كان الأساس فى تكوين هذه الجبهة الوطنية أن تكون جدارا صلبا يحول دون إجهاض الثورة وهى لم تكمل عاما ونصف العام من عمرها، ذلك أنه لو نجحت ماكينة تعبئة شفيق فى ثوب الرئيس بالإكراه كانت تلك ستصبح الرصاصة الأخيرة على محاولة المصريين للتمرد على ثلاثين عاما من الفساد. وقد أعلن المشاركون فى هذه الجبهة حتى قبل أن تتشكل وقوفهم خلف «المرشح» محمد مرسى ضد مرشح الثورة المضادة، وفى اللحظة التى تشكلت فيها الجبهة كان الدكتور محمد مرسى لا يزال مرشحا، حيث عقد اللقاء الذى أسفر عن تشكيل الجبهة بمبادرة من الدكتور مرسى، قبيل إعلان نتيجة الإعادة، حيث كانت فرص نجاح مرسى تساوى فرص إسقاطه، مع الأخذ فى الاعتبار أن مؤشرات الرغبة المحمومة فى إعلان فوز شفيق قد تصاعدت إلى حد بدأت معه ذيول النظام القديم فى بث رسائل التهديد والوعيد بالانتقام بعد عودة دولتهم القبيحة. وفى اجتماع فيرمونت الشهير أكد «المرشح» محمد مرسى أن الجميع لم يكونوا فى حاجة إلى التوحد والاصطفاف مثل هذه اللحظة، موضحا أن الكل يحتاج للكل، فى مواجهة طوفان الثورة المضادة. وعليه فقد كانت هذه الجبهة نواة مشروع وطنى جامع يستكمل الثورة، من موقع المعارضة من جديد فى حالة إسقاط مرسى، بالمخالفة لكل الأرقام من واقع محاضر اللجان الفرعية والعامة التى أعلنتها حركة «قضاة من أجل مصر» وبشهادة كل الأطراف فقد كان الإعلان عن هذه الجبهة صخرة تكسرت عليها محاولات الانقضاض على نتيجة انتخابات الإعادة، حيث وجهت رسالة شديدة القوة والوضوح للخارج وللداخل، مفادها أن كل القوى الوطنية الثورية تعيد التكتل مجددا ضد عودة نظام مبارك، الأمر الذى أسهم فى ردع كل محاولات العبث بالنتائج. ومن باب التكرار القول إن ما تكون فى اجتماع « فيرمونت» كان نواة لمشروع وطنى واسع يضم جميع الاتجاهات، وكان معلنا منذ البداية أن هذه الجبهة بمثابة ضمير وطنى، ومن ثم يبتعد أعضاؤها عن الترشح لشغل مواقع أو مناصب حكومية أو داخل الفريق الرئاسى. وكان الأمل أن تتسع دائرة المشاركة المجتمعية فى صياغة ملامح النظام السياسى الجديد، بحيث تستعيد الثورة عافيتها وتكون فى مأمن من هجمات متقطعة لفلول الثورة المضادة، استشعارا لخطر حقيقى لعل أبلغ صور التعبير عنه أن الفارق بين الدكتور مرسى ومرشح الفلول كان فقط واحد بالمائة. غير أن الأمور بعد إعلان النتيجة مضت على نحو مغاير، وبدلا من اتساع الدائرة ضاقت كما كانت وأغلقت أمام كفاءات وخبرات رائعة تحتاجها مصر، وعاد سؤال الدولة أم الجماعة أو التيار يدق رءوس كثيرين. وليس معنى انتقاد الخطوات والإجراءات التى تمت طوال الفترة الماضية أن هناك أسى أو أسفا على خيار الجبهة، أو أنها فى طريقها للتحلل، فقد كان الخيار الاستراتيجى والوحيد لأعضائها هو الحيلولة دون عودة نظام ساقط، وقد تحقق ذلك مرحليا، لكنه فى حاجة إلى سياج من الحماية مع اشتداد ضربات ما يسمى بالدولة العميقة. ولمن يسأل ماذا أخذتم من هذه الشراكة تأتى الإجابة من أسوار القصر الجمهورى، حيث يتظاهر مواطنون ويعتصمون أمامه ويتسلقون أسواره أحيانا، وأظن أنه شتان بين مرشح كان يتوعد كل من يتظاهر فى ميدان التحرير ضده لو نجح سيكون مصيره المحو والفناء دهسا بالمدرعات العسكرية، وبين مرشح آخر يتسلق الناس أسوار قصره الرئاسى دون أن يتعرض لهم أحد. وغالب الظن أن الرئيس والحزب الذى جاء منه لن ينسوا أن مصر كانت على حافة السقوط فى قاع نظام مبارك مرة أخرى، نتيجة ممارسات تشبه تلك التى تحدث الآن.. ومؤكد أن كل عاقل ينبغى ألا يسمح بعودة كابوس فارق الواحد فى المائة فقط مرة أخرى. المصدر الشروق