* صراع حول هوية البيت الأبيض: هل هو كيان مؤسسى محترف أم بيت عائلى من الهواة؟ * أول نصائح محامى الرئيس: أعد إبنتك وزوجها إلى نيويورك * الرئيس شعر بالضيق من نسب فضل فوزه فى الانتخابات إلى حرفية بانون * شهادة كومى تركت أمريكا أمام رسالة بسيطة: ترامب على الأغلب أخرق وبالتأكيد كذاب
فتحت مشاكل إدارة ترامب القانونية مع وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالية الباب أمام عودة ستيف بانون إلى قلب الإدارة من جديد، بعد تهميش. أو هكذا كان يعتقد ويعتقد مؤيدوه في البيت الأبيض. يقول مايكل وولف في كتابه نار وغضب داخل بيت ترامب الأبيض إن فريق بانون، وبانون شخصياً، كان يردد أنا على ما يرام. أنا بخير. لقد عدت. لقد قلت لترامب لا تفعلها. لا أحد يقيل مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية. لكن العباقرة هنا كان لديهم رأى آخر. والعباقرة طبعاً لم يكونوا غير جارد كوشنر وايفانكا ترامب وفريقهما. وكان بانون كثيراً ما يستخدم وصف العباقرة عند الإشارة إليهما، بدلاً من استخدام تعبيرات أخرى لاذعة أكثر صراحة. فخلال فترة تهميشه، ومن منفاه الداخلي في البيت الأبيض، بات بانون عدائياً بشكل متنام لكوشنر وايفانكا ويصفهما دائماً بأوصاف سيئة. وما كان يقوله سراً، بات يقوله جهراً. وأصبحت انتقاداته مريرة، لكنها أيضا لا تخلو من المزاح اللاذع لفطنة وذكاء وحتى دوافع كوشنر وايفانكا. أنهما يعتقدان أنهما يدافعان عنه (ترامب). لكنهما دائماً يدافعان عن انفسهما. كان بانون يرى نفسه عقل الإدارة، وأذكي من أي شخص أخر. وقليلون حاولوا التنافس معه على اللقب. لكن المشكلة لم تكن شخصية فقط، بل مواجهة بين جناحين حول هوية البيت الأبيض.هل هو بيت أبيض، كما يرى بانون وفريقه، مؤسساتي محترف؟، أم بيت أبيض عائلي من مجموعة من الهواة؟. (يقصد ايفانكا وكوشنر). الآن ومع تفاقم أزمة إقالة جيمس كومي من منصبه أعلن بانون أنهما انتهيا كمركز قوة في البيت الأبيض وإذا لم ينتهيا، فإنهما سيقضيان على الرئيس بنصائحهما السيئة التي لا تخدم إلا مصلحتهما. وكانت كراهية بانون لايفانكا أكثر حتى من كوشنر. هي لم يكن لها اي وجود في الحملة... أصبحت موظفة في البيت الأبيض، وهنا اكتشف الناس فجأة أنها غبية مثل صخرة... لديها بعض الدهاء لتسويق نفسها... لكن فيما يتعلق بالقدرة على فهم كيف يتحرك العالم وما هي السياسات وما مقصدها. لا شيء. وبمجرد أن تكتشف هذا، تفقد المصداقية. أما جارد فلا يفعل غير المهمات العربية.
صراع حياة أو موت كانت العلاقة سيئة لدرجة أنه في مايو 2017 نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريراً كشفت فيه أنه خلال المرحلة الانتقالية قبل تنصيب ترامب، التقى كوشنر والسفير الروسي في واشنطن سيرجي كيسلياك، بمبادرة من كوشنر لبحث امكانية إنشاء قناة اتصال خاصة بين الكرملين والفريق الانتقالي. وكانت قناعة ايفانكا وكوشنر أن بانون هو المصدر الذي سرب هذا الخبر لواشنطن بوست. ليس فقط هذا الخبر، بل كانا مقتنعين أن بانون مصدر الكثير من الأخبار حول اتصالات كوشنر مع الروس. وبالنسبة إلى بانون كانت ايفانكا وكوشنر ملوثين الآن بالحلقة الروسية، ووجودهما خطر على البيت الأبيض. وقد وجه بانون موظفي الإدارة بعدم التواصل مع شخصيات روسية بطريقة غير قانونية. أما هو فكان يتباهى:أنا لم أزر روسيا أبداً. أنا لا أعرف أي شخص من روسيا، ولم أتحدث أبداً مع أي روسي. وأفضل ألا أتحدث مع اي شخص تحدث مع شخص روسي. ويقول وولف:هذا لم يكن مجرد صراع سياسي داخلي. كانت مبارزة موت. لكي يعيش بانون، يجب أن يفقد كوشنر مصداقيته تماماً، يُفضح، يُحقق معه، وربما حتى يسجن. بانون، الذي أكد له الجميع أنه لن يمكنه الفوز أمام أسرة ترامب، بالكاد حاول إخفاء اعتقاده أنه سيتغلب عليهما. وفي المكتب البيضاوي، وأمام والدها، هاجم بانون ايفانكا علناً قائلاً وهو يشير إليها وترامب ينظر: أنت كذابة كبيرة. ويوضح وولف:في الماضي كانت شكاوي ايفانكا إلى والدها تُضعف بانون. الآن رفع ترامب يديه وقال لها: قلت لك هذه مدينة صعبة يا طفلتي. لكن تصورات بانون بأنه عاد بقوة إلى موقع القلب كان مبالغا فيها. فالمشكلة لم تكن فقط ايفانكا وكوشنر. بل ترامب أيضاً الذي بدأ يشعر بالضيق من أن الكثيرين يُرجعون فوزه إلى بانون وشعاراته وبرنامجه الانتخابي الذي ركز على العداء لواشنطن وجذب الطبقات العمالية البيضاء عبر وعود حمائية انعزالية. فكبير الاستراتيجيين في البيت الأبيض كان مركز اهتمام سياسي واعلامي وهذا لم يرق لترامب. ويقول سام نانبيرج، الذي كان يوماً جزءاً من الحلقة الضيقة حول ترامب، إن واحدا من أسوأ الأشياء التي يمكن أن تحدث مع ترامب أن يعتقد أنك نجحت على حسابه. أو إذا كان نجاحك ينظر إليه بأي شكل كخسارة له. لكن الفوضى داخل البيت الأبيض وخروج تحقيقات وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالية حول علاقة حملة ترامب بروسيا عن السيطرة لم يكن لها سبب واحد، بل عدة أسباب. وعلى رأسها العلاقة العاصفة المضطربة بين ترامب وبانون. (مع أن ترامب منذ صدر الكتاب الأسبوع الماضي حاول التقليل من أهمية ودور بانون في حملته ولاحقاً في إدارته بعد فوزه، واصفاً إياه بموظف ضمن الموظفين وليس له علاقة بالنصر التاريخي الذي حققناه والرجل الذي فقد وظيفته وفقد عقله، إلا أن الحقيقة هى أن بانون ربما أكثر شخصية لها تأثير حقيقي على البرنامج الانتخابي الذي فاز به ترامب 2016). فستيف