المرضى: نرفض البدائل التزاما بتحذيرات الأطباء السوق السوداء تطرح العبوة ب 60 جنيها وثمنها الأصلى لا يتعدى ثمانية جنيهات!
فى مشهد يتكرر بين الحين والآخر، نرى طوابير طويلة من البشر أمام إحدى الصيدليات الرئيسية التابعة لوزارة الصحة، فيأتون من كل أنحاء الجمهورية وينتظرون دورهم بالساعات وقد يقضون النهار بأكمله فى الانتظار، بعدما أعيتهم الحيل فى الحصول على عبوة من دواء يوقف آلامهم ويحد من أوجاعهم.. منذ شهور لاحت فى الأفق بوادر نقص عقار « البنسلين» طويل المفعول الذى يكثر استخدامه فى فصل الشتاء، توجهنا لصيدلية الإسعاف بوسط القاهرة حيث كانت البداية بالاستماع إلى الشكاوى من مصدرها.. عن معاناة المواطنين يؤكد الحاج أحمد إبراهيم أزمته مع مرض الروماتويد الذى يتطلب أخذ جرعتين من البنسلين طويل المفعول شهرياً أنه لا يجده فى الصيدليات منذ ما يقرب من 3 أشهرولا يوجد بديل له، مما اضطره للاعتماد على مخزون لديه كان يدخره للسفر، وتلتقط طرف الحديث زوجته الجالسة بجواره والتى قالت إنهما حضرا من الحلمية الجديدة للإسعاف هرباً من جحيم الصيدليات هناك والتى تعرض الحقنة الواحدة ب 60 جنيها فى حين ان ثمنها الأصلى لا يتعدى ثمانية جنيهات ! وعلى نفس الصف كان يجلس مرسى عبد العزيز أحد المرضى ودون أن أسأله قال: أنا واثق ان الموضوع ده يقف وراءه سماسرة وتجار السوق السوداء الجشعون، لأنها ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة ان يتلاعبوا بأدوية المرضى بلا رحمة أو أدنى واعز من ضمير، ويرى ان الحل يكمن فى ضبط صارم للأسواق خاصة سوق الأدوية. على الجانب الآخر كانت تجلس ريم فؤاد التى بادرتنى بأنها مستعدة للمبيت أمام الصيدلية إذا لزم الأمر، لأن البنسلين طويل المفعول يعتبر العلاج الوحيد المناسب والآمن كما أخبرها الطبيب لعلاج ابنتها ذات الثلاثة أعوام لإصابتها باحتقان شديد فى الزور ولم يجد معها علاج آخر. هل تختفى مشهد الطوابير أمام الصيدليات؟! وعلى مقربة منها أخبرنا مصطفى سويلم بأنه مستعد لأن يدفع اضعاف ثمن العبوة ولكن لن يقبل بالبديل، موضحاً ان الأمر يخص علاج والدته وانه لن يجازف بإعطائها بديلا مهما كلفه الأمر. وهنا اقتربت منا سيدة طاعنة فى السن أوجعتنى كلماتها وهى تخبرنى بأنها لم تستطع أخذ الجرعة المقررة لها منذ شهر، على الرغم من تحذير الطبيب لها من خطورة عدم الانتظام فى مواعيد الدواء، وأنهت كلامها بقولها: »ما باليد حيلة«. ومن داخل إحدى الصيدليات أخبرنا الدكتور احمد ماهر( صيدلي) بأنه بالفعل يوجد نقص فى البنسلين طويل المفعول، وأنه منذ الشهر الماضى فقط تم تخفيض الكوتة لهم لعبوة واحدة فقط، موضحا وجهة نظره فى ان المشكلة تخص شركات توزيع الأدوية فى المقام الأول، وان تطبيق نظام الباركود أو التتبع الدوائى هو نظام نموذجى وسينهى الاحتكار او نقص الأدوية فى المستقبل. ذهبنا إلى المعنيين بالملف فى وزارة الصحة ونقابة الصيادلة ومصنعى الدواء لطرح رؤيتهم نحو مسارات وإستراتيجيات واضحة لإنهاء الأزمة، حيث تقول د. رشا زيادة رئيس الإدارة المركزية لشئون الصيدلة بوزارة الصحة والسكان: إن مشكلة نقص البنسلين طويل المفعول خلال الفترة الماضية كان سببها الرئيسى الامتناع عن استيراده وبسبب محاولات التحكم فى الرصيد الموجود منه بإجراءات صارمة، ولكن منذ أمس الأول بدأت الانفراجة الحقيقية فى ضخ البنسلين طويل المفعول، حيث تم إيداع مائة ألف (أمبول) استيراد بدأ توزيعها بمعدل عشرة آلاف أمبول يوميا للشركة المصرية للأدوية، كما سيتم فى 20 ديسمبر الحالى ضخ مليون ومائتى وحدة، بمعدل مائة ألف فايل يوميا على كل صيدليات الجمهورية، فضلا عن ضخ ثمانمائة ألف فايل فى 30 ديسمبر الحالى ليصبح الإجمالى ثلاثة ملايين وثلاثمائة فايل إنتاج محلى من البنسلين طويل المفعول يكفى الطلب المحلى ستة أشهر على الأقل، مشيرة إلى أن الإنتاج من البنسلين سيتم بصورة منتظمة منعا لحدوث أى أزمات. شركات الدواء يقول الدكتور صبرى الطويلة رئيس لجنة تصنيع الدواء بنقابة الصيادلة إن جذور الأزمة تعود للوراء عندما تخلى القائمون على الصناعة عن تحريك الأسعار بصفة منتظمة مما تسبب فى خلق هوة كبيرة بين تكلفة الإنتاج ومدخلاتها وبين سعر بيع المنتج. يوضح الدكتور أحمد زغلول الرئيس التنفيذى لإحدى شركات الأدوية قائلا: لابد أن يجد مصنعو الدواء المحلى البيئة المواتية من خلال وضع إستراتيجية واضحة المعالم فيما يخص صناعة الدواء فى مصر، ويضيف ان موضوع تسعير الدواء يتطلب وضع نقاط توازن تضمن توفير الدواء للمريض بسعر معقول وفى نفس الوقت تقوم الشركات بتحقيق هامش ربح يمكنها من ان تستمر فى السوق