسبب هذه المشكلة فاليوم لن يتسع لمشاهدة كل هذه المسلسلات والبرامج, قلت له قلل ساعات نومك من ثماني ساعات يوميا الي أربع ثم الغ فترة بقائك في الحمام والغ أيضا استحمامك.. اما في وقت الافطار والسحور فيمكنك مشاهدة التلفاز فيه وإذا لم يمكنك كل هذا فالحل هو أن تأخذ اجازة من عملك حتي تتفرغ لهذه المهمة؟!! ومضيت قائلا: اننا ننتظر شهر رمضان من العام للعام لنجدد فيه هذه الفريضة وندعو الله دائما أن يبلغنا رمضان شهر القرآن, حيث صلاة التراويح والذكر والدروس الدينية, كما نتحري ليلة القدر فيه لنفوز بثوابها, فشهر رمضان أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار. ألم تسمع ياصاحبي حديث النبي صلي الله عليه وسلم( قد جاءكم شهر مبارك فرض الله عليكم صيامه, فيه تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب جهنم وتغل فيه الشياطين.. وفيه ليلة خير من ألف شهر) والي حديثه( الصلوات الخمس والجمعة الي الجمعة ورمضان الي رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) و(من صام رمضان إيمانا وإحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه). ان شهر رمضان هو شهر التقوي امتثالا لقول الله عز وجل( يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون) أي لتجعلوا لأنفسكم وقاية من عذاب الله في الآخرة ومن كل ما يفسد الجسم والروح في الدنيا. والصيام ليس عن الطعام والشراب فقط ففي الحديث الشريف( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) فكل عمل يتنافي مع هذه العبادة الروحية ينقص من ثوابها وربما يحبط عمله فما شرع الصيام الا لتهذيب النفس وتقويم الاخلاق وتطهير القلوب وتنقية الروح والجسد من طغيان المادة وشوائب الشهوات, فينبغي علي المسلم أن يكف جوارحه عما نهي الله عنه فيغض بصره عن النظر الي ما لا يحل له ويكف لسانه عن الكذب والغيبة والنميمة ويكف أذنيه عن سماع ما يلهي عن ذكر الله. ولا تكن يا صديقي كمن قابل المذيعة المشهورة آمال فهمي التي كانت تقدم برنامجها المعروف علي الناصية وكان اللقاء في شهر رمضان ظهرا وسألته في نهاية الحديث: ماذا تحب ان تسمع فأجابها بدون تردد: اذان المغرب!. هذه الرسالة الساخرة للمهندس عاطف عبدالعزيز مصطفي وهي لا تحتاج الي تعليق عما وصلنا اليه من انشغال بالتليفزيون ومسلسلاته عن العبادات في هذا الشهر الفضيل.