فى تقرير عن التنمية فى العالم لعام 2018 أصدره البنك الدولى بعنوان «التعلم» وتحت عنوان فرعى داخله عن «التعلم البيولوجي» أو علاقة التعلم بالنمو البيولوجى للطفل منذ كان نطفة داخل رحم الأم إلى أن يصبح فتى يافعا، جاءت بعض الحقائق العلمية المدهشة التى تفسر لنا الآن لماذا تسمى اللغات القومية «لسان الأم»، فقد اكتشف العلماء أن القدرة البيولوجية داخل خلايا المخ على تعلم مهارات الكلام واللغة تبدأ عند الطفل وهو داخل رحم أمه قبل مولده بثلاثة شهور، ثم تزداد هذه القدرة الخلقية البيولوجية بمعدل كبير جدا حتى تصل إلى ذروتها وعمر الطفل لم يتجاوز ستة شهور منذ لحظة ميلاده، ثم تأخذ تلك القدرة الطبيعية على تعلم اللغة فى الاضمحلال حتى تصل إلى معدلها الثابت عند بلوغ الطفل خمس سنوات من العمر، وهذا المعدل الثابت لا يزيد على عشرين فى المائة فقط من الحد الأقصى الذى بلغه الطفل وهو فى عمر ستة شهور، فما الذى يعنيه ذلك؟؟.. إنه يعنى أن الطفل تنمو القدرة البيولوجية الطبيعية داخل مخه على تعلم اللغة خلال السنة الأولى من عمره وقبل مولده بثلاثة أشهر، وخلال هذه الفترة لا يستمع غالبا إلا لصوت أمه وهمسها وهو فى بطنها أو على صدرها، ومن هنا يطلق على اللغات القومية التى يتحدث بها أهل أى بلد «متعلميه وغير متعلميه» لغة لسان الأم، لأن لسان الأم وما ينطق به هو أول ما يسمعه الجنين وهو فى بطنها وإلى أن يبلغ عامه الأول، ولذلك وجب التنبه إلى الخطيئة التى نرتكبها جميعا عندما نلحق شريحة من أطفالنا بمدارس تدرس لهم علومهم بلغة غير لغة لسان أمهم، بل ويتخاطبون داخل تلك المدارس بلغة غير لغتهم القومية أو لسان أمهم، لأن ذلك يعنى أمرين فى غاية الخطورة. الأول: إما أن الأم المصرية لا تتحدث لغتها القومية من الأساس، وهى كارثة لأن الطفل فى هذه الحالة تتصارع داخل عقله لغة يسمعها من أمه ومدرسته، ولغة أخرى يسمعها حوله فى الشارع والإعلام، وهى اللغة القومية لبلده. الثانى: أن الأم تتحدث لغتها القومية، بينما المدرسة وأحيانا المربية تتحدث بلغة غير ذلك، وهى كارثة أكبر لأن الطفل قد امتلك القدرة اللغوية البيولوجية للغة لسان أمه من أمه، لكن مدرسته أو مربيته تحدثه بلغة أخري، ومن هنا تتشوه تماما قدراته اللغوية، ولا يستطع إتقان لا هذه ولا تلك، ويظل مخه مشتتا بين لغة لسان أمه ولغة أخرى تزاحمها، ليخرج لنا مسخا لغويا لا يمتلك أى قدرات إبداعية لا فى لغة لسان أمه، ولا فى اللغة التى تزاحمها داخل عقله. ولا يعنى ذلك أبدا أن نمتنع عن إكساب أطفالنا لغات أجنبية، بل على العكس يجب تشجيع ذلك كل الوقت، لكن العملية التعليمية برمتها يجب ألا تستخدم لغة غير لغة لسان الأم، سواء فى الكتب الدراسية أو لغة التواصل المدرسي، فى كل المراحل قبل الجامعية فيما عدا تدريس اللغات الأجنبية ذاتها بطبيعة الحال.وإن فعلنا غير هذا فعلينا أن ننتظر الأسوأ للغتنا العربية التى باتت تعانى بالفعل التراجع على جميع المستويات، وقد يسألنى سائل: لماذا تقول لنا هذا الكلام وأنت مسئول فى وزارة التربية والتعليم؟ والإجابة عندى أن الأمر بات أكبر من المسئول، وأنه يحتاج إلى حوار قومى مجتمعى نتفق فيه على أولوياتنا، لأن قرار التعليم بات أصعب وأخطر كثيرا من أن تتخذه وزارة التربية والتعليم منفردة. د. أحمد الجيوشى نائب وزير التربية والتعليم لشئون التعليم الفنى