يحمل اتخاذ مرشح رئاسي قراره بالترشح قبل غلق باب الترشح بأيام قليلة عددا من الدلالات، لعل أبرزها هو غياب الكوادر السياسية ذات الشعبية، وضعف الارتباط العملي بقطاعات من الجماهير. وتنصرف الغالبية العظمى من التوجهات النظرية المعنية بالنظم السياسية أو التحول الديمقراطي، سواء في العلوم السياسية أو في علم الاجتماع السياسي، إلى التركيز على بعدين أساسيين في تحليل أداء القوى السياسية. البعد الأول، يتعلق بالمناخ السياسي الذي تعمل فيه هذه القوى، ويتعلق الثانى بآليات العمل السياسي داخل قوى المعارضة، وقدرتها على إقامة تحالفات نخبوية، وقدرتها على صياغة خطاب قادر على التواصل مع جمهورها المستهدف، وقدرتها على الوجود الفعلي على أرض الواقع بشكل منظم بين المواطنين. وعادة ما يكون الاعتماد على بعد واحد في التحليل دون الآخر نتيجته رؤى تحليلية منقوصة. وفي سياق المشهد السياسي والأمني بعد ثورة 30 يونيو، وهو مشهد معتاد في التاريخ المقارن للثورات، خاصة ذات النمط السياسي، كان من الضروري وضع عدد من التشريعات والإجراءات الأمنية التي خلقت مجالا عاما مختلفا فيما يتعلق بقواعد الدخول للحياة السياسية، سواء ككيانات أو أفراد. والسؤال الأبرز الآن هو هل تمكنت القوى السياسية من التأقلم مع الواقع السياسي الجديد والعمل داخل إطاره المؤسسي والشرعي؟ وإذا كانت هذه القوى تمكنت بالفعل من التأقلم والبقاء مؤسسيا وجماهيريا، فلماذا لم تستطع فرز قيادات وكوادر جديدة، وعانت من غياب مرشحيها المحتملين أو الفعليين؟ وتتطلب الإجابة عن هذه التساؤلات البحث فيما هو أبعد من السنوات الأربع الماضية، فالأمر لا يحتاج لنوع من النقد الذاتي فقط، بل لتقييم موضوعي لعدد من الأزمات الهيكلية والبنيوية المتكررة التي تعاني منها القوى السياسية في مصر منذ سبعينيات القرن الماضي. ولعل أبرز هذه الأزمات التي لم تتمكن القوى السياسية في مصر من التعامل معها حتى الآن، غياب البعد المؤسسي عن هذه القوى. ولعل المشهد الحالي يوضح أنه عندما لم تتمكن القوى السياسية من فرز قيادات جديدة، وانهارت تحالفات قياداتها القديمة فيما بينها، بات هناك الكثير من التخبط، بل وعدم القدرة على اتخاذ القرار. الأزمة الثانية التي طالما تكررت في سياق تاريخ القوى السياسية هي ضعف الموارد المادية، وهو ما لا يؤهل هذه القوى للوجود بشكل مكثف، أو لتنمية كوادرها، أو لتطوير امكاناتها مؤسسيا. ويلجأ البعض في هذا السياق للحديث عن دور قوانين تمويل الأحزاب والعمل العام، ولكن الواقع يقول إن هذه الأزمة تعاني منها القوى السياسية المصرية بغض النظر عن الاُطر التشريعية الحاكمة، الأزمة الثالثة، التي عانت منها القوى السياسية على مدار أعوام طويلة، وتجلت بشكل واضح خلال السنوات السبع الأخيرة، هي حالة التفكك والتشرذم، والانقسام المستمر، سواء في التحالفات بين القوى السياسية، أو حتى داخل الكيانات السياسية نفسها، نتيجة للضعف البنيوي وغياب الموارد المالية، وهو ما ينعكس بالضرورة على قدرة هذه القوى على فرز كوادر جديدة. وبالتالي، فإن المعضلة لا تكمن في الترشح للانتخابات الرئاسية من عدمه، أو في الشعبية التي تسمح بالحصول على العدد المطلوب من توكيلات المواطنين من عدمه، فحتى لو كانت القوى السياسية في مصر تقدمت بأكثر من مرشح، كانت هذه الأزمات الهيكلية ستتضح من جديد في الحملة الانتخابية لهذا المرشح، وتحالفاته السياسية، وآليات العمل التي يعتمد عليها. في النهاية، لا يمكن عزل المناخ السياسي الذي تعمل فيه القوى السياسية عن نجاحها في تحقيق أهدافها من عدمه، ولكن اللجوء للمناخ السياسي دون التعامل مع الأزمات الداخلية يعد نوعا من التبرير وليس التحليل. وبالتالي يتحتم على القوى السياسية في مصر أن تتناول تصدعاتها الداخلية المتكررة بموضوعية، وأن تعمل على علاج عدد من الأزمات التي تضرب صفوفها منذ أعوام طوال.