تخطو مصر خطوات كبيرة نحو تعزيز تواجدها فى إفريقيا التى تمثل عمقا استراتيجيا واقتصاديا لمصر بعد فترة طويلة من البعد عن القارة السمراء، ولعل مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسى فى القمة الإفريقية ال30 والتى اختتمت أعمالها الأسبوع الماضى فى أديس أبابا واختيار مصر بالإجماع لرئاسة الاتحاد الإفريقى خلال عام 2019 يعزز من مكانة مصر ويعيدها إلى قلب القارة. كما يؤكد الاهتمام الكبير الذى توليه مصر لها.. وتدعيما لهذا التوجه فإن وزارة الطيران المدنى برئاسة شريف فتحى وزير الطيران تعطى أولوية كبيرة للعلاقات المصرية الإفريقية فى كل مجالات الطيران، والذى يمثل رافدا رئيسيا من روافد التنمية وتحقيق التواصل بين الشعوب. ومن هنا فالطيران يعد إحدى وسائل «القوة الناعمة» المصرية فى تدعيم الوجود المصرى داخل إفريقيا من خلال رؤية شاملة تهدف إلى زيادة الاستثمارات مع دول القارة فى مجال الطيران المختلفة خاصة دول حوض النيل والاسهام فى تطوير البنية الاساسية لصناعة النقل الجوى فى إفريقيا وتنظيم دورات تدريبية للاشقاء الأفارقة فى كل التخصصات. ولعل ما قامت به الشركة الوطنية مصر للطيران بزيادة شبكة خطوطها الجوية إلى العديد من النقاط داخل إفريقيا خطوة مهمة فى هذا الاتجاه، ولكن مطلوب فتح مزيد من الخطوط الجديدة وزيادة عدد الرحلات لربط مصر بكامل القارة، كما أن لشركات الطيران المصرية الخاصة دورا مهما أيضا فى ذلك تعزيز مكانة النقل الجوى المصرى فى إفريقيا. ولكن ماذا عن صناعة النقل الجوى إفريقيا؟.. خبراء النقل الجوى يؤكدون أنها تواجه تحديات كبيرة تفرض على الحكومات الإفريقية، وكذلك شركات الطيران مزيدا من التنسيق والتعاون فى مجال الطيران. ونظرا لمكانة مصر فى مجال الطيران إقليميا ودوليا، فإنها يمكن أن تلعب دورا «محوريا» فى تعزيز التعاون مع الدول الإفريقية لمواجهة هذه التحديات، والتى يأتى أمن الطيران والسلامة الجوية فى مقدمتها إلى جانب ضعف البنية الأساسية فى بعض المطارات الإفريقية، وضرورة تحديث أنظمة المراقبة الجوية باستخدام الاقمار الصناعية، وعدم وجود خطوط طيران مباشرة تربط بين القارة الافريقية والعواصم المهمة حول العالم، وأيضا تربط بين العواصم الإفريقية وبعضها البعض والاعتماد على طرق جوية «غير مباشرة» مما يزيد من وقت الرحلات واستهلاك الوقود ونسبة الانبعاثات الضارة وتكلفة التشغيل. كل هذه التحديات تتطلب تعاونا إفريقيا من خلال توجيه الاستثمارات لتحديث البنية الأساسية بمطارات إفريقيا وتوقيع مزيد من الإتفاقيات التجارية فى تشغيل الرحلات، سواء بالمشاركة بالرمز أو غيرها بين الشركات الإفريقية، وفتح خطوط طيران مباشرة بين دول القارة، وهو ما يجعل الحاجة ماسة لإنشاء «سوق إفريقية موحدة للطيران» وتطبيق سياسة السماوات المفتوحة من خلال تفعيل إتفاقية «ياماسكرو» لفتح السموات بين الدول الإفريقية، والتى تعد بمثابة «خريطة طريق» نحو تحقيق هذا الهدف، حيث وافق وزراء الطيران والنقل الافارقة على انتخاب مصر لإدارة مشروع إنشاء «السوق الإفريقية الموحدة للطيران» والاشراف على تنفيذ خارطة الطريق لمدة عامين خاصة أن هناك 24دولة إفريقية، لديها اتفاقيات للأجواء المفتوحة من دول غير إفريقية بينما لا توجد مثل هذه الاتفاقيات بين دول القارة مما يؤدى إلى تهميش دور شركات الطيران الإفريقية فى الاسواق العالمية والمحلية. وفى النهاية نأمل أن يصبح الطيران المدنى إحد أدوات القوة الناعمة بمصر خلال المرحلة المقبلة فى تدعيم العلاقات مع الدول الإفريقية، وأن يشعر الأشقاء الأفارقة بوجود مصرى حقيقى فى كل المجالات داخل القارة السمراء، وخاصة مع رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى العام المقبل.