عيد الغطاس أحد الأعياد السيدية الكبرى، وهو الثالث فى الأهمية بعد عيدى القيامة والميلاد، وتحتفل به الكنيسة القبطية فى الحادى عشر من شهر طوبة، ويقابل عادة التاسع عشر من شهر يناير، وهو أقدم وأول عيد عرفته الكنيسة المسيحية بحسب شهادة القديس يوحنا ذهبى الفم. وتحتفل به الكنيسة القبطية منذ زمن بعيد حيث جاء فى «تعاليم الرسل»، وحسب شهادة «ساويروس بن المقفع فعيد الغطاس يعتبر تقليداً رسولياً قديماً يعود إلى مارمرقس نفسه. وفى ترتيب كنيستنا القبطية إذا وقع عيد الغطاس فى يوم أربعاء أو جمعة يفطرون فيه ولا يصومون، واليوم السابق للغطاس يسمى «برمون الغطاس» وفيه يصومون. ................................................... وكانت معظم الكنائس إلى نهاية القرن الرابع تجعل لميلاد المسيح وعماده عيداً واحداً يسمى «الإبيفانيا». وأطلق على عيد الغطاس فى التراث والأدب القبطى عدة مسميات، هى الغطاس أو العماد، والثيؤفانيا، والإبيفانيا، وعيد الأنوار أو الأنوار المقدسة، والشموع، والدٌنَح وهى كلمة سريانية تعنى الظهور والإشراق، وعيد اللقان لأن صلاة اللقان تقام فيه، وعيد الحميم، والتافانية بالرومية. ومن أهم العادات الشعبية فى عيد الغطاس، النزول إلى الماء والغطس فيه، بالرغم من أن العيد يكون فى طوبة أبرد شهور السنة، لكن العادات المتوارثة فى الصعيد تؤكد التقليد الخاص بنزول الناس جماعات ليغطسوا فى أقرب مجرى ماء إلى بلدتهم، كما أكد المؤرخون فى كتاباتهم عن الغطاس، فذكر المؤرخ الغربى «فانسليب» فى القرن 17 أن الأقباط يشغلون معظم الليل فى الاحتفال بعيد الإبيفانيا. وعندما يتممون طقس تبريك الماء ينزلون فيه جماعات للإستحمام، ونقل الأحباش عن الأقباط هذه العادة فى القرن 15. وعادة نزول الماء فى عيد الغطاس كانت معروفة منذ القرن 16 فى فلسطين أيضاً. وتذكر «وينفرد بلاكمان» فى كتابها «الناس فى صعيد مصر»: «..الأقباط يغطسون فى الماء بعد صب ماء مقدس فى النهر، وفى بعض الأماكن يأتى قس إلى بيت أحد الأقباط حاملاً بعض الماء المقدس إلى جانب صليب فضى صغير ويتلو عددا من الصلوات، وتكرر عبارة كيرياليسون 41 مرة بمسبحة قبطية عدد حباتها 41 وينثر الماء المقدس على الحاضرين ويعد هذا بديلا للإستحمام فى النيل». والمصريون القدماء كان لديهم عيد يسمى «الانقلاب الشتوى» كانوا يغطسون خلاله فى مياه النيل محتفلين بحرث الأرض ونثر البذور، وكان فى توقيت عيد الغطاس ذاته. وحضر «المسعودى» ليلة الغطاس بمصر سنة (330 ه = 942م)، وذكر فى كتابه الشهير «مروج الذهب» أن «الأخشيد محمد بن طغج» أمير مصر فى قصره، بجزيرة منيل الروضة، أمر بإقامة الزينة فى ليلة الغطاس أمام قصره، من جهته الشرقية المطلة على النيل، وأوقد ألف مشعل، بجانب ما أوقد أهل مصر من المشاعل والشموع على جانبى فرع النيل. وبشهادة المسعودى كانت ليلة الغطاس أيام الفاطميين والأخشيديين «أحسن الليالى بمصر وأشملها سروراً ولا تُغلق البوابات التى كانت مركّبة على أفواه الدروب والحارات، بل تبقى إلى الصباح، ويغطس أكثر الناس فى نهر النيل، زاعمين أن ذلك أمان لهم من الأمراض، ومناعة لأجسادهم من انتشار الداء». ويذكر القلقشندى فى كتابه «صبح الأعشى فى صناعة الإنشا»: «ويقول المثل المتعارف عن عيد الغطاس «غطستم صيفتم .. نورزتم شتيتم» وهذا مثل مصرى قديم، فرغم برودة يناير الذى يقع فيه الغطاس إلا أن الأقباط يغطسون فى النيل ويكون ذلك بداية لجو دافئ ويستعد الناس تدريجيا لتخفيف ملابسهم. وذكر «ابن الحاج»، من كتاب القرن 14، فى كتابه «المدخل» تشارك المسلمون والأقباط إحتفال الغطاس، ويحملون فيه أعواد القصب عليها شموع موقدة وفاكهة، ويتهادون فيه بالقصب وغير ذلك. ويقول «ابن إياس» فى مؤلفه الشهير «بدائع الزهور فى وقائع الدهور»: «ان البحر كان يمتليء بالمراكب والزوارق، ويجتمع فيها السواد الأعظم من الخاص والعام من المسلمين والنصارى، فإذا دخل الليل تُزين المراكب بالقناديل وتشعل فيها الشموع وذلك على جوانب الشطوط من بر مصر والروضة، وكان يشعل على الشطوط فى تلك الليلة أكثر من ألفى مشعل وألف فانوس». ودأب حكام الدولة الفاطمية، فى عيد الغطاس، على توزيع «الليمون، والقصب، والسمك البورى» على الموظفين. برسوم مقررة لكل شخص. ويذكر «ابن المأمون» فى تاريخه من حوادث سنة 517 :» فى عيد الغطاس فرق أهل الدولة ما جرت به العادة لأهل الرسوم من الأترنج والنارنج والليمون فى المراكب، وأطنان القصب والبورى». وذكر «الأسعد إبن مماتى» الوزير الأيوبى الذى توفى سنة 1209م فى كتابه «قوانين الدولة»: أن المسيحيين «منعوا من الغطس فى النيل ابتداء من القرن الحادى عشر بأمر «الحاكم بأمر الله»، فاستبدلوا التقديس والغطس ليكون فى مغاطس الكنائس. وذكر «أبو المكارم» فى كتابه «تاريخ الكنائس والأديرة» العديد من مغاطس الكنائس التى كان يغطس فيها الأقباط بعد تقديسها فى الغطاس. واعتاد الناس، منذ القدم، فى كنائسنا، على حمل ماء لقان عيد الغطاس لرش منازلهم وتبريكها به بعد تقديسه بالصلاة، وكانت الكنائس قديما تحتفظ بكمية من مياه نهر الأردن لتضاف إلى اللقان فى أثناء القداس. وذكر المقريزى «دير المغطس» وكان يقع عند ملاحات بحيرة البرلس، وكان يحج إليه المسيحيون من قبلى وبحرى فى الغطاس مثل كنيسة القيامة. ووصفت بلاكمان عادة قبطية قديمة فى يوم الغطاس وهى توجه كل الأقباط إلى المقابر لزيارة أقاربهم المتوفين، وتسمى الطلعة، مثلما يفعلون فى عيدى الميلاد والقيامة. وذكر «الأنبا باخوميوس» فى سيرته، أن مسيحيى إسنا كانوا فى عيد الظهور الإلهى يحتفلون بولائم فاخرة ومأكولات شهية ومشروبات عطرة، وهو ما رواه القديس تادرس عن طفولته قبل أن يلتقى الأنبا باخوميوس فى طبانيس. وأهم ما يطبخه الأقباط فى موسم الغطاس هو القلقاس، لأنه ينمو أسفل الأرض ثم يخرج إلى النور للأكل، ويمثل الإنسان فى الخطية ويظهر إلى النور والحياة من قبل المعمودية، والقلقاس فيه مادة لزجة تسبب الضرر لو لم تغسل، وبعد غسله يصير لونه أبيض ناصعا، فيمثل نقاوة الإنسان بعد المعمودية المقدسة، ويقول المثل: «اللى ماياكُلش قلقاس فى عيد الغطاس يصبح جتة من غير رأس». فى إشارة إلى استشهاد يوحنا المعمدان بقطع رأسه، وهو طرف رئيسى فى عيد الغطاس. ويرتبط القصب بعيد الغطاس، ويوجد فى جميع بيوت الأقباط يومها، لأنه يشير إلى حلاوة الإيمان. وكما يخرج أطفال الريف فى أحد الشعانين بالسعف، يخرجون فى عيد الغطاس بأعواد القصب، وفى أعلاها يضعون صليبا خشبيا تعلق به خمس برتقالات، واحدة فى الوسط وأربع عن اليمين والشمال بشكل صليب، وعلى كل مسمار شمعة، وهذا من الآثار القديمة لأن الأقباط فى القديم كانوا يحتفلون بعيد الغطاس ليس فى داخل الكنيسة، بل فى زفة شعبية بجميع أنحاء المدينة، وعلى ضفاف النيل. ومن التراث الشعبى أيضاً وضع الأم برتقالة وقطعة قصب أسفل وسادة كل واحد من أطفالها، ليكون أول ما يراه ويأكله صباح العيد. ويتميز اليوم بأكل الجزر والبرتقال واليوسفى، ولا يخلو منها أى بيت فى ليلة عيد الغطاس، وكانت تضاء الشموع فى قناديل مصنعة من البرتقال بعد تفريغه، لتمتليء البيوت بالنور فى ليلة عيد الأنوار، ويحملها الأطفال فى كل مكان للتذكير بموكب المعمدين الجدد، أى المستنيرين وهم يدخلون الكنيسة حاملين الشموع الموقدة ليشتركوا فى خدمة الليتورجيا المقدسة. ويعرف فانوس الغطاس شعبياً باسم «البلابيصا»، ومعناها الشموع بالهيروغليفية، وكان يستخدمها المصريون القدماء، وانتقلت إلى إحتفالات الغطاس، واستمرت إلى الآن، ويحمل الأطفال البلابيصا فى الشوارع ويرددون أغانى شعبية للمناسبة مثل : ليلتك يا بلابيصا ليلة هنا وزهور .. وفى ليلتك يابلابيصا .. حنُّو العصفور ياليلة الغطاس .. يافرحة كل الناس .. بعماد الرب إيسوس .. نسجد ونقول أجيوس باركنا ياقدوس وإحفظ على الدوام.. أسقفنا الأنبا... ومن الاغانى المعروفة أيضا فى ليلة الغطاس: يا ليلة الغطاس-- بالشمع والبلباص روحنا كنايسنا ----إحنا وحبايبنا نهتف ونقول أجيوس-- إرحمنا ياقدوس وإحفظ يارب الأرباب-- ساير كل الأحباب ومن الطقوس الشعبية على نهر الأردن، كان الأقباط المقدسون والمقدسات ينزلون ماء النهر للبركة، ويتساندون بالأيدى قبيل تجهيز السلالم للغطس فى النهر. وهم يرتدون ملابس بيضاء، ويحتفظون بها حتى يتم تكفينهم فيها عند الانتقال. ومن الأمثال الشعبية فى محيط نهر الأردن: «شجر الشريعة ضلل علينا ... تحت ضل الشريعة إتخوينا». ومن الأمثال الخاصة بعيد الغطاس أيضا: «يغطس النصرانى ويطلع الدفا التحتانى»، و»غَطَسْت يا نُصْرانى صَيِّفت يا مُسلم بعد أربعِينين».