انسحب من الانتخابات الرئاسية، وبعد إعلان النتائج، شكّك فيها ورفض الاعتراف بها، وأعلن أنه سيحلف اليمين. ليس «يمين الطلاق» أو يمين الولاء، بل اليمين الدستورية بصفته رئيسًا للبلاد، زاعمًا أنه الأحق بالمنصب ومتوهمًا أنه فاز فى الانتخابات، التى لم ينافس فيها أساسًا!. مَن يرى «بلاوَي» الناس، تهون عليه «بلوَته». والبلوى هى المصيبة، الكارثة أو الرزيئة أى «الرزّية» بمنطوق العوام، وجمعها بَلاوَي، بلاوٍ وبَلايا. ويقال إن الحرب، أيّ حرب، أولها نجوى وأوسطها شكوى وآخرها بلوي. وبما أننا نخوض حربًا منذ 4 سنوات، على الأقل. وبما أننا تجاوزنا مرحلتى الشكوى والنجوي، يكون طبيعيًا جدًا أن نصل إلى المرحلة الثالثة والأخيرة، مرحلة البلوي. ومِن حسن حظنا أنها خاصمت الخير، إذ إن شر البلاوَي، عادةً، يُضحك!. يحدث، أحيانًا، أن تجد قرارات أو ممارسات للسلطة فى دول الشمال التى يقال إنها متقدمة، تتشابه أو تتطابق مع ممارسات أو قرارات للسلطة هنا، ويقوم البعض باستخدامها، للتبرير أو التفسير. غير أن الوضع يختلف، بالنسبة للمعارضين، أو ما يوصفون بأنهم كذلك، الذين تقترف بلاوى (أى كوارث) يردّها هواة الهبد على «الكيبورد» إلى مجال عام زعموا أنه مُوصد، أو إلى أفق سياسى قالوا إنه انسدْ، أو إلى أى اكلام فارغب قد يكون مدفوع الثمن، أو ناتجا عن أمراض نفسية. وبالطبع، لن تجد لكثير من بلاوى المحسوبين على المعارضة مثيلًا، حتى بين «مجانين» اليمين المتطرف فى دول الشمال، بينما لو ولّيت وجهك شطر الجنوب، ستجد ما يجعلك تبتلع أفعالهم وتتغاضى عن أقوالهم، وتضع يديك، الاثنتين، على قلبك خشية أن تتطور حالتهم، وتنتابهم أعراض خطيرة كتلك التى انتابت رايلا أودينجا، الذى يوصف بأنه زعيم المعارضة فى جمهورية كينيا!. فى انتخابات الرئاسة، التى جرت فى 8 أغسطس الماضي، خرج اأودينجاب خاسرًا، أمام منافسه الرئيس الحالي، أوهورو كينياتا، فشكّك فى نزاهة الانتخابات واستصدر حكمًا من المحكمة العليا ببطلان نتائجها. وحين أعيدت الانتخابات، فى 26 أكتوبر، أعلن اأودينجاب انسحابه، قبل إجرائها بأسبوعين، ودعا أنصاره إلى مقاطعة التصويت، فكانت النتيجة الطبيعية هى فوز «كينياتا» بنسبة تجاوزت ال 98% من عدد الأصوات. ومع ذلك، شكك المرشح المنسحب فى نزاهة الانتخابات، وطعن مجددًا فى نتائجها أمام المحكمة العليا التى رفضت الطعن هذه المرة، وأيدت فوز «كينياتا» فى الانتخابات المعادة، وتم تنصيبه رئيسًا للبلاد فى نوفمبر الماضي. وعندئذ، لم يكتف الأستاذ اأودينجاب بعدم الاعتراف بالنتائج أو بالحكم، بل أعلن أنه الرئيس الشرعى للبلاد وقرر أن يقيم مراسم تنصيب خاصة به!. رايلا أودينجا، الذى احتفل بعيد ميلاده الثالث والسبعين فى 7 يناير الماضي، اعتاد الخسارة فى الانتخابات الرئاسية، ويبدو أنه ورثها عن والده أوجينجا أودينجا، الذى حل رابعًا فى انتخابات 1992 ب17% التى فاز فيها دانيال آراب موي، الرئيس الكينى الأسبق. وأمام «موي» أيضًا خسر ارايلا«، أو «أودينجا» الابن، فى انتخابات 1997 بحصوله على 11%، وخسر كذلك سنة 2007 أمام مواى كيباكي، الرئيس السابق، ووقتها رفض أيضًا الاعتراف بالنتائج، وشكك فى نزاهة الانتخابات ونشبت أعمال عنف مسلح، انتهت باتفاق صلح تم بموجبه تكليف «أودينجا» برئاسة الوزراء فى 17 أبريل 2008 وظل فى موقعه إلى أن غادره فى 9 أبريل 2013 مع تولى أوهورو كينياتا، الرئيس الحالي، للسلطة، وهو، بالمناسبة، نجل «جومو كينياتا» أول رئيس للجمهورية، بعد تحول كينيا من الملكية الدستورية فى 12 ديسمبر 1964. مراسم تنصيب المُرشَّح المنسحب، وبالتالى «الخاسر»، رئيسًا للبلاد، تم تأجيلها عدة مرات، منذ نوفمبر الماضي. وفى كل مرة يصدر بيانًا يعلن فيه أن قرار التأجيل إلى موعد لاحق، جاء بعد مشاورات واسعة، ويؤكد أنه «مازال على الطريق لتحقيق العدالة الانتخابية»، ويدعو إلى حوار وطنى تكون العدالة الانتخابية على جدول أعماله. وفى كل مرة أيضًا، يحذر جيثو مويجاي، المدعى العام الكيني، بأن ذلك يُعد جريمة ترقى إلى الخيانة العظمي. لكن الطوبة وقعت فى المعطوبة، الثلاثاء الماضي، وأقيم حفل التنصيب فى حديقة «أوهورو» بوسط العاصمة نيروبي، وأمام مئاتٍ من أنصاره، قاموا بالتصفيق وعلت صيحاتهم، رفع «أودينجا» الإنجيل، وقام بحلف اليمين، بعبارات اختلفت قليلًا عن اليمين الدستورية: «أنا، رايلا أودينجا، أتولى مهام رئيس الجمهورية وأقسم أن أكون مخلصًا وأن أدين بالولاء لشعب وجمهورية كينيا»!. منذ ساعات، نقل صديقى المترجم المرموق بشير السباعى عن فرانك بلانجيرد أنه انتقد الإدارة الأمريكية بقوله «حتى هتلر لم يكن على هذه الدرجة من الجنون. لا بُدَّ أن كمية الكوكايين التى يتعاطونها فى واشنطن هائلةب. ولو قارنت ما شهدته مصر، خلال الأيام الماضية، بما فعله «أودينجا» وأنصاره، يمكنك استنتاج أن المحسوبين على المعارضة هنا، لم يصلوا إلى هذه الدرجة من الجنون، ربما لأنهم لا يتعاطون كميات هائلة من الكوكايين، وربما لأنهم يفضلّون أنواعًا أخري، قد تكون «الكُلَّة» مثلًا!. لمزيد من مقالات ماجد حبته