◙ اعتبرت جائزة «نجيب محفوظ» أسعد أسباب دخولها مصر لأول مرة
تزامن فوز الروائية الفلسطينية «حزامة حبايب» بجائزة «نجيب محفوظ» من «الجامعة الأمريكية»بالقاهرة مع الأحداث الساخنة بسبب نقل «السفارة الأمريكية» إلى القدس باعتبارها عاصمة الكيان الصهيوني، بالمخالفة لجميع الحقائق التاريخية، جعله فوزا مظفرا، وضاعف مصداقية الجائزة ولجنتها، وكأن رواية «مُخمل» الفائزة جاءت فى وقتها تماما، لتؤكد فداحة التآمر الدولى لتهويد الأراضى المحتلة، وتكشف أن الوجع الفلسطينى لا يتجسد فى المخيمات فقط، بل يمتد من البيت الأبيض إلى مكامن الصهيونية بأنحاء العالم، ومن بينها عروش البترول المتخاذلة المتنصلة، لكن يظل الإبداع الفلسطينى أداة مقاومة مذهلة، وجراح الحق أمضى من نصال الخيانة. الاديبة الفلسطينية فى حوارها مع المحررة
ما شعورك بعدما ارتبط اسمك باسم نجيب محفوظ، هل كنتِ تتوقعين الجائزة؟ أشعر بعدة معان جميلة لا توصف، أولها أن هذه زيارتى الأولى لمصر التى عشقتها وتربيت على ثقافتها وفنونها المتنوعة، ورأيت تفاصيل القاهرة فى روايات نجيب محفوظ ويوسف إدريس، وأعيش مع صوت أم كلثوم وعبد الوهاب حكايات مختلفة. لقد أُتيحت لى الفرصة أخيراً لأرى مصر بعد أن شكلت ثقافتها المكون الأساسى لي، أدخلها اليوم ظافرة باسم رائد الرواية العربية نجيب محفوظ لأتسلم واحدة من أرفع الجوائز العربية، وهذا أجمل الأسباب. وكنتُ أتمنى الجائزة لكنى لم أتوقعها، ولم أخطط لها؛ وكان طموحى عندما كتبت روايتى «مُخمل»، التى استغرقت أكثر من عامين ونصف العام، أن تكون عملا يحترم القارئ، ويضيف لتجربتى وللسرد الفلسطينى والعربي، ولم أرشح نفسى للجائزة، وهذا أعتبره إنجازا آخر، حيث إن هناك من رشحنى لأنه رَأَى أن روايتى جديرة بالفوز، وظننت أننى ذرفت كل دموعى لحظة علمى بالفوز، لكن دموعا جديدة انهمرت عند تسلمى الجائزة وأنا وسط الكُتاب والإعلاميين الذين أعرف أغلبهم من القراءة، أو مواقع التواصل، وأقف بينهم كأنى بين أهلي. كيف تأثرتِ بإبداع محفوظ؟ نجيب محفوظ درس مهم لجميع الكُتاب فى الإخلاص للكتابة، تعلمت منه الجلد والمثابرة، حيث كرس حياته لفعل الكتابة ليُنتج حياة روائية بحجم الحياة؛ وروحه تخطت الحقبة التى كتب فيها إلى كل الأزمان، والكتابة الحقيقية أن تصبح لدى الكاتب قدرة على تجاوز الزمان والمكان، وتتحول كتابته إلى حالة. وكان له الفضل فى أن أقرر منذ زمن أن أعيش للكتابة وأعيش فيها، وإن انتزعتُ هذا العيش انتزاعاً. الحكى ملاذ آمن للحفاظ على الوطن ووجوده عبر الأجيال، فكيف تشكل مخزونك السردى للدرجة التى جعلتك مُلمة بتفاصيل المخيمات الفلسطينى رغم أنك تعيشين فى الخليج؟ هذه الحكايات لم تُحك لى بقدر مُعايشتى لها، فأنا عشتُ فى قلب محكية كبري؛ رغم أنى ولدتُ وعشتُ فى الكويت، لكن لدى ارتباطا قويا بالمخيمات، وتربيت وسط عائلة عاشت فى المخيمات، أبى كان من الجيل الأول الذى غادر فلسطين وهو طفل صغير ليعيش فى مخيم الزرقاء وهو من أقدم المخيمات فى الأردن، وفى طفولتى كنت أذهب للمخيم مع عائلتى لنقضى ثلاثة أو أربعة أشهر هناك، عشتُ حكاية المخيم وكنتُ جزءا منها بمنطق العائد المرتد لمنظومتها، وهى التى شكلت وعيى وتفكيرى مع نضج السن والتجربة لأكسر القشرة الخارجية فى حياة المخيم، لأصل إلى ما تخفيه هذه القشرة من معاناة وكبت وقهر وفقر. وكان هناك دائماً جسر عاطفى بين البيتين داخل المخيم وخارجه، حتى فى حياتى الأخرى التى لم أمضها داخل المُخيم كانت بمفهوم الارتحال المؤقت الذى قد ينتهى فى أى وقت. هذا يعنى أن الحكى «حتمية سياسية» للفلسطينيين لحماية الحلم والوطن فى وجدان الأجيال؟ أسميه «حتمية إنسانية»؛ وليس بالمعنى المباشر لحماية الوطن، بقدر ما هو الحفاظ على الموروث والبنية الثقافية والعاطفية حتى لا تتهشم، وكل هذا يسهم بشكل كبير فى الحفاظ على منظومة الوطن ككل، فالمعركة الثقافية الحامية للتاريخ لا تقل أهمية عن المعركة النضالية على الساحة. كيف تولدت فكرة الرواية، وتحولت إلى عمل فنى يتمتع بالاشتراطات الفنية؟ الصدفة لعبت دوراً كبيرا فى كتابة «مُخمل»، وكانت أجمل صدفة؛ الفكرة هاجمت حواسى بشكل مباغت، بين الحقيقة والحلم فى بيت عائلتى بالأردن، حيث كنت أمر بحالة نفسية سيئة فى فصل الخريف قبل ثلاث سنوات، وحين سقط المطر فاحت رائحة الطين محملة مفعمة برائحة الأرض العطشي، فى تلك اللحظة ظهرت امرأة وسط المطر، وكلما حاولت انتزاع نفسها من الطين غاصت أكثر، فولدت فى رأسى فكرة وشخوص مُخمل، واستنفرت كل حواسى التى عشتها تلك الليلة، وأعدتُ خلق رائحة الطين بين السطور، وكأن عقلى اختزنها من أجل الرواية. واستيعاب التجربة على الورق استلزم تضافر عدة عوامل؛ أولها الاهتمام بالفكرة التى هيمنت على ذهني، وانضاجها ضمن إطار حكائى سردى يخدم النص، والسماح لشخصياتها بالانطلاق عبر الخيال بلا قيود لخلق فضاء روائى خاص بها. تمكنتِ من تقديم مناخ المخيم العام وآثاره الخاصة على النساء.. فما وجه الشبه بين «مُخمل» ومعاناة نساء المُخيمات فى الواقع؟ الرواية تحكى تاريخا حقيقيا.. حب ومشاعر ولدت وسط بؤس وفقر المخيم، و«مُخمل» رواية المرأة العربية العاشقة للحياة التى تُشكل نسيج حياتها من قماش شديد الخشونة، لكنها تشتاق دائماً لملمس المخُمل الناعم. فالنساء هنا كنعومة المُخمل فى تناقضها مع قسوة حياة المخيم الجافة. المُخمل بالنسبة للشخصية المحورية فى الرواية احواب وباقى شخصيات الرواية هو الحب والأحلام والاحتمالات، هو رمز لهذا الحيز الثمين والمُشتهى الغالى وسط حيز أكبر من البؤس وهو المخُيم. كيف ترين موقع الأدب الفلسطينى على خريطة الإبداع العربي؟ وهل استطاع التعبير عن المعاناة الفلسطينية؟ أتمنى ألا يعبر فقط عن المعاناة الفلسطينية فحسب، بل عن المعاناة الشخصية والذاتية أيضاً؛ فالأدب الفلسطينى ثرى وقدم أسماء مهمة رغم العوائق المختلفة، وأتمنى أن يحظى بانتشار أوسع خلال السنوات المقبلة، فنحن جزء من التجربة العربية الأكبر. وللأسف التجربة الفلسطينية فى الداخل تختلف عن الخارج، فهناك شبه انفصال تام بين التجربتين بسبب الاحتلال، وهناك أقلام مميزة لا تملك فضاء مناسبا يتيح لها الانتشار حتى داخل فلسطين، أتمنى أن تجد هذه الجواهر مكانها على خريطة الأدب العربي، والعالمى أيضاً. منذ رواية «غسان كنفاني» «أم سعد» بات المخيم فضاء روائيا لمعت فيه أسماء عديدة.. فهل ترين عملك امتدادا لهذا الأفق الإبداعي؟ قلمى امتداد للإرث الفلسطينى الكامل؛ فلدينا مشروع كبير ومتنوع يحتاج لمختلف المواهب، وأتمنى أن أكون أضفت إليه، وأستمر فى الإضافة، وأن تشكل تجربتى الروائية إرثا يستند إليه آخرون، ويتأثرون به كما تأثرت بعدد كبير من الأسماء، منها «سميرة عزام» رائدة القصة الفلسطينية التى أثّرت فى ودفعتنى لكتابة القصة القصيرة، كما تأثرت ب «غسان كنفاني» وغيره من الأسماء، فأنا أقرأ لمختلف الأجيال والتجارب حتى غير المكتملة، فكل محاولة تضيف لمخزونى الثقافى والروائي. هل كتاباتك نابعة من الانتماء للقضية والوطن، أم الخوف من تأثيرات البعد عن الوطن؟ نابعة من الانتماءلإنسانيتى فهى تحمينى من نفسي، الكتابة بالنسبة لى شكل من أشكال الوقاية لذاتى ووقاية لهويتى من أشكال التأرجح لتجربتى كإنسان. والمنجز الإبداعى مهم جداً فى الدفاع عن قضيتنا الفلسطينية والعربية، وإثبات للعالم أجمع أننا أصحاب ثقافة «عيش وحياة» وليست «ثقافة موت». هل يمكننا ترقب رواية لك عن الداخل الفلسطينى بقلمك؟ صعب جداً أن أكتب تفاصيل لم أعشها داخل الوطن، لكن عندى مشروع كتاب مؤجل عن حقبة تاريخية فى الداخل الفلسطيني، بعد الاحتفاء برواية «مُخمل» سأتابع عملى الاستقصائى لهذا المشروع بجانب روايتى الجديدة التى قطعت خطواتى الأولى فيها بالفعل، وأتمنى أن آتى مجدداً للقاهرة للاحتفال بها. هل يمكن أن تعطينا فكرة عنها؟ عفوا.. لا أستطيع التحدث عنها الآن، لأن ملامحها لم تكتمل.