قرأت رسالة الدكتور أحمد الجيوشى نائب وزير التربية والتعليم لشئون التعليم الفنى فى بريد الأهرام بعنوان «لسان الأم» التى أبدى فيها اعتراضه على أسلوب تعليم الأطفال فى مصر، حيث نبه إلى الخطيئة التى نرتكبها جميعا عندما نلحق شريحة من أطفالنا بمدارس تدرس لهم علومهم بلغة غير لغة لسان أمهم بل ويتخاطبون داخل تلك المدارس بلغة غير لغتهم القومية مما يسبب كارثة للطفل حيث تتصارع داخل عقله لغة يسمعها من أمه والشارع والإعلام، ولغة أخرى يسمعها ويتعلمها فى المدارس، ومن هنا تتشوه تماما قدراته اللغوية ولا يستطيع إتقان لا هذه، ولا تلك، وتعليقا على هذه الرسالة أقول: أننا نحن كبار السن لم نتخرج فى مدارس اللغات حيث لم تكن موجودة فى عهدنا فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، ونرى هذه الأيام أجيالا من أبنائنا وأحفادنا يتقنون اللغات الأجنبية ويتحدثونها بطلاقة بجانب لغتهم العربية.. صحيح قد تتأثر لغتهم العربية كتابة وليس نطقا باللغات الأخري، ونلمس أخطاءهم الكثيرة فى كتابة المراسلات أو الخطابات على «الموبايلات» وعلى الورق فى مجال العمل نحوا وصرفا ولغة، لكن أليس هذا الأمر يشترك فيه أيضا الذين تعلموا فى مدارس الحكومة وليس مدارس اللغات؟ فإذا كان سبب هذه الأخطاء فى مدارس اللغات والمدارس الأجنبية مفهوما ويرجع إلى كثافة وجود ودراسة المواد الدراسية باللغات الأجنبية، وأن اللغة العربية مادة منفصلة بذاتها وليس لها وجود فى بقية المواد، فما هو السبب فى أخطاء الذين يتعلمون فى المدارس الحكومية ويدرسون كل المواد باللغة العربية؟ أيضا فإن تعلم اللغات فى لغة الطفل القومية، لم يمنعه من إتقان لغة أو لغتين مع لغته الأم، وأتفق فى جانب آخر مع الدكتور الجيوشي، وهو ما ذهب إليه من أن العملية التعليمية يجب ألا تستخدم لغة غير لغة «لسان الأم» سواء فى الكتب الدراسية أو لغة التواصل المدرسى فى كل المراحل قبل الجامعة، وأن يكون تدريس اللغات الأجنبية مادة منفصلة بذاتها وإن فعلنا غير ذلك فعلينا أن ننتظر الأسوأ للغتنا العربية التى باتت تعانى بالفعل تراجعا على جميع المستويات، فى إشارة إلى ضرورة الحد من انتشار مدارس اللغات والمدارس الأجنبية التى يتهافت عليها رجال الأعمال كاستثمار نظيف ومربح وخال من الضرائب، ولذلك يفضلونه على الاستثمار فى المصانع والشركات مما يقلل فرص الاستثمار بها، ويؤثر بالسلب فى دفع عجلة التنمية إلى الأمام وحل مشكلة البطالة، فضلا عن أن مثل هذه المدارس تظهر الفوارق الطبقية فى المجتمع، فالتعليم الجيد الراقى من نصيب أبناء الأغنياء، أما أبناء الفقراء، وهم السواد الأعظم، فلهم المدارس الحكومية ذات التعليم المتواضع الذى ينتهى بنا إلى تخريج ارتال من الشباب يحملون شهادات ليست مطلوبة فى سوق العمل مما يؤدى إلى زيادة أعداد العاطلين، وهكذا دواليك كل عام، بالإضافة إلى استثارة بواعث الحقد والحسد والضغينة بين أبناء الوطن الواحد، أما مطالبة نائب الوزير بإجراء حوار قومى مجتمعى فى هذا الشأن لأن قرار التعليم بات أصعب وأخطر كثيرا من أن تتخذه وزارة التربية والتعليم منفردة فأراها غريبة، إذ من الذى سمح ببناء مدارس اللغات والمدارس الأجنبية وانتشارها بهذا الشكل، أليست الحكومة ممثلة فى وزارة التربية والتعليم؟ ثم أى حوار مجتمعى نحتاجه فى وزارة تضم بين جنباتها الخبراء والباحثين والاستشاريين؟ وهل دولة مثل ماليزيا مثلا قامت بإجراء حوار مجتمعى فى شأن التعليم لديها ؟ لقد سئل وزير التعليم بها عن المعجزة التى استخدموها لجعل التعليم لديهم متطورا وراقيا فأجاب فى دهشة بأن الأمر ليس فيه أى معجزة، وكل ما فى الأمر أنهم طوروا مدارسهم فى المبانى والمناهج وطرق التدريس لتضاهى نفس مدارس بريطانيا التى كانت تحتلهم ! محاسب صلاح ترجم