مهما قلَّت درجة الفائدة من التغيير فى نظم الحكم الإفريقية فهى أفضل كثيراً من بقاء الحاكم إلى ما لا نهاية حيث تتسع مع طول بقائه دائرة المتسلقين والفاسدين ومنتهزى الفرص فى غياب أجهزة نيابية وقضائية ورقابية قوية ونزيهة مما يُدخل قطاعاً كبيراً من عائد ثروات الوطن فى جيوب قلَّة بينما يعيش الغالبية على الكفاف وينام بعضهم على الطوي.حدث ذلك فى زيمبابوى تحت حكم موجابى قبل الإطاحة به قبل نحو شهرين بعد أكثر من ثلاثة عقود وفى عهد دوسانتوس الذى تخلَّى عن حكم أنجولا بعد مدة مماثلة تقريباً،حتى لو كان الحاكم الجديد من بين أفراد هذا النظام أو ذاك. فرغم أن إيمرسون منانجاجوا رئيس زيمبابوى الجديد كان نائباً لموجابى قبل أن يُقيله ليمهد الطريق لزوجته لخلافته ويدفع الجيش للإطاحة به فإنه ما إن تم تنصيبه رئيساً للحزب الحاكم والدولة حتى بدأ إصلاح بعض ما أفسدته سياساته سياسياً واقتصادياً فتعهد بتعويض المزارعين البيض عن مزارعهم التى انتزعها منهم ووزعها على محاسيبه فتدهور الإنتاج الزراعى بشدة وأصبح البلد يتسول غذاءه،وصدرت أوامر لكل الذين استولوا على مزارع بصورة غير قانونية بتركها فوراً.كما تم تجميد حسابات حلفاء موجابى بالبنوك وتحديد مهلة ثلاثة أشهر للأفراد والشركات التى هرَّبت أموالاً تُقدَّر بمليارى دولار إلى حسابات ببنوك خارجية لإعادتها وكذلك اتخاذ إجراءات للحد من الإنفاق الحكومى وكبح القوانين التى تلزم بألَّا تقل نسبة مساهمة رأس المال المحلى فى المشروعات والشركات عن 51% مع التعهد بمكافحة الفساد لتشجيع الإستثمار الأجنبي.وأكد الرئيس أن حكومته ستبذل أقصى جهدها لإجراء انتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية فى يوليو المقبل، وبرَّأت المحكمة القس مواريرى من تهمة محاولة قلب نظام حكم موجابى بعد أن كان قد حُكم عليه بالسجن 20 عاماً. وفى أنجولا أقال الرئيس الجديد خواو لورينكو رئيسة الهيئة الوطنية للبترول إيزابيلا دوسانتوس ورئيسى المخابرات والبوليس من مناصبهم بعد نحو شهرين من توليه السلطة بالرغم من أن الأولى ابنة الرئيس السابق الذى اختاره بنفسه مرشحاً عن الحزب الحاكم لرئاسة الجمهورية.وقد لاقت القرارات استحساناً واسعاً من المتطلعين للتغيير وتطهير النخبة الحاكمة من الفاسدين والمتسلقين ووصفها البعض بأنها ثورة بعد أن كانوا قد توقعوا أن يسير لورينكو على خطى سلفه ولاعتقاد الكثيرين أن دوسانتوس جامل ابنته أغنى امرأة إفريقية بوضعها على رأس الهيئة المسئولة عن ثانى أكبر إنتاج للبترول فى إفريقيا لتزداد غنى بينما يعيش غالبية الشعب فى فقر وانتزع موافقة البرلمان على مشروع قرار يمنع تغيير المسئولين الآخرين ووزير الدفاع قبل انقضاء ثمانى سنوات على توليهم مناصبهم بهدف الإبقاء على نفوذه داخل الحزب والحيلولة دون أى محاولة لمساءلته أو محاكمته عن أى جرائم قد يكون ارتكبها خلال فترة حكمه الطويلة.وقال آخرون إن قراراته إضعافُ لنفوذ دوسانتوس وعائلته ووصل الأمر إلى حد مطالبة السفير الأنجولى فى تنزانيا بمحاكمته وباستقالته من الحزب الحاكم بدعوى أنه يستغل رئاسته له لمنع المحاكمة. وبالرغم من أن جاكوب زوما رئيس جنوب إفريقيا المحاصَر باتهامات فساد باقِ فى منصبه حتى 2019 فإن خروجه من رئاسة الحزب الحاكم وانتخاب نائبه سيريل رامافوزا رئيساً له ومرشحه المرجَّح لرئاسة الدولة حرَّك المياه الراكدة وأثار ارتياح قطاع رجال الأعمال لدعمه لهم وتعهده بمحاربة الفساد مما رفع قيمة العُملة الوطنية(الراند)وأنعش ثقة المستثمرين الأجانب ويمكن مع خطوات أخرى أن يُقيل الإقتصاد من عثرته.فقد أعلن رامافوزا خططا لإنعاش الاقتصاد ومعالجة عدم المساواة بين المواطنين والحد من الفقر الذى تعانى منه الأغلبية العظمى من الشعب بينما النخبة من الحزب الحاكم تنعم بامتيازات كبيرة فى التعليم والإسكان والعلاج وفرص العمل وغيرها مما دفع ثابو ماكجوبا أسقف الكنيسة الإنجليكانية للمطالبة بتخلى حزب المؤتمر عن السلطة قائلاً إن الجماعات السياسية فشلت فى مساعدة الفقراء وتتعلق بالسلطة لأجل مصالحها وأنصارها فقط.ولو سارت الريح بما تشتهى السفن يتوقع استطلاع للرأى أن يصوت نحو 60% من أنصار حزب التحالف الديمقراطى المعارض لصالح حزب المؤتمر تحت قيادة رامافوزا فى انتخابات 2019،لكن تفشى الفساد والبطء المرجح فى تحسين مستوى معيشة المواطنين وكونه هو نفسه من أكبر أثرياء البلد حيث بلغت ثروته 450 مليون دولار منذ انضم لطبقة رجال الأعمال عام 1997 وصار رمزاً للرأسمالية الإفريقية السمراء وولعه بسيارات السباق والنبيذ المعتَّق قد يدفع قطاعاً من عامة الشعب للانقلاب عليه بعد انتخابه رئيساً للجمهورية،وهو ما يتعين أن يضعه نَصب عينيه على الدوام. أما فى أوغندا فالأمور تسير على العكس من ذلك،فمازال الرئيس يورى موسيفينى (73 سنة) يصر على البقاء فى منصبه إلى ما لا نهاية حيث قام بتعديل الدستور لإلغاء الحد الأقصى لسن مرشح الرئاسة (75 سنة) تمهيداً لترشيح نفسه فترة سادسة عام 2021 رغم الاحتجاجات والاشتباكات داخل البرلمان وخارجه ومخاوف المعارضين من ترسيخ مبدأ الرئاسة مدى الحياة!. لمزيد من مقالات ◀ عطية عيسوى