بانون ليس مجرد شخصية عابرة بالنسبة لترامب تعرف عليها بعدما قرر الترشح للرئاسة بحثاً عن معاونين ومساعدين ولكن العلاقة بينهما تعود إلى سنوات قبل ترشح ترامب. ويقول سام نانبيرج،الذي فصله الرئيس لكنه ظل مقرباً من بانون، إنه رتب العديد من المكالمات الهاتفية بين بانون وترامب يعود تاريخها إلى 2013، موضحاً أن الأمر لم يستغرق طويلاً ليصبح الرجلان أشقاء روح أيديولوجيين. وبرغم تحفظات ترامب وعداء ايفانكا وكوشنر، كان بانون متفائلا بأنه عاد لأنه في تلك اللحظة المفصلية، إقالة كومي، أثبت لترامب أن مشورته أفضل بكثير من العباقرة (ايفانكا وكوشنر). فإقالة كومي، التي كان من المفترض، وفقاً لإبنة الرئيس وزوجها، أن تكون حلاً لكل المشاكل، أطلقت العنان لعواقب وخيمة. أما ايفانكا وكوشنر وفريقهما فقد كانوا يعتقدون أن بانون يقوم بإبتزاز الرئيس بسبب أزمة كومي. فقد لاحظا أن وسائل الاعلام اليمينية الأمريكية تسير كيفما سار بانون. وأنه يستغل الأزمة لفرض تصوراته حيال كيف يدار البيت الأبيض ويتصرف الرئيس. وعلى الرغم من أن ترامب لطالما كان هاجسه الأخبار المزيفة في واشنطن بوست ونيويورك تايمز وسي ان ان، إلا أن خوفه من الأخبار المفبركة في وسائل الإعلام اليمينية كان أكبر. فالمنصات الأخبارية اليمينية كانت الجذر الذي تتغذي عليه القواعد الشعبية لترامب. وهو لا يريد روايات وقصصا تشكك فيه أو تنتقده بشكل عام، لكنه لا يريد تلك القصص بشكل خاص في وسائل الإعلام اليمينية.
أعد الأطفال إلى نيويورك وبدأت خطة بانون لإنقاذ ترامب بإنشاء جدار حماية جديد من المحامين والمسئولين الاعلاميين الذين وضعهم حول الرئيس على أثر أزمة كومي. ولما فشل بانون في توكيل محامين كبار للرئيس، لجأ إلى المحامي مارك كاسويتز، الذي عينه ترامب خلال الحملة للتعامل مع قضايا كان يمكن أن تقضي على الحملة من بينها شكاوي النساء اللواتي اتهمن ترامب بالتحرش. وبدأ بانون تطبيق جدار الحماية حول ترامب في 31 مايو 2017. ما يعني أنه من الآن فصاعداً، كل شئ متعلق بروسيا وتحقيقات مولر والكونجرس والقضايا القانونية الشخصية الأخرى، سيعالجها بالكامل فريق كاسويتز. أما ترامب، فإنه بموجب الخطة التي وضعها بانون، لن يعالج أياً من هذه القضايا بنفسه. وذلك في اطار مساعي بانون أن يتصرف ترامب كرئيس. ثم تم تعيين مارك كورالو، أحد مسئولي الاعلام الذي عمل مع كارل روف، (عندما كان روف رئيس طاقم البيت الأبيض في إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن)، في منصب المسئول الإعلامي في جدار الحماية حول ترامب. أما قطعة الشطرنج الأخيرة التي وضعها بانون لإكمال تصوره، فكانت قيام كاسويتز، بوصفه محامي الرئيس، توجيه نصيحة إلى ترامب فحواها: إرسل الأطفال إلى المنزل. أو بعبارة أخرى، أعد كوشنر وايفانكا إلى نيويورك. وبهذا المعنى كان بانون يرى أنه عاد إلى مركز الثقل، ففريقه هو المحيط بالرئيس وجدار الحماية يتبع له.
شكوك متبادلة في البيت الأبيض وجاءت لحظة الحقيقة في توازن القوى داخل البيت الأبيض في 1 يونيو 2017، عندما قرر ترامب انسحاب أمريكا من معاهدة باريس للمناخ بعد نقاش داخلي طويل ومرير داخل الإدارة المنقسمة. ورأى بانون، الذي كان داعماً قوياً لانسحاب أمريكا من الاتفاقية، أن الانسحاب صفعة على وجوه الليبراليين في البيت الأبيض، وكوشنر وايفانكا تحديداً التي ضغطت من أجل عدم الانسحاب. وفي أوج انتصاره باعلان ترامب انسحاب امريكا من اتفاقية المناخ، لم يدخر بانون أياً من التوصيفات اللاذعة لنعت ايفانكا. لكن مع بدء تحقيقات روبرت مولر الرئيس الجديد لمكتب التحقيقات الفيدرالية ،كان المزاج في البيت الأبيض حادا. فكل موظفي الإدارة الذين استقالوا أو تم اقالتهم يمكن أن يكونوا شهودا أو يتعاونوا مع التحقيقات بأدلة. ونفس الشئ ينطبق على اصدقاء الرئيس من المليونيرات والمليارديرات الذين كان ترامب يبوح لهم بكل شئ. ويقول وولف إن كل مسئول في البيت الابيض كان ينظر للمسئول الآخر بوصفه شاهدا محتملا. وحول ترامب غضبه حيال مولر، الذي لا يستطيع فعل أي شئ حياله، إلى غضب نحو النائب العام الأمريكي جيف سيشنز، وأغرقه بالانتقادات المذهلة واليومية بلغت حد التقريع العلني، محملاً أياه مسئولية توسيع التحقيقات. وكانت القشة التي قضت عملياً على علاقة الرئيس مع النائب العام الأمريكي، عندما نأى سيشنز بنفسه عن التدخل في أي تحقيقات بشأن دور روسيا في انتخابات الرئاسة الأمريكية. وقد اضطر سيشنز لذلك بعدما تكتم على اتصالين بروسيا وحنث اليمين أمام الكونجرس بشأن اتصالاته مع الروس. فقد كشفت صحيفة واشنطن بوست انه تحدث مرتين فى2016 مع السفير الروسي في واشنطن سيرجي كيسلياك. وتحت الضغط، اضطر سيشنز للإقرار بأنه التقى السفير الروسي في واشنطن في سبتمبر. وقال في مؤتمر صحفي إنه أجرى مع السفير الروسي لقاءين؛ مناقضاً بذلك ما أدلى به تحت القسم أمام الكونجرس أثناء جلسة تنصيبه في يناير الماضي لكنه نفى أن يكون قد أدلى بأي إفادة كاذبة مؤكداً لم تكن تلك نيتي. ووصف سيشنز اللقاءين بأن أحدهما كان مقتضبا جداً والآخر بوجود أحد العاملين لدي السفير الروسي لدى واشنطن، ولم يتم خلاله التطرق إلى أي من هذه المسائل في إشارة إلى الحملة الانتخابية لترامب. لكن سيشنز كان حليفاً قويا لبانون في البيت الأبيض وهجوم ترامب عليه بهذه الطريقة، جعل البعض يتشكك في أن بانون استعاد كامل سطوته في البيت الابيض كما كان يأمل. وقد حاول بانون تهدئة ترامب وتذكيره أن اطاحة سيشنز ستخلق مشكلة جديدة للإدارة. ولم يكن في ذهن ترامب غير شخصين يمكن أن يشغلا المنصب ويدينان له بالولاء الكامل وهما رودي جولياني وكريس كريستي، القياديان الجمهوريان البارزان في الحزب الجمهوري ومن أوائل من دعموا ترامب في الحزب. لكن الجميع كان يعلم ان تمرير الكونجرس لتعيين أى منهما في منصب النائب العام شبه مستحيل. عدم قدرة ترامب على استبدال سيشنز وفي نفس الوقت امتعاضه من بقائه لم يغادرا ذهن الرئيس، انعكس هذا مجدداً على علاقات ترامب وبانون. ومرة أخرى همش الرئيس كبير مخططيه الاستراتيجيين. وفي كل الحالات كانت تصورات بانون أنه عاد بقوة إلى قلب القرار في البيت الأبيض أوهام أكثر منها حقائق. فهناك فريق قوي ومقرب جداً من الرئيس لا يريده ،وعلى رأس هذا الفريق ابنة ترامب وزوجها ودينا باول، نائبة رئيس مجلس الأمن القومي الأمريكي، وجاري كوهين، المستشار الإقتصادي للرئيس، ومستشار الأمن القومي الجديد وماكماستر الذي جاء محل مايكل فلين. كما أن عودة بانون المفترضة تتناقض مع قواعد بيت ترامب الأبيض. وأول هذه القواعد: الأسرة دائما في المقدمة.
تساؤلات حول قدرات الرئيس كانت جلسة شهادة جيمس كومي أمام لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ تقترب (8 يونيو 2017). وبدأ بين كبار موظفي البيت الأبيض تساؤلات حول الدوافع التي دفعت ترامب لإقالة كومي بعد خمسة أشهر من توليه الرئاسة، وليس في يناير مباشرة بعد تنصيبه. ففي رأيهم، كما يوضح وولف، كانت إقالة كومي ستبدو شيئا طبيعيا في ذلك التوقيت في اطار تغيير الوجوه من إدارة إلى إدارة، وبدون علاقة واضحة مع التحقيقات حول روسيا. وبات سؤال: لماذا لم يتحرك ترامب مبكراً ضد كومي هو السؤال الجوهري؟. فتوقيت الإقالة والملابسات التي تمت فيها خلق أكبر أزمة للبيت الأبيض. هل هي فوضى الادارة؟ هل هي الوتيرة المتسارعة التي سارت بها الأحداث أم أن ترامب تصرف ببراءة وسذاجة فيما يتعلق بالتحقيقات الروسية؟. لكن التفسيرات التي سادت هى أن ترامب أعتقد انه أقوى مما هو فعلاً . كما أعتقد ان موهبته في التلاعب والسيطرة ستتغلب على مشاكله. وهذا جعل كبار المسئولين في البيت الأبيض يرون أن ترامب لديه مشكلة مع الواقع. ويوضح وولف:هذه الشكوك المفاجئة، على أعلى مستوى مسئولي الإدارة، لم تذهب لحد التشكيك في قدرة الرئيس على القيام بوظيفته. لكنهم ولأول مرة وبشكل علني يذهبون إلى حد الحديث عن إيذائه لقدرته على أداء وظيفته كرئيس. وبقدر ما كان هذا مرعباً، إلا أنه على الأقل فتح الطريق لإمكانية تقييد كل عناصر إيذاء الذات إذا ما تمت مراقبتها، وهى معلوماته، واتصالاته، وملاحظاته العامة، وحس الخطر والتهديد لديه. إذا ما تمت مراقبة كل هذا، فإن ترامب يمكن أن يتماسك ويؤدي وظيفته بنجاح. لكن هذه الصورة لرئيس طفل يحتاج إلى مراقبة وضبط كى لا يدمر قدرته على أداء وظيفته أججت الصراعات بين فريقي بانون وكوشنر وايفانكا. فالابنة الأولى وزوجها شاهدا بانون، في رأيهما، يدفع ترامب لنموذج صارم يفقد معه الرئيس مزياه التلقائية الطبيعية وقدرته الفطرية على التواصل وهي المزايا التي اوصلته للبيت الأبيض.
ترامب في مواجهة مؤسسات واشنطن جاء يوم 8 يونيو 2017. وقبل قليل من الساعة العاشرة صباحاً إلى نحو الواحدة ظهراً، أدلي الرئيس السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالية جيمس كومي بشهادته أمام لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ. ويقول وولف في كتابه إن كومي خلال شهادته كان:تجسيداً للوضوح، والموقف الأخلاقي، والشرف الشخصي، مع تفاصيل تدين البيت الأبيض. وهذا ترك البلاد أمام رسالة بسيطة: الرئيس على الأغلب أخرق وبالتأكيد كذاب. ففي عصر وسائل الاعلام الحديثة، قليلون هم الروؤساء الأمريكيون الذين تعرضوا للتحدي والطعن المباشر أمام الكونجرس. هذا ما حدث في شهادة كومي الصارمة. فالرئيس، وفقاً للشهادة، اعتبر رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالية يعمل مباشرة له ويدين له بوظيفته. وبالتالي يريد الرئيس شيئا في المقابل. وفي شهادته قال كومي:اعتقادي، ويمكن أن أكون مخطئاً، ان الرئيس كان يبحث عن شئ مقابل موافقته على بقائي في وظيفتي. ويواصل وولف:في قول كومي، الرئيس أراد من مكتب التحقيقات الفيدرالية عدم ملاحقة فلين (مستشار الأمن القومي الأمريكي المقال). وأراد ان يوقف مكتب التحقيقات الفيدرالية عن متابعة تحقيقاته المتعلقة بروسيا. الموضوع لم يكن ليكون أكثر وضوحاً: فلو كان الرئيس يضغط على مدير ال «إف بي أي» لأنه خائف من أن التحقيقات حول مايكل فلين ستلحق الضرر به، فإنه بذلك يعوق العدالة. (هذه جريمة فيدرالية يمكن أن تؤدي إلى التحقيق مع الرئيس وإقالته. وهي ضمن ما ينظر فيه مولر حالياً). بعد انتهاء جلسة الاستماع، قال ترامب لجميع طاقم البيت الأبيض إنه لم يشاهد الجلسة، لكن الجميع كان يعلم أنه شاهدها سراً. ويوضح وولف:إلى حد ما، كان ترامب يرى الجلسة على هذ النحو: مسابقة بين الرجلين. فكل الفكرة من شهادة كومي، هي أن يدلي برواية تعيد صياغة وتعارض ما قاله الرئيس، عبر تغريداته وبياناته الغاضبة والدفاعية. بل وأن يلقي كومي بظلال من الشك على أفعال ودوافع ترامب، وان نوايا الرئيس كانت إخضاع مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية. وحتى من بين مؤيدي ترامب، الذين أمنوا مثل الرئيس، أن كومي كان شخصا زائفا، فإن الشعور الغالب كان أن الأمر لم يعد لعبة. وأن ترامب بات بلا دفاعات. وغني عن القول أن شهادة كومي أعطت لستيف بانون المزيد من الأسلحة لمحاربة ايفانكا وكوشنر. ويقول وولف أنه بعد جلسة الاستماع قال بانون:هذه المدينة (واشنطن) تدور حول المؤسسات. عندما نقيل مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية، فكأننا نقيل كل مكتب التحقيقات الفيدرالية. ترامب شخص في مواجهة مؤسسات. والمؤسسات تعلم هذا. كيف تعتقدون أن المواجهة سارت؟. (مشيراً إلى جلسة كومي). لكن ترامب خاض كل حملته الانتخابية على أرضية التصدي لمؤسسات النخبة السياسية الفاسدة في واشنطن وتنظيف مستنفع القوة والنفوذ في عاصمة البلاد. فهو خلال الحملة استطاع استغلال غضب مدن الداخل الأمريكي العميق حيال واشنطن، وتمكن كفرد من هزيمة النظام والمؤسسات التي لم تسانده لا خلال الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح عن الحزب الجمهوري، ولا خلال الحملة الانتخابية، ولا بعد الانتخابات. وكان يعتقد أنه كما استطاع جذب الملايين للتصويت له بأجندة معارضة لواشنطن ونخبتها ومؤسساتها خلال الحملة، سيستطيع النجاة من أزمة كومي -مولر اعتماداً على قاعدته الجماهيرية الوفية في مدن الداخل. لكن واشنطن لها قواعد آخرى. [غداً: الحلقة الأخيرة (ثمن المواجهة)]