فى كل عام يأتى عيد ميلاد السيد المسيح حتى يستقبله العالم كله بصور الفرح، وتعم شوارع الغرب والشرق بزينة مفرحة لأشجار الميلاد، وترتفع صور زينات بشكل بابا نويل، وتتعالى فى البيوت والأسواق والشوارع ترانيم الميلاد التى تتغنى بأجراس الميلاد التى حين تدق تعلن عن ميلاد السيد المسيح. ولكن فى كل عام نتذكر هذا المشهد لتكون فرحة الميلاد خارجية وبلا عمق، فلا الأشجار المزينة أعطت الفرح فى الداخل، ولا بابا نويل الذى هو قديس كان يقدم للفقراء فى الخفاء كى ينشر السعادة وسط بيوت المتألمين جعلنا نهتم بالفقراء والمساكين فى عيد الميلاد، وحتى أجراس الميلاد والأغانى والترانيم كانت أصواتا وموسيقى ولم تكن معنى وحياة. فحين ولد السيد المسيح كانت هناك ثلاثة مشاهد مهمة للميلاد لتعلن للعالم عن رسالة المسيح المجيدة. الرسالة الأولى: هى المذود والرعاة: حين ولد السيد المسيح لم يستقبله العالم فى القصور ولا حتى البيوت العادية، بل لم تجد السيدة العذراء مكانا تضع فيه المولود سوى مذود للبقر وسط الحيوانات والمخلوقات الضعيفة. ليعرف العالم أنه جاء ليسند الضعفاء فلقد كان ميلاده رسالة حب لكل العالم، خاصة للفقير الذى يعيش ولا يجد مكاناً أو طعاماً مثل الأغنياء. لقد جاء ليشاركهم حالهم حتى يشعر هؤلاء بأن السيد المسيح بنفسه قد عاش تلك العيشة لذلك فهم ليسوا محتقرين ولا ضعفاء كما يراهم البعض لأن منهم وفيهم عاش السيد المسيح. وقد ظهر الملاك لرعاة يرعون الخراف فى الصحراء وقال لهم: «لقد ولد المسيح». وقد سمعوا تسابيحهم وهم ينشدون نشيد الميلاد «المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة». وكانت هذه الأنشودة هى عنوان الميلاد فالسيد المسيح قد جاء ليعلن السلام والفرح للعالم كله. وقد ظهروا لهؤلاء الرعاة الفقراء حتى يشعروا بالفرح والسلام، فذهبوا إلى حيث المذود لينظروا هذا الميلاد العجيب والمفرح وليشاركوا الملائكة تسبيحهم. ليكونوا هؤلاء فى أيقونة الميلاد، فلم توضع فى هذه الأيقونة ملوك ولا عظماء ولا أغنياء ولكن وضعت حول السيد المسيح هؤلاء الرعاة الفقراء، فهو أراد أن يخبرنا بأن الغنى والفرح فى داخل القلوب البسيطة التى تحب حقيقة بلا تزييف ولا تطلب شيئا سوى المحبة. الرسالة الثانية كانت للمجوس: والمجوسية ديانة ظهرت فى القرن السادس قبل الميلاد وقد انتشرت فى بلاد فارس وهم يهتمون بالنجوم والفلك. وكان حكماء المجوس لهم مكانة كبيرة ومنهم الذين رأوا نجماً غريباً قد ظهر فى السماء، وحسب علومهم الفلكية أدركوا أنه علامة على ميلاد ملك عظيم وأنه سيغير العالم كله. وكان النجم حسب كلام الكتاب المقدس يسير أمامهم إلى أن وقف فوق بيت لحم حيث ولد السيد المسيح. وهؤلاء كانوا فى مراكز كبيرة فذهبوا إلى حيث الطفل يسوع وقدموا له هداياهم، وهذا حتى لا يفهم أحد أن السيد المسيح جاء للفقراء فقط، ولكن جاء لكل الذين أرادوا الاستنارة والذين كانوا يبحثون عن الحب والسلام. فيوجد أغنياء وملوك ورؤساء يحبون السلام وينشرون الحب. فالقيمة فى الإنسان فى داخله لا بالفقر ولا بالغنى ولا بالمراكز ولكن بالقلوب التى تنشد الحب أينما كانت. وهؤلاء المجوس قد سافروا فى طرق وعرة واحتملوا مشقة الطريق حتى يقدموا هداياهم للطفل يسوع ليخبروا العالم بأن الطريق للسلام والحب قد يكون شاقاً وقد يكلفنا الكثير، ولكنهم قدموا هذا لأجل ملك السلام وحتى يشاركوا فى الاحتفال بميلاد الذى علم العالم كله كيف يكون الحب، فهو من علمنا أن نحب حتى أعداءنا، وأن من له ثوبان فليعطى من ليس له، وألا نواجه الشر بالشر بل الشر بالخير، وأن نبارك حتى من يلعن ويشتم، وأن نصلى لأجل المسيئين إلينا. الرسالة الثالثة هى هيرودس: هذا الملك الدموى الذى يمثل الشر فى العالم فبينما الملائكة والرعاة والمجوس عند الطفل يسوع وجاءوا لكى يفرحوا ويعلنوا للعالم كله ميلاد السيد المسيح، كان هيرودس يمثل العالم الشرير الذى يتآمر على قتل السيد المسيح لأن المجوس قالوا له إنه قد ولد فى مملكتك طفل سيكون ملكاً، ولم يكن القصد هو الملك الأرضى بل يقصدوا ملكاً روحياً على القلوب. ولكن ما أن سمع أنه سيكون ملكاً حتى أصدر أمراً بقتل كل أطفال بيت لحم. وهيرودس هو الشر الذى يوجد بجانب الخير، هو الكراهية التى لا تزال فى عالمنا فهو فى حياته قتل الكثير حتى إنه قتل ثلاثة من أولاده وأمر بخنق زوجته وحماه وحماته. وحين مرض وعلم أنه سيموت أمر بأن يوم وفاته يقتل من كل عائلة فى اليهودية كبيرهم حتى تبكى كل العائلات غصباً عنها يوم موته. وهذا الشرير كان ملكاً فى زمن ميلاد السيد المسيح بل هرب من أمامه إلى مصر ليعيش فيها حتى مات هيرودس الذى قال عنه المؤرخون «تسلل إلى العرش كالثعلب، وحكم كنمر، ومات ككلب». ومع هذا كان فى العالم الشر والخير بل الكراهية والحب حتى ندرك أننا فى عالمنا يوجد هذا وتلك، ولا ننزعج حين نرى الشر بل نقدم الخير مهما كان شر المحيط بنا. فى ميلاد السيد المسيح يجب أن نحتفل لا بالأشجار ولا بالزينة الخارجية فقط بل بتقديم الحب والخير للعالم كله، كما قال جبران عن الميلاد: «كان الزمن ليلاً فصار فجراً، وسيصير نهاراً لأن أنفاس الطفل يسوع قد تخللت دقائق الفضاء والأثير. وكانت حياتى حزناً فصارت فرحاً، وستصير غبطة لأن ذراعى الطفل قد ضمتا قلبى وعانقتا نفسى. هذا الحب العظيم الجالس فى المذود المنزوى فى صدرى قد جعل الأحزان فى باطنى مسرة، واليأس مجداً، والوحدة نعيماً». لمزيد من مقالات القمص أنجيلوس جرجس