أجمع كتاب ومفكرون على وصف البساطة بأنها الفرح الغائب، وجوهر السعادة، فإذا تواجدت زاد التأثير، بأقل الوسائل، لمدة أطول. وأضافوا أنها ذكاء مضاعف، وسر استشعار متعة الأشياء، مؤكدين أن أفضل كلام هو البسيط. فليست القصة أن نملك بيتا أو سيارة، أو عائلة أو وظيفة، بل أن تكون حياتنا ملبية لأهدافنا فيها، وهو ما يتطلب حذف ما لا نحتاج إليه من ماديات، والتركيز على المهم منها فقط، كي نحقق "العيش السعيد"، بأقل عدد من الماديات. لقد أصبح مبدأ البساطة "Minimalism" مفهوما يعيش به ملايين البشر، مكتفيا بأقل من مائة شخص أو شئ، ومتحررا من الشعور بالإرهاق والاكتئاب والخوف والقلق والذنب وزخارف ثقافة الاستهلاك. وهذا المفهوم لا يرى مشكلة، كذلك، في أن نمتلك الأشياء، لكنه ينظر للقيمة التي نمنحها لها، مع منح أولوية للأمور الأكثر أهمية، كالدين والعلاقة مع الله تعالى، والعلاقة مع الآخرين، والهوايات المختلفة. وقد عبَّر عن ذلك الفيلم الوثائقي "الحد الأدنى: Minimalism"، الذي تناول الأشياء الأكثر أهمية ""the Important Things في الحياة، إذ تتم مقابلة أشخاص يرفضون النظرية الأمريكية: "الماديات تجلب السعادة"، مستمتعين بميزات التقليل من الأشياء المادية، ناظرين للمال على أنه ليس الوسيلة الوحيدة للسعادة. وبعيدا عن الفيلم، لم تكن حياة كثيرين ممن التزموا بمبدأ (التبسيط والبساطة) جيدة، إذ عانوا من تعاسة، برغم أحوالهم المادية الممتازة، لكنهم اكتشفوا، في لحظة صدق، أنهم يلهثون خلف سراب، وأن سعيهم المحموم وراء السعادة عن طريق الاقتناء والإنفاق، ليس مجديا، وبالتالي بدأوا في التخلص من الماديات الزائدة عن حاجتهم، عن طريق بيعها أو التبرع بها، بينما لم يبقوا إلا على ما يحتاجون إليه فقط في حياتهم، ليجدوا راحة نفسية كبرى، انعكست على مناحيها كافةً. وللوصول للسعادة ركَّزوا على صحتهم وهواياتهم وعلاقاتهم، وأصبح لديهم عطاء أكبر من مجرد الاستهلاك، استنادا إلى أننا "عندما نتعلم كيف نعطي الأشياء قيمتها الحقيقية نكون قد وضعنا قدمنا على بداية الطريق الصحيح". في هذا الصدد أعلنت جمعية علم النفس الأمريكية "APA" أن هناك عددا من العادات اليومية التي يُمارسها الكثيرون اعتقاداً منهم بأنها تمنحهم الراحة، لكنها تزيد شعورهم بالقلق، ومن أبرزها: عادات النوم السيئة، وإهمال تناول وجبات الطعام، وشرب القهوة بكثرة، والاستسلام لروتين الحياة، وكثرة مُشاهدة الأفلام. والواقع فإن مشكلة اليوم هي المعنى الذي نخصصه للأشياء، إذ نميل إلى إعطائها الكثير منه، ونلهث خلف حلم امتلاك المنزل والسيارة، وتكوين أسرة ممتدة، أو النجاح في المهنة.. إلخ، لكن ذلك قد يتم على حساب صحتنا، وعلاقاتنا، وعواطفنا. فلسفة "الحياة بالحد الأدنى" تسمح بمتابعة حياة يحركها هدف، وتمثل بساطتها أداة لتخليص النفس من حياة زائدة، لصالح ما هو مهم، بهدف الظفر بالسعادة، والحرية. أما الخطوة الأولى لتحقيق أسلوب "حياة الحد الأدنى" فتبدأ بإحداث تغييرات جذرية في عقولنا، مع مراجعة عاداتنا، وتوثيق تجاربنا؛ حتى نتمكن من التعلم من إخفاقاتنا، وتطبيق ما تعلمنا، لقيادة حياة أقل أعباء، وأكثر سعادة. في المقابل، قال خبراء إن البداية الصحيحة لليوم هي التي تجعله أكثر فاعلية، مؤكدين أن هناك عادات تجعل اليوم سعيداً أهمها الاستيقاظ في ساعة مبكرة، إذ يقول المثل الإنجليزي: " "The early bird gets the worm بمعنى أنّ الطيور التي تستيقظ مبكرا هي أول من يجد الطعام المتمثل بالديدان. وقد دعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا". (رواه الترمذي، وحسنه الألباني). وقيل إن: "الشخص الناجح هو من يصنع فُرصاً أكثر من تلك التي يعثر عليها"، كما قيل: "حافظ على كرامتك حتى لو كلفك الأمر أن تصبح صديقا لجدران غرفتك". والأمر هكذا، تذكَّر باستمرار أنّ حياتك تتغير، وأنك ربما لا تجد الوقت الكافي فيها، لإنجاز كل ما خططت له، أو أردتَ فعله، لذا تيقن أنه حتى لو أنجزت أمرا واحدا، فذلك يعني أنًك تقدمت خطوةً نحو هدفك المنشود. وأخيرا، عند النوم فكِّر في يومك الذي انصرم، لدقائق قليلة، مما يصوب لك اليوم التالي. ويُذكر أن التقليدية (التبسيطية أو الحد الأدنى) حركة فنية ازدهرت ستينيات القرن الماضي، وخرجت من تحت المدرسة التجريدية، وتميزت بتقديم أعمال فنية، بأقل قدر من العناصر والألوان، معتمدة على التبسيط، وحذف كثير من التفاصيل. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد;