* ثقل عبء المنصب ومشاعر الاضطهاد المحرك الرئيسى لترامب * رئيس لايقرأ ولايستمع لمستشاريه وعلاقته مضطربة بالصحافة * فى الأيام الأولى لرئاسته طلب ترامب وضع قفل على باب غرفة نومه ودخل فى مواجهة مع الحرس الرئاسى بسبب ذلك * فرض ترامب مجموعة من القواعد الصارمة على رأسها «لا أحد يلمس أى شىء خاصة فرشة الأسنان» * بعد أقل من 10 أسابيع فى البيت الأبيض كان بانون وإيفانكا وكونشير فى صراع على عقل الرئيس لم يصدر أبدا كتاب عن رئيس أمريكى مثل كتاب «نار وغضب. داخل بيت ترامب الأبيض»، من ناحية المحتوى والمعلومات التفصيلية التى بنيت على أكثر من 200 مقابلة مع كبار مستشاريه ومعاونيه ومسئولين فى البيت الأبيض ومن الدائرة المحيطة به. ولا من حيث التوقيت، بعد أقل من سنة على تنصيبه رئيسا. ولا من حيث الصورة المدهشة التى تقدم البيت الأبيض غارقا فى الخلافات الداخلية، الأيديولوجية والشخصية، ورئيسا مستنزفا كلياً فى حروبه مع الاعلام، تحركه مشاعر الاضطهاد، ويؤرقه عدم قدرته على الثقة فى أحد، وثقل عبء المنصب والمسئولية. ولم يكن الكتاب بحاجة إلى دعاية، لكن ترامب، بتغريداته الغاضبة وتهديده باللجوء إلى محاميه لوقف نشر الكتاب، حقق للكتاب وللكاتب، مايكل وولف، ولدار النشر الأمريكية التى اصدرته فى أمريكا «هنرى هولت أند كومباني»، ودار النشر البريطانية «ليتل براون» التى أصدرته فى بريطانيا، حقق أفضل مما كان يمكن لأى دعاية أن تحققه. فالكتاب الذى صدر منذ أقل من أسبوع، بات الأعلى مبيعاً فى العالم. ومحط اهتمام دولى بسبب قرب وولف غير المسبوق من أركان إدارة ترامب ومستشاريه منذ الحملة وخلال الأشهر التسعة الأولى فى البيت الأبيض. ولم يكن قرار نشر الكتاب سهلا. فقوانين التشهير فى بريطانيا صارمة. ويمكن لدار النشر خسارة الملايين كتعويضات فى حالة اللجوء للقضاء كما هدد ترامب، الذى وصف الكتاب ب «بأكاذيب وقصص وهمية». وأكدت متحدثة باسم دار النشر الأمريكية «هنرى هولت أند كومباني» أن «الدار تلقت بالفعل رسالة من محامى ترامب تدعو لوقف نشر الكتاب. لكننا نرى الكتاب مساهمة غير عادية فى النقاش الوطني، وسنمضى قدماً فى نشره». وبينما أثنت المنظمات المدافعة عن حريات التعبير والنشر فى بريطانيا على قرار دار «ليتل براون» المضى قدماً فى نشر الكتاب فى بريطانيا رغم التهديدات القانونية من البيت الأبيض، يقول متحدث باسم «ليتل براون» إن دار النشر لم تجد قرار نشر الكتاب صعباً، ويوضح ل «الأهرام»: «نشر الكتاب فى المصلحة العامة. هذا كتاب غير عادي. انه يروى القصة الداخلية للرئيس الأكثر جدلاً فى التاريخ الأمريكى وذلك عبر عيون وشهادات مسئولى الإدارة وكبار المستشارين. انه يحتوى على ثروة من التفاصيل حول إدارة البيت الابيض فى عهد ترامب ومكتوب ببراعة». وعلى غرار دار النشر الأمريكية التى قدمت موعد طرح الكتاب فى الأسواق من 9 يناير الحالى إلى 4 يناير بسبب ما وصفته ب «الطلب غير المسبوق»، سرعت «ليتل براون» بدورها من طرح الكتاب فى الأسواق البريطانية. وأوضح الناطق باسمها: «نحن نتحرك بالتنسيق مع الناشر الأمريكى وبالتالى قدمنا تاريخ نشر الكتاب». وتتوقع غالبية المكتبات البريطانية أن يكون لديها عدد كاف من النسخ 10يناير الجاري. ويلقى الكتاب الضوء على الديناميكيات داخل الإدارة والتنافس الايديولوجى والشخصى بين أجنحتها. وطريقة العمل داخل البيت الابيض. ورأى ترامب ومستشاريه وأعضاء حكومته فى قضايا العالم، بدءاً من الشرق الأوسط، مروراً بروسيا وأوروبا، وانتهاء بالصين. كما يلقى الضوء على شخصية ترامب وعلاقته شديدة الإضطراب بوسائل الاعلام الأمريكية. ومزاجه وعلاقته بأركان ادارته. ويقول وولف إن الكتاب استند إلى أكثر من 200 مقابلة مع أركان الإدارة بدأت منذ أيام الحملة الانتخابية لترامب وتواصلت بعد فوزه وتنصيبه رئيساً حيث اتيح لمؤلف الكتاب فرصة الوجود فى البيت الأبيض لفترة طويلة، يصفها بقوله «كان لدى مقعد شبه دائم فى الجناح الغربي» فى البيت الأبيض منذ تنصيب ترامب فى يناير 2017. لكن هذا الوجود تقلص ثم انتهى فى يوليو 2017 مع تولى جون كيلى منصب رئيس طاقم البيت الأبيض وإقالة المخطط الاستراتيجى البارز ستيفن بانون من منصبه. وعلى حلقات تنشر «الأهرام» أهم ما جاء فى الكتاب، بدءاً من الأجواء داخل حملة ترامب الانتخابية بعد اعلان فوزه، ومخاوف ترامب فى البيت الأبيض، والصراعات الداخلية بين أجنحة الإدارة، وشبح التحقيقات حول علاقة حملة ترامب بروسيا وتأثيرها على الإدارة والرئيس. وكيف يفكر ترامب فى مساعديه ومستشاريه وأعضاء حكومته وكيف يفكرون هم فيه. ترامب وميلانيا اثناء حفل التنصيب الفوز الصادم يقول وولف إن ترامب أصابه الارتباك والحيرة بعد اعلان فوزه بالرئاسة. ولم يكن ترامب وحده الذى أصيب بالارتباك، بل اسرته وحملته الانتخابية. فالتوقعات داخل الحملة هى أنه سيخسر. وكان البعض يرى أنه لو خسر بفارق ضئيل عن هيلارى كلينتون، فإن هذا بحد ذاته سيعد انتصاراً. ويوضح وولف: أن فريق حملة ترامب كان يتوقع خسارة الانتخابات بإستثناء ستيف بانون الذى كان يتمسك بأن الأرقام ستنقلب إلى صالح ترامب. لكن هذا الرأى لم يكن يجد أذناً مصغية من ترامب نفسه وجارد كوشنير ومديرة حملته الانتخابية كيليان كونواي. وخلال رحلات الحملات الانتخابية كان ترامب يتحدث علناً أحياناً عن أن فريق حملته مجموعة من الخاسرين... وقبل الانتخابات بأسبوع قال لروجرز آيلز (أحد مستشارى حملته) هذا أكثر مما حلمت به. ولا أفكر فى أننا سنخسر لأن هذا لن يكون خسارة، مشيراً إلى ما يسميه «العلامة التجارية» لترامب. وكان أكثر ما جعل ترامب وفريقه يتشككون فى حظوظه الانتخابية، التسجيل الصوتى الذى تسرب قبل الانتخابات بأسابيع ويتباهى فيه ترامب وبيلى بوش، المذيع فى محطة «أن بى سي» بالتحرش بالنساء بتعبيرات فجة. لكن الفوز أذهل ترامب وأسرته وحملته. ويقول وولف: «بعد قليل من الساعة الثامنة مساء ليلة الانتخابات، عندما ظهر أن غير المتوقع فى طريقه للحدوث وأن ترامب قد يفوز فعلاً، قال دونالد ترامب الأبن لصديق له إن أبيه بدا وكأنه رأى شبحاً. أما ميلانيا ترامب فكانت تبكي، ولكن ليس فرحاً». فلم تكن السيدة الأولى متحمسة لفوز ترامب بالرئاسة. بل يروى وولف أنه بعد فضيحة التسجيل الصوتى بين ترامب وبيلى بوش، شعرت ميلانيا بالإهانة البالغة وكانت شديدة الاستياء، لكن العزاء الوحيد لها أنها باتت مقتنعة أنه لا فرصة لترامب فى أن يصبح رئيساً بعد ذلك. لكن حدث غير المتوقع وفاز ترامب. وكان هو أكثر من غيره اندهاشاً وصدمة فى البداية. ويوضح وولف: «فى غضون أكثر قليلاً من ساعة، وبحسب ملاحظة ستيف بانون، ظهر ترامب أولاً حائراً، ثم تحولت حيرته إلى عدم تصديق، ثم إلى ذعر. ثم كان التحول الأخير. أصبح ترامب فجأة رجلاً يعتقد أنه يستحق أن يكون، وقادر على أن يكون رئيساً للولايات المتحدةالأمريكية». كانت الفترة الانتقالية، بين الفوز فى نوفمبر 2016 ودخول البيت الأبيض فى يناير 2017 عصيبة ومليئة بالصعاب، وقد انعكس هذا على مزاج ترامب وميلانيا خلال حفل تنصيبه كما يقول وولف «لم يستمتع ترامب بحفل التنصيب. كان غاضباً أن النجوم الكبار تجاهلوا التنصيب ورفضوا المشاركة فيه بالغناء. كما كان مستاء من الاقامة فى مبنى بلير هاوس فى واشنطن. ويتعارك بشكل ملحوظ مع ميلانيا التى بدت على وشك البكاء. وخلال اليوم كله بدا ترامب الرئيس شبيهاً بترامب عندما يلعب الجولف، غاضبا، مغتاظا، منحنى الكتفين، متأرجح الذراعين، مقطب الحاجبين، ومزموم الشفتين». ورغم أن البيت الأبيض نفى أن ترامب والسيدة الأولى لم يستمتعا بحفل التنصيب وأنهما كانا متحمسين لرحلة الرئاسة، فإن فيديو التنصيب يدعم رواية وولف. فقد كان ترامب متوتراً، ومحاولاته اللاحقة أن حفل التنصيب كان ناجحا وأنه استطاع جذب أكبر عدد من الجمهور فى تاريخ أمريكا، دليل على شعوره بالضيق والاضطهاد نتيجة رفض نجوم هوليود البارزين المشاركة فى الحفل.
جدل حول الأولويات لم تسر الأمور فى البيت الأبيض على نحو سلس منذ البداية. ويقول وولف إن كاتى والش، نائب رئيس طاقم موظفى البيت الأبيض، سألت جارد كوشنير، كبير مستشارى ترامب وزوج ابنته إيفانكا، ما الذى تريد الإدارة تحقيقه فى الأشهر الأولي. لكن وفقا للكتاب لم يعط كوشنير جوابا. (كانت الصراعات داخل الإدارة بين كوشنير وجناحه من ناحية، وستيف بانون وجناحه من ناحية أخرى قد بدأت فى التصاعد). ويسرد وولف فى الكتاب عن والش قولها لكوشنير: «فقط أعطنى الأشياء الثلاثة التى يريد الرئيس التركيز عليها. ما الأولويات الثلاث للبيت الأبيض؟. كان هذا أكثر الأسئلة بساطة. سؤال أى مرشح رئاسى كان سيرد عليه قبل فترة طويلة من دخوله البيت الأبيض فى 1600 شارع بنسلفانيا. لكن بعد 6 أسابيع على بدء ولاية ترامب الرئاسية، كان كوشنير بلا أى اجابات، إذ رد على كاتى والش بقوله: نعم علينا على الأرجح التحاور حول هذا». لكن القضية لم تكن ببساطة ضياع بوصلة الأولويات. فأى رئيس جديد فى البيت الأبيض يحتاج إلى بعض الوقت لتحديد جدول أعماله السياسى وأولوياته. وفى حالة ترامب كان التحدى أصعب. فالمانفستو الانتخابى الذى نجح به، وعلى رأسه بناء الحائط الحدودى مع المكسيك، وإعادة التفاوض على اتفاقيات التجارة الحرة مع شركاء أمريكا، وإلغاء اوباما «كير»، وتخفيض الضرائب، شكلت كلها أولويات بالنسبة له ووضعها فى ترتيب هرمى كان صعباً، خاصة أن تنفيذها كان معقداً. وقد بدأ ترامب بأوباما كير وفشل فشلاً ذريعاً فى تمرير إصلاح نظام الرعاية الصحية الذى يريده فى الكونجرس. وهذا الفشل ألقى بظلاله على كل برنامج ترامب الانتخابي. لكن المشكلة الأكبر لم تكن فى تحديد الأولويات أو صعوبة التحديات، بل الفريق الرئاسى الذى جاء مع ترامب من حملته الانتخابية إلى البيت الأبيض. ويقول وولف: «الكثير من المرشحين الرئاسيين جعلوا من كونهم من خارج واشنطن ولا خبرة لهم بدهاليز عاصمة السياسة الأمريكية فضيلة. لكن فى التطبيق العملي، هذه الإستراتيجية تعطى أفضلية لحكام الولايات (وليس للرؤساء). فكل مرشح رئاسى جاد، مهما يكن يبغض واشنطن، يجب أن يعتمد على النافذين من قلب واشنطن من أجل المشورة والدعم. لكن مع ترامب، لم يكن أى من المحيطين به فى دائرته الضيقة قد عمل من قبل فى السياسة على المستوى القومي. وأقرب مستشاريه لم يعملوا فى السياسة على الاطلاق. كما أن ترامب لم يكن له أى أصدقاء من السياسيين. السياسيان الوحيدان اللذان كانا مقربين منه هما رودى جوليانى وكريس كريستي، لكن كليهما كان غريبا بطريقته الخاصة وانعزاليا. وبالتالى القول إن ترامب لم يكن يعرف أى شيء على الإطلاق حول المحتوى الفكرى للوظيفة ليس مبالغة. ففى بداية الحملة الانتخابية، وفى مشهد جدير باهتمام منتجى السينما، تم تكليف سام نونبيرج (المستشار السابق فى الحملة) لشرح الدستور لترامب. ويقول سام إنه بمجرد أن وصلنا إلى البند الرابع من الدستور، مط ترامب شفتيه، ودارت عينه وسط رأسه».
المعركة على عقل الرئيس يقول وولف إنه «بموازنة المخاطر أمام المكاسب، قررت ايفانكا وجاريد كوشنير قبول وظائف فى البيت الأبيض على عكس نصائح كل معارفهم. كان قرارا مشتركا من الزوجين. وبعبارة ما، وظيفة مشتركة أيضا. فبينهما، عقد جاريد وإيفانكا اتفاقا مفاده: إذا ما ظهرت فى المستقبل فرصة، فإن إيفانكا تريد أن تخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية لتكون أول أمرأة رئيسة. تمنى ايفانكا نفسها، ليست هيلارى كلينتون، بل إيفانكا ترامب. ستيف بانون، الذى صك تعبير (جافانكا) من جاريد وإيفانكا، والذى بات شائع الاستعمال فى البيت الأبيض، ذعر عندما علم بصفقة الزوجين». أخبار الصراع بين بانون وجناحه من جهة، وجاريد كوشنير وإيفانكا وجناحهما من ناحية أخرى لم تكن مثيرة للدهشة. فالنزعة القومية الحمائية وتعبيرات مثل «أمريكا أولاً» التى لطالما دافع عنها بانون بوصفها «روح البرنامج الانتخابى لترامب»، عارضها كوشنير وإيفانكا ضمنا. فقد كان الزوجان ضد انسحاب امريكا من اتفاقيات تجارية مع شركاء أمريكا، وضد الانسحاب من معاهدة باريس للمناخ، ولا يرفضان العولمة وضد النزعة الانعزالية لأمريكا. وبالتالى رأى فيهما بانون نموذجا لكل ما يحاربه فى نخبة واشنطن الليبرالية التى لا تشعر بمتاعب رجل الشارع العادي. وما أثار رعب بانون ليس فقط قرب إيفانكا وكوشنير من ترامب، بل طموحهما الرئاسى أيضا. وفى النهاية ما وضع العلاقات على حد سكين، هو خوف بانون من تأثير ايفانكا وجاريد على عقل الرئيس وبالتالى أجندته. ويوضح وولف: «كما رأى بانون خطراً فى التقارب بين كوشنير وروبرت ميردوخ. وشكى ذات مرة فى جلسة من أن كوشنير كثيراً ما يجتمع مع ميردوخ. وكان بانون يرى خطرا فى آراء ميردوخ الذى يريد دفع ترامب إلى انتهاج سياسات أكثر قبولا لدى النخب فى واشنطن ومؤسسة الحزب الجمهوري. وفى فترة من الفترات طلب بانون مساعدة روجرز آيلز (الرئيس السابق لمحطة فوكس نيوز الإخبارية وأحد معاونى الرئيس) لتشويه ميردوخ لدى ترامب وتصويره على أنه أصابه الخرف».
جروح نفسية غائرة من الإعلام ترك تعامل وسائل الاعلام الرئيسية فى أمريكا ترامب فى حالة من التأهب الدائم للانقضاض على أى وسيلة إعلام مطبوعة أو مرئية تنتقده. كان كل انتقاد مهما يكن بسيطاً يسبب له حالة من الضيق الشديد تلازمه كالهوس إلى أن يتعرض لانتقادات جديدة تنسيه الانتقادات القديمة وتصبح هى مركز الاهتمام. ويقول وولف إن ترامب له روتين غريب فى التعامل مع الانتقادات. فهو يعيد مشاهدة أشرطة الفيديو المسجلة للأخبار والبرامج التى تنتقده، ويسمعها مرارا وتكرارا وفى كل مرة جديدة يسمعها تزداد حالته النفسية سوءا. وبحسب وولف تعامل الإعلام الأمريكى مع ترامب منذ بدايات الحملة الانتخابية تركه مليئا بالجروح النفسية الغائرة غير قادر على الثقة فى أحد، حتى أقرب مستشاريه. فقط أسرته كانت مصدر ثقته ولا عجب أن يجمع حوله فى البيت الأبيض ابنته إيفانكا وزوجها كوشنير، رغم أنه لاحقا لن يكون مسرورا كليا بهذا القرار. وبسبب ذلك الهوس بما يقوله الإعلام عنه، فإن الكثير من محادثات ترامب اليومية فى البيت الأبيض كانت تكراراً لما قاله مذيعو التليفزيونات الأمريكية وضيوفهم عنه. ولم يكن ترامب يغضب فقط عندما يُنتقد، بل كان يغضب عندما يُنتقد المقربون منه أيضاً. ومع ذلك، فإنه كان يلوم طاقمه والمقربين منه أيضا على فشلهم فى تأمين تغطية صحيفة إيجابية للبيت الأبيض.
كل ما هو مطبوع مرفوض وينقل مستشارون ومساعدون فى البيت الأبيض لمايكل وولف صورة لرئيس لا يحب القراءة أو الاستماع إلى مستشاريه أو حضور اجتماعات مجلس الأمن القومى الأمريكى اليومية. إضافة إلى قدرته الضعيفة على التركيز. ويقول وولف فى الكتاب إن مساعدى ترامب اكتشفوا بعد فترة قصيرة فى البيت الأبيض أنه إذا أردت فقدان اهتمام الرئيس قدم له ورقة مكتوبة. فكل ما هو مكتوب، مرفوض بالنسبة إلى ترامب. فهو لا يحب القراءة. وبحسب ما كشف ستيف بانون، مستشاره المقرب الذى أقيل من منصبه بعد توتر بالغ فى العلاقات، فإنه «فوجئ بعد الانضمام إلى حملة ترامب أن المرشح الرئاسى لا جلد له على هضم المعلومات أو استيعابها، خاصة التى تأتيه من طرف ثان. وبعد نيله ترشيح الحزب الجمهورى رسميا، كان ترامب يكره حضور جلسات الإيجاز الاستخباراتى اليومي. أو ربما لم يكن مهتما. فى كل الحالات، كان يظهر نوعاً من الفوبيا كلما طلب منه التركيز على قضية أو مسألة معينة».
خائف فى البيت الأبيض كما لم يرق البيت الأبيض لترامب. وبحسب وولف: «وجد ترامب البيت الأبيض مبنى قديما غير مكتمل الصيانة وتجديداته جزئية. فضلاً عن مشكلة الصراصير والقوارض الشهيرة التى يعانى منها والتى وجدها مزعجة ومخيفة إلى حد ما. كان يهرب إلى غرفة نومه التى ينام فيها بمفرده لأن ميلانيا لديها غرفة أخرى (لأول مرة منذ جون كينيدى وجاكلين كينيدى يكون للرئيس وللسيدة الأولى غرفتان منفصلتان). وفى الأيام الأولى لرئاسته، أمر ترامب بتليفزيونين إضافة إلى التليفزيون الموجود بالفعل. ثم أمر بقفل الباب وهو ما أدى إلى مواجهة قصيرة مع مسئولى الأمن الرئاسى الذين يجب أن يكون لديهم الإمكانية لدخول غرفته فى أى وقت». وإجمالاً وجد ترامب التكيف على البيت الأبيض مسألة صعبة. فقد وبخ موظف نظافة فى البيت الأبيض لرفع قميصه من على الأرض قائلاً:»إذا كان قميصى على الأرض فذلك لأننى أريده أن يكون على الأرض». صدمة البيت الأبيض ليست شيئاً نادراً بالنسبة للرؤساء الأمريكيين. وترامب أكثر من غيره ربما كان محتماً أن يجد النظام القاسى والقواعد الصارمة فى البيت الأبيض مدعاة للحنق والضيق، فهو ملياردير عقارات كان يعيش دوماً وفق قواعده الخاصة. والتكيف على البيت الأبيض كان دوماً عملية شاقة. فالرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون وصف البيت الأبيض ب «جوهرة تاج السجون الامريكية». أما الرئيس هارى ترومان فوصفه ب «السجن الأبيض الكبير». وفى هذا السجن الأبيض الكبير، يقول وولف، إن ترامب كان يطلب العشاء الساعة السادسة والنصف مساء وهو عشاء ثابت يتكون من ساندويتش هامبرجر من ماكدونالدز، والسبب فى ذلك أنه لطالما انتابته الشكوك فى أنه قد يتعرض لمحاولة تسميم. ومن هنا يشترى مساعدوه وجبات الهامبرجر من مطاعم متنوعة لماكدونالدز. فالوجبات معدة سلفا ومن المستحيل تسميمها. كما فرض ترامب مجموعة من القواعد الصارمة على رأسها «لا أحد يلمس أى شيء. وخاصة فرشة الأسنان». مع وجبة العشاء يتوجه ترامب إلى غرفة نومه ويشغل 3 محطات تليفزيونية فى الوقت نفسه ويبدأ المشاهدة. فمع الهامبرجر والتليفزيونات الثلاثة يبدأ الرئيس أمسيته التى تتضمن أيضاً اتصالات تليفونية مع مجموعة صغيرة من الأصدقاء، تستمر لما بين 30 إلى 40 دقيقة، يفضفض فيها ترامب بكل شيء، بما فى ذلك مشاعر الضيق من البيت الأبيض. وعبر الكثير من هذه المحادثات الليلية الطويلة، تسربت أسرار حساسة للصحافة الأمريكية صباح اليوم التالي، بحسب ما يقول وولف. [ غدا: ترامب والشرق الأوسط ]