مع كل إطلالة جديدة على بودابست يقف المرء مشدوها أمام تعرجات التاريخ والجغرافيا التى تربط الشعب المجرى بالكثير من شعوب المنطقة، دون تفسير منطقى لمثل هذه الظواهر الفريدة الأنماط التى ورغما عن تباعد المسافات، عادت لتبحث عن سبيل لإصلاح ما أفسدته الأزمنة . صدق أو لا تصدق .. تعود أصول المجريين إلى ما تسمى بالمجموعة الاثنية «الفنلندية- الأوجورية». تقول الادبيات التاريخية إن المجريين ينحدرون من المجموعة السكانية «الاوجورية»، التى يقطن ممثلوها اليوم شمال شرق الأورال ضمن حدود الدولة الروسية فى مقاطعة «خانتى مانسيسك». وتقول أيضا إنهم يرتبطون تاريخيا مع شعبى فنلندا وإستونيا شمال غربى القارة الأوروبية، ما تؤكده علاقات الحاضر وما يحرص عليه الأحفاد من جهود لدعم أواصر اللغة والثقافة من خلال تبادل الزيارات وافتتاح الممثليات على غرار ما تفعله المجر فى عدد من جمهوريات وأقاليم روسيا ومنها تتارستان والأورال. على أن ذلك كله قد يبدو مقالا فى غير مقام، من واقع أن مياها كثيرة جرت منذ ذلك الحين، فى نهر الدانوب الذى استقرت على ضفافه العاصمة بودابست بكل ما تحفل به من معالم حضارية شديدة الإبهار ومفردات سياحية وثقافية وتاريخية متميزة ، تضعها وعن جدارة فى مصاف أجمل مدن العالم. واذا كانت المدينة فقدت بعضا من تاريخها «الأسطوري»، كإحدى عاصمتى إمبراطورية النمسا-المجر مع مطلع القرن العشرين، فإنها تبدو اليوم وكأنها فى سبيلها إلى استعادة مكانتها التى تستحق من خلال تكثيف جهودها على الأصعدة كافة، وصعيد الجوار القريب بالدرجة الاولى. وفى هذا الصدد نستشهد بما ذكره السفير محمود المغربى سفير مصر فى المجر حول ما تبذله القيادة المجرية بزعامة فيكتور اوربان رئيس الحكومة من جهود فى سبيل النهوض بالدولة المجرية من خلال سياسات متعددة التوجهات تجمع بين خصوصية «الإقليم»، وعمومية عضويتها فى الاتحاد الاوروبى. فالمجر تجتمع مع جاراتها سلوفاكيا وتشيكيا وبولندا من جمهوريات شرق أوروبا فى اطار ما يسمى بمجموعة بلدان «فيشجراد»، فى نفس الوقت الذى ترتبط فيه بعلاقات اقتصادية متميزة مع روسيا، دون إعلان من جانبها عن عدم الالتزام بما فرضه الاتحاد الأوروبى من عقوبات ضد الدولة الروسية. وتوقف السفير المغربى عند ما وصفه بالخط الرئيسى للسياسة الخارجية المجرية الذى يقوم على تعظيم المصالح خاصة فى الإطار الأوروبى وتطويع الآليات المتاحة لخدمة تنمية الاقتصاد المجرى، فيما أشار الى اهتمام المجر بعلاقاتها مع مصر والمواقف المشتركة التى تجمع البلدين تجاه الكثير من قضايا العصر ومنها الموقف من مواجهة الإرهاب ومعالجة قضايا الهجرة غير الشرعية. ولم نكن لنغفل خلال زيارتنا الاخيرة لبودابست محاولة استيضاح أبعاد الاهتمام بمواقع المصريين على خريطة المجتمع المجرى ومدى انخراطهم فى الحياة العامة وما يبذلونه من نشاط على الأصعدة كافة العامة منها والخاصة. وفى هذا الشأن كان مرجعنا الدكتور السيد حسن رئيس رابطة الجالية المصرية فى المجر على مدى سنوات طوال اكتسب خلالها احترام الكثيريين من المصريين والعرب ومعهم المجريون من أصدقاء مصر عاشقى حضارتها وتاريخها. تحدث الدكتور حسن عن حرص الرابطة على الاهتمام بالوافدين الجدد ومعظمهم من المصريين المتميزين من أصحاب المؤهلات العلمية المرموقة ممن إلتحقوا بأبرز المؤسسات المهنية المجرية والمتعددة الجنسيات فى بودابست. توقف عند الدورات التخصصية التى تقيمها الرابطة ومنها التى تعنى باعداد المصريين والعرب لمواجهة مشكلة الاندماج فى المجتمع المجرى ، وتقديم ما يلزمهم من معلومات للحصول على أفضل فرص العمل. أشار كذلك إلى نشاط المدرسة المصرية لتعليم اللغة العربية ، وكذلك الدورات التى عقدتها خلال الأيام القليلة الماضية رابطة الجالية المصرية لتعليم الكومبيوتر والتدريب على اجتياز اختبارات قيادة السيارات وتعلم قواعد المرور للحصول على رخصة القيادة. وأضاف أن هناك مجالات للتعاون مع السلطات المجرية لتذليل الكثير من العراقيل التى تواجه أبناء الجالية المصرية والعربية، مشيرا فى ذات الوقت إلى ما تقوم به المجر من خطوات تقارب مع جيرانها فى شرق أوروبا، وما تتخذه من إجراءات تستهدف لم شمل أبناء الأسرة الواحدة من أبناء المجر التاريخية ممن يبلغ تعدادهم ما يزيد عن 15 مليونا من المجريين الذين يقطنون اليوم بلدان الجوار القريب فى شرق اوروبا مثل رومانيا وأوكرانيا وسلوفاكيا، أو فيما جوار الأورال عند الحد الفاصل بين آسيا وأوروبا، أو فى الشمال حيث إستونيا وفنلندا، وفيما وراء المحيط فى الولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا.