سقط المطر فابتلت ألواح الخشب. درت فى المنزل أبحث عن لا شيء، اصطدمت قدمى بأشياء كثيرة. كانت أمى منزوية بجانب الحائط، دخلت المطبخ. كأن الظلام يتربص بى..أمسكت علبة الكبريت فتراجع، وأشعلت سيجارتى، فخرج مسرعا. بحثت عن شمعة، لم أجد، أحضرت قليلا من الردة، وأشعلتها. ازداد سقوط المطر، وسال الماء من أخشاب السقف فى موسيقى صاخبة. الماء يسيل على الحائط ويرسم خطوطا متعرجة. نظرت إلى أمى فلم أجدها. تحولت إلى قطعة من ظلام، وأدركت وجودها عندما سعلت. ولم نتحدث، كان الصمت عنوان لحظتنا. ظلام.. صمت.. ومطر ينهمر على السقف بأصوات مقبضة. يتجمع ويدخل منزلنا، فى موجات متصلة، يستولى فى طريقه على صمتنا. تبتل الأرض، والملابس، وأمى. يشيع البلل رائحة الخشب. والعفن يملأ أنفى. وتوقفت أمى عن السعال، والظلام يتمدد، فأبدده بعود ثقاب للحظات. أنزوى بجانب الحائط، المطر لا يتوقف، خيوط الماء تتضخم، تشق لها طريقا حول أخشاب السقف التى تكومت، وضمت أطرفها. الغريب أننى كنت بلا مشاعر، أدور فى المنزل لأزيح الظلام إلى الحوائط التى رسم البلل على سطحها الأبيض أشكالا كثيرة، اللون الأصفر ابتل فكوّن شكل أبى، وهذا أيضا شكل أختى. الخطوط كثيرة والأشكال تتداخل لترسم أناس مروا فى حياتى. غاصت قدمى فى حفرة ماء، الماء يتجمع من الحجرات البعيدة ليسير خلفى. تحركت ببطء إلى الحائط الذى تستند إليه أمى. نفضت قطرات الماء عن رأسى، وسرت بجانبها وحيدا، والماء خلفى، يغرق ما تبقى منى. جمعت أوانى البيت، ووزعتها تحت الماء المتساقط، الأوانى شاركت فى ضجيج المطر، أخذت نفسا من سيجارتى، وجلست، ابتلت الحوائط الطينية فخرجت منها الحشرات النائمة، أفك سرير أمى الخشبى، وألقيه فى النار، الأوانى تمتلئ بالماء، أسرعت بإفراغها فى الشارع الهادئ، ليس هناك إلا صوت المطر. أعيد ترتيب الأوانى، لكنها لا تكفى خيوط الماء. أتحرك ببطئ، الماء يرتفع حتى جاوز البيت. أصبحت تماما تحت الماء، وشيء أسود يمسك بى.