من منا لا يذكر الفنانة القديرة نعيمة وصفى؟.. بل من منا يستطيع أن ينساها أو ينسى فنها الراقى فى السينما أو المسرح أو الإذاعة والتليفزيون؟ كانت يرحمها الله تقول إن عملا فنيا مهما كان حجمه ولو كان مشهدا واحدا قد تقبله لو كانت فيه جملة وحيدة تنفع الناس، كما قد ترفض بطولة لا تقول للناس شيئا.. وبمناسة ذكرى ميلادها الموافق 10 فبراير 1923 نقدم هذه الإطلالة على مسيراتها .. .......................................................... كان لقائى الشخصى بها فى الاتحاد الاشتراكى وتحديداً فى أمانة المرأة بالعاصمة فى شارع محمود بسيونى فى مقر حزب التجمع الآن؛ وكانت هى أمينة المرأة فى العاصمة. هكذا إذن كانت فى أوج اشتغالها بالعمل السياسى وكانت مكالمة تليفونية واحدة منها لسيدات الاتحاد الاشتراكى على امتداد مصر، كافية لأن تحرك نصف المجتمع، وقد شهدت من مثل هذا الكثير وقت أن كنت أتردد على أمانة العاصمة للمرأة إذ كانت قرينتى هى الأمينة المساعدة للمرأة هناك أما عن السيدة نعيمة وصفى، تلك الفنانة الكبيرة التى لابد أن تخطفك ثقافتها الواسعة والعميقة فى آن معا منذ اللحظة الأولى، هذا إلى جوار أعمالها المتعددة فى مجالات الفن المختلفة فأذكر مثلا وقت عملى بجريدة «الأهرام» أنها كانت صاحبة فكرة نزول المرأة إلى المجمعات الاستهلاكية للحد من ظاهرة الدلالات و«القماطين» الذين يحجبون سلع المجمعات الاستهلاكية عن جماهير الشعب للدخول وسيطا مستغلا يرفع سعر السلعة لحسابه الشخصى وقد كتبت تحقيقا صحفيا نشره «الأهرام» على صفحته الثالثة فى ذلك الوقت تحت عنوان «سيدات الاتحاد الاشتراكى فى المجمعات الاستهلاكية لمراقبة الأسواق وحماية الشعب».. كانت الفكرة للفنانة نعيمة وصفى التى كان كل همها هو خدمة هذا الوطن إما عن طريق فنها وما تقدمه من خلاله، أو من خلال عملها السياسى كأمينة للمرأة فى الاتحاد الاشتراكى عن العاصمة فى ذلك الوقت.. فى لقاءات معها فى الاتحاد الاشتراكى وفى الأوقات التى كان يسمح بها عدم انشغالها كانت تسألنى عن يحيى حقى وتناقشنى فى أعماله بما يدل على عمق قراءاتها واتساعها وشمولها. حدثتنى عن «قنديل أم هاشم» وشرحت لى لماذا ارتبط اسم يحيى حقى بالقنديل دوناً عن باقى أعماله وكلها عظيمة مثل «ناس فى الظل» و«تعال معى» إلى «الكونسير» و«حقيبة فى يد مسافر» و«صح النوم» وغيرها.. وحدثتنى باستفاضة عن جمال عبدالناصر وكانت ترى فيه الأمل الذى يمكن أن يحقق لهذا الشعب طموحاته رغم ما كان يحيط به كزعيم من المخاطر الداخلية والخارجية، كما حدثتنى عن الفرق بين الشيوعية والاشتراكية وشرحت أن عبدالناصر لم يكن شيوعيا وإنما كان اشتراكيا مادامت الاشتراكية فى خدمة مصالح وطموحات المصريين. وربما كان أعجب ما سمعته منها فى ذلك الحين بعد نظرتها عندما ألمحت إلى أن الاتحاد السيوفيتى بشكله الحالى (وقتها) ربما لا يستطيع أن يعمر طويلا لأنه أيضا واقع بين خطرين؛ أولهما هو تراجع الديمقراطية فى سياسته الداخلية، ثم الخطر الأمريكى الذى يطارده ويحاصره ويحاربه! فى إجازة صيفية لأمانة المرأة بالعاصمة سافرت معهم مرافقا لقرينتى وكانت فرصة للاقتراب من الفنانة الكبيرة لأسالها وقد أدركت عظيم ما تتمتع به من ثقافة فسألتها عن تفسير شيء كان يحيرنى فى ذلك الوقت وهو معنى التروتسكية كأحد فروع الشيوعية فشرحت لى الفرق بين اللينينية والستالينية ثم التروتسكية. ثم جاءت الفرصة لتحكى لى عن بعض أعمالها السينمائية والمسرحية والتليفزيونية فحكت عن أدوارها فى السينما من فيلم «زمن العجائب» إلى «زينب» إلى «كأس العذاب» ثم «رصيف نمرة خمسة» و«الفتوة» و«الطريق المسدود» و«حبيبى دائما» و«جفت الدموع» وعشرات غيرها مؤكدة أنها لم تكن تقبل بين الأدوار التى تعرض عليها إلا ما ترى أنه قد يقدم شيئا ينفع الناس. والفنانة نعيمة وصفى خريجة معهد التمثيل عام 1947 ثم عينت فى المسرح الحديث ومن بعده المسرح القومى وكانت بداية نشاطها الفنى الذى عرفها الجمهور من خلاله عام 1951 والذى استمر حتى وفاتها فى عام 1983. كان مستحيلا أن أخطئ مرحها وخفة ظلها حتى اننى سألتها لماذا لم تتجه بكل طاقاتها الفنية إلى الأعمال الكوميدية فكان جوابها أن الفنان الحقيقى يستطيع أن يؤدى من الأعمال الفنية كل شيء لكن الاختيار هو الصعب وكما قلت لك: ما ينفع الناس هو ما يحدد اختيارى... بخفة ظلها التى حكيت عنها والتى تمسكت أنا بها راحت تحكى عن ذكرياتها مع من عاصرتهم من فنانى المسرح والسينما.. ولست أنسى حكايتها عن الفنانة نجمة ابراهيم «ريا» السينما المصرية فقالت إنها كانت مطربة صاحبة صوت جميل لم يتح لها العمل كمطربة بعد نصيحة أحد كبار المخرجين الذى نصح بتوجهها إلى التمثيل لما تحمله ملامح وجهها من شر. وقالت إنها كانت إحدى البارعات فى العزف على العود كما كانت شاعرة أيضا! كان كلامها مفاجأة كاملة لى فحكت لى عن عميد المسرح العربى يوسف وهبى وحكاية الفنانة علوية جميلة معه فى أحد أعماله – أظن أنه كان راسبوتين - وكانت فرقة مسرح «رمسيس» تؤدى مسرحيتها على أرض أحد الأجران فى أسيوط وفى أثناء اشتداد حرارة العمل بينما يوسف وهبى مندمج فى أداء دوره إذا بالفنانة علوية جميل وقد خرجت عن منطوق دورها بعدما أكثرت من الإشارات الغريبة لتنبيه يوسف بك إذا بها تخلع حذاءها لتضرب كتف يوسف وهبى ضربة شديدة التفت هو معها إلى ما يحدث واندهش له فرأى عقرباً قد أطاحت به علوية جميل فأسرع الفنان إلى تغيير الحوار على النحو الذى فوجئ به وكذلك فعلت الفنانة علوية جميل حتى عادا إلى الحوار الأصلى للمسرحية.. لابد أن نذكر هنا أن الفنانة نعيمة وصفى قد شاركت فى أكثر من 32 فيلما سينمائيا وأكثر من سبع مسرحيات نذكر منها «الخطيئة الأولى» و«شىء فى صدرى» و«جلفدان هانم» و«عديلة» و«الناس اللى فوق» و«أم رتيبة» و«زوبا المصرى» وغيرها كما شاركت فى أكثر من خمسة مسلسلات تليفزيونية كان منها «لحظة الاختيار» و«مبروك جالك ولد» و«حكاية الدكتور مسعود» و«الحب فى الخريف» و«حكاية ميزو».... ولعلنا لا ننسى مطلقا ان الفنانة نعيمة وصفى لم تكن مجرد ممثلة فى السينما أو المسرح والتليفزيون أو ناشطة فى العمل السياسى كأمينة للمرأة فى الاتحاد الاشتراكى بل كانت أيضا صاحبة رسالة فى مجال الإعلام فقد شاركت فى إعداد ما يقرب من خمسين حلقة من برنامج رسالة التليفزيون كما كتبت أيضا عدة أعمال للتليفزيون كمؤلفة درامية. والفنانة نعيمة وصفى أو نعيمة وصفى حمادة سليمان الخشابى صعيدية من مواليد ديروط فى العاشر من شهر فبراير عام ثلاثة وعشرين وتسعمائة وألف وكانت وفاتها فى مسكنها بالزمالك وكان معها نجلها المهندس عمر سرايا يوم السابع من أغسطس عام 1983... لابد أن نذكر فى النهاية أنها كانت قرينة الأستاذ عبدالحميد سرايا الصحفى اللامع نائب رئيس تحرير الأهرام خلال رئاسة تحرير الأستاذ محمد حسنين هيكل ولها من الأبناء بغير ترتيب الدكتور خالد الطبيب بلندن وعمر المهندس بمؤسسة الأهرام والدكتورة منى الأستاذ بمعهد البحوث الزراعية فى الولاياتالمتحدة الآن ثم الدكتور أستاذ بمعهد البحوث الزراعية ثم الدكتور محمد أستاذ الأعلام بجامعة مصر الدولية بالقاهرة. ولها من الاحفاد ثلاثة فقط فريدة ومصطفي من « منى» واياد عمر رحم الله نعيمة وصفى التى أعطت من فكرها وفنها لمصر وشعبها الذى بادلته حبا بحب فكانت هذه هى جائزتها الأكبر مع جائزة الدولة التشجيعية عن مجمل أعمالها الفنية.
فى باب للنقد فقط كتب الأستاذ عبد الفتاح البارودى بالأخبار بعد عرض مسرحية « جلفدان هانم» عام 1962..... معلقا على النجاح الهائل للمسرحية ، فقد كانت إحدى العلامات الفنية فى المسرح المصرى ومسيرة الراحلة نعيمة وصفى.