ليس لدي أدني شك في أن الرئيس محمد مرسي كان ومازال مشغولا, بل مهموما, بأن يصل إلي أفضل السبل لحكم مصر, كما أنني ليس لدي أدني شك أيضا في أن الرئيس محمد مرسي كان ومازال مشغولا بالوصول إلي أفضل السبل لتحويل الثورة إلي دولة أي تحويل أهداف الثورة إلي مؤسسات وممارسات. من هنا تأتي ضرورة أن يمتلك الرئيس القدرة علي مراجعة النفس, وإجراء محاسبة ومراجعة بين حين وآخر, لكل ما تم اعتماده من أفكار وما تم اتخاذه من سياسات وإجراءات, ومن تم اختيارهم من أشخاص يعتمد عليهم في تنفيذ تلك الأفكار والسياسات والإجراءات للتأكد من سلامة وجدية وكفاءة المسار الذي اختاره. وكما أنني ليس لدي أدني شك في أن الرئيس محمد مرسي يدرك ويعي أن إدارة دولة مستقرة سياسيا وأمنيا واقتصاديا تختلف عن إدارة دولة في حالة ثورة, أي في حالة غليان وفوران, فإنني ليس لدي أدني شك أيضا في أن الرئيس محمد مرسي يدرك ويفهم الظروف شديدة الخصوصية التي وصل فيها إلي مقعد الرئاسة, فهي لم تكن فقط ظروف ثورة لم تكمل انتصارها, ولم تحقق الحد الأدني من أهدافها, لكنها جاءت في ظروف استطاعت فيها قوي الثورة المضادة, أو القوي المعارضة والرافضة والمتضررة من الثورة, أن تستعيد امتلاك زمام أمرها وأن تجمع شتاتها, وتستفيد من ظروف الانقسام الحادث في صفوف قوي الثورة والارتباك الشديد في إدارة الدولة من خلال القائمين علي إدارتها( المجلس العسكري والحكومة), وأن توظف الأخطاء المتراكمة في إدارة سياسة الدولة علي مدي ما يقرب من عام ونصف العام خلق مناخا عاما أو رأيا عاما إن لم يكن رافضا أو معاديا للثورة فهو ممتعض أو متأفف من كل تلك الأخطاء والتجاوزات والانقسامات التي حدثت طيلة تلك الفترة, ليس هذا فقط, بل إن قوي الثورة المضادة تجرأت علي الثورة وشعبها لدرجة أنها نجحت في أن توظف كل, أو أغلب, أجهزة الدولة ومؤسساتها في الاتجاه الذي يؤدي إلي إسقاطها أو إفشالها, ولدرجة أنها تقدمت بمرشح رئاسي لم يتردد في أن يعلن علي الملأ أن حسني مبارك هو مثله الأعلي. كل هذه الظروف كانت تفرض, ومازالت تفرض, علي الرئيس محمد مرسي أن يأخذها في اعتباره وهو يسعي ويفكر في اختيار الأفكار والسياسات والإجراءات التي يريد أن يحكم بها, وفي اختيار القيادات والأشخاص الذين سوف يعتمد عليهم في تنفيذ هذه الأفكار والسياسات. وأول ما تفرضه هذه الظروف هو الحرص الشديد علي أمرين; أولهما, الإسراع في تحقيق وفاق وطني جامع لكل مكونات المجتمع المصري من خلال التأسيس لمشاركة وطنية في الحكم. وثانيهما, الاعتماد علي السياسات الثورية دون الإصلاحية قبل أن تتفاقم الأزمات. لحسن الحظ أن الرئيس محمد مرسي كان مدركا وواعيا بهذا كله ومن هنا جاء حرصه علي أن يكون بشخصه طرفا مشاركا في تأسيس الجبهة الوطنية لاستكمال الثورة. كان هذا مساء الخميس وظهر يوم الجمعة 21 و22 يونيو الماضي في لقاءات مكثفة شهدها فندق فيرمونت المطار بمشاركة رموز من الشخصيات والقيادات الوطنية الممثلة لمعظم التيارات السياسية في مصر ومن ضمنها الإخوان المسلمون ومعظم قادة الحركات والائتلافات الثورية. كان الهدف المباشر لتأسيس هذه الجبهة في هذا الوقت العصيب هو الحيلولة دون تزوير نتائج انتخابات جولة الإعادة لمصلحة المرشح المنافس للدكتور محمد مرسي. وكان المغزي من هذا الموقف (التصدي لأي محاولة للتزوير) هو الانحياز لمصر وللثورة وليس لشخص محمد مرسي مع كل الاحترام لشخصه, إدراكا من مؤسسي هذه الجبهة أن كل التحريض الإعلامي المكثف ضد المرشح محمد مرسي وضد الإخوان المسلمين ليس هدفه لا محمد مرسي ولا الإخوان المسلمين ولكن هدفه الثورة والسعي لإسقاطها من خلال إنجاح المرشح المنافس. ولحسن الحظ أيضا أن المرشح الدكتور محمد مرسي والجبهة اتفقا معا علي أهداف ستة تم التعهد بالالتزام بها معا في حالة فوزه بالرئاسة تضمنها البيان التأسيسي للجبهة الذي ألقاه الإعلامي والمناضل الكبير الأستاذ حمدي قنديل, وحمل اسم وثيقة فيرمونت تضمنت تأكيدا علي الشراكة الوطنية ضمن مشروع وطني جامع يعبر عن أهداف الثورة وتضم كافة أطياف المجتمع وتياراته السياسية, وأن يكون رئيس الحكومة شخصية وطنية مستقلة مشهودا لها بدورها الوطني المميز, وأن يجري تشكيل الحكومة من كفاءات وطنية مقتدرة وعلي أساس من التعددية السياسية, مع تأكيد أن يضم الفريق الرئاسي كل التيارات الوطنية, وتشكيل فريق لإدارة الأزمات من رموز وكفاءات وطنية أيضا, ورفض كل من الإعلان الدستوري المكمل وقرار حل مجلس الشعب باعتبارهما يقودان نحو عسكرة الدولة والإخلال بمبدأ السيادة الشعبية. واتفق أيضا علي أمرين, أولهما, السعي لتحقيق توازن في تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور كخطوة ضرورية للوفاق الوطني. وثانيهما, الالتزام بمبدأ الشفافية مع الشعب في كل القضايا. لكن للأسف الشديد أثبتت تجربة الأسابيع الستة الماضية تجاهلا وتراجعا عن كل ما اتفق عليه من أهداف والتزامات وكان المفترض أن تتحول مصر كلها إلي ورشة سياسية ومشاركة شعبية واسعة, وإدارة راقية للأزمات المتصاعدة انطلاقا من إدراك واع بأنه ليس في مقدور أي شخص أو أي حزب أو أي تيار سياسي أن يبني مصر الثورة وحده مهما تكن قدراته ولكن مصر كلها تستطيع إن أرادت أن تبني وأن تفعل المستحيل, تماما مثلما كنا علي وعي بأنه ليس في مقدور أي حزب أو تيار سياسي أن يحدث التغيير الجذري المطلوب وأن يسقط رأس النظام ولكن مصر كلها تستطيع إن أرادت وقد أرادت فعلا يوم 25 يناير .2011 من هنا نقول للرئيس: إن تصحيح المسار أضحي ضروريا بل حتميا, لأن الثورة لم تنتصر بعد, ولم تحقق أهدافها بعد, ولأن البديل سوداوي وشديد الخطورة والعدو في الداخل وعلي الحدود ليس متربصا فقط بل يقاتل من أجل إسقاط كل شئ والعودة بمصر إلي عصر الطغيان والفساد, وربما إلي أسوأ مما كانت قبل الثورة. المزيد من مقالات د. محمد السعيد إدريس