انطلق السائق مهرولا للخروج إلي عمله في تلك الليلة شديدة البرودة والحالكة السواد فهو كالعادة ينتقل بشاحنته بين المحافظات بحثا عن رزقه .. سكون عجيب بالطريق في ذلك المساء المشئوم ويمنح الناظر شعورا زائفا بالأمان والهدوء لكنه كان هدوءا كاذبا ومقلقا أشبه بذلك الذي يسبق العاصفة .. فلم يعلم أنها الرحلة الأخيرة وأن روحه البريئة ستزهق ببشاعة وبدم بارد علي يد عصابة إجرامية تقودها امرأة قوية تحيك مؤامرات الشر المستطير دون أن تبتل أصابعها بالدماء. خمسة سفاحين جفت في قلوبهم الرحمة وتمتعوا بقلب صلب ومشاعر ميتة كونوا تشكيلا شيطانيا تخصص في مهاجمة السيارات وسرقتها واستباحة دماء الأبرياء إذا لزم الأمر حتي تحولوا إلي وحوش تطارد فرائسها دون وازع من ضمير ديني أو إنساني بعد إدمانهم الخمر والمخدرات فكانت الجريمة عندهم أسهل مما يكون. في بداية الأسبوع الماضي راح الجناة يتسللون في جنح الظلام للبحث عن الضحية الجديدة حيث نسجوا خيوطهم مثلما يحيك العنكبوت بيته ليقتنص الحشرات وتوجهوا لاصطياد فريستهم الموعودة كالذئاب، حيث بدأت رحلة الموت علي طريق الخطاطبة كوم حمادة وتمكنوا من الإيقاع بسائق سيارة نقل واعترضوا طريقه بحجة توصيل زوجة أحدهم وفي أثناء الطريق راوغته «عطيات « التي اختلقت له قصصا كاذبة واستطاعت بدهائها وقدرتها علي الخداع كسب ثقته إلي درجة كبيرة لإلهاء وخداع الضحية حتي جعلته يتوقف بدعوي النزول في منطقة نائية مهجورة ومظلمة، وكأن هذا البريء علي موعد مع الموت في هذا المكان المعلوم وبحيلة ماكرة افتعلت معه مشادة كلامية بحسب الخطة الشيطانية. وكشف المجرمون عن نيتهم الخبيثة وكشروا عن أنيابهم وقام احدهم بتهديد الضحية في محاولة لإجباره علي ترك السيارة حتي يستولوا عليها إلا أنه تشبث بها لأنها مصدر رزقه الوحيد، ارتفع صوته صارخا ومتوسلا أن يتركوه فهي التي يتقوت منها هو وأولاده الذين ليس لهم عائل غيره، إلا أن نيران الطمع والجشع والغضب طمست أعينهم وقرروا ان يستغلوا هذا الصيد الثمين وأكملوا خطتهم الخبيثة للنيل منه وعندما حاول ان يدافع عن نفسه استطاع كبيرهم أن يطبق بذراعيه حول عنقه ودار صراع بائس بينهم وبين المسكين الذي ظل يقاوم غير عابئ بردود الأفعال، بعد أن غرس أسنانه في ذراع صغيرهم محدثا جروحا غائرة حتي تدفقت منها الدماء بغزارة فعاجله بالطعنات النافذة، وآخر انهال علي رأسه بآلة حادة وثالث أجهز عليه بالسكين ولم ترتجف قلوبهم لاستغاثاته حتي سقط مضرجا في دمائه واستولوا علي سيارته وجميع متعلقاته وأوثقوه بالحبال حول عنقه وتخلصوا من جثته في مياه الرياح البحيري وفروا بالسيارة هاربين. وبعد عدة أيام وجدت جثة الشاب بواسطة الأهالي وتعرفت الشرطة علي هوية المجني عليه وتم نقلها للمشرحة واتضح أنها لسائق من محافظة أسيوط وسريعا ما جاءت عدالة السماء لتفضح جرائم أفراد العصابة الذين خلقوا أجواء من الهلع في نفوس العائلات وروعوهم وأقلقوا مضاجعهم كلما وقعت جريمة قتل أحد علي الطرق. وأمام تعدد جرائمهم تحول رجال أمن البحيرة بقيادة اللواء علاء الدين عبدالفتاح مدير الأمن لخلية نحل لملاحقة المتورطين في الجريمة وخلال 48 ساعة كشفت التحريات المكثفة للواء محمد أنور هندي مدير الإدارة العامة لمباحث البحيرة والعميد عبد الغفار الديب أن المتهمين بارتكاب الواقعة سائق وزوجته و 3 آخرين، وألقي المقدم محمد أبوغزالة رئيس مباحث كوم حمادة القبض علي المتهمة وشركائها الأربعة وبحوزتهم بعض المسروقات التي لم يتمكنوا من بيعها وأمام مدير النيابة اعترفوا بجرائمهم المتعددة في المحافظات وأرشدوا عن مكان السرقات وأسماء التجار الذين باعوا لهم السيارات المسروقة. وما بين اختفاء الضحية والعثور علي جثته عاشت عائلته أياما مرت كالدهر تكالبت عليهم الأوجاع والقلق المرعب خوفا علي رب الأسرة لتصفعهم المفاجأة الموحشة باكتشافهم مقتله بطريقة بشعة والسبب سرقة سيارته، وعندما علم شقيقه بوفاته هرع للتعرف علي جثمانه ووقف يتابع بقلبه قبل عينه ذلك المشهد المأساوي وكأنه يعيش في كابوس، وكاد في هذه اللحظة يودع الدنيا وما فيها من هول المنظر لينهار الشقيق الأصغر في نوبة من البكاء. وخلف الشاب القتيل مأساة انسانية كبيرة فقد ترك أطفالا صغارا في عنق أخيه لا يستطيعون مواجهة أي شيء ويحتاجون إلي من يأخذ بيدهم في دروب الحياة الصعبة التي تكبل الجميع، وزوجته تبكي ليل نهار وأسرته في حالة هلع كلما تذكروا ذلك اليوم المشئوم حيث حفرت تلك الأحداث المؤلمة واديا من الأحزان في نفوسهم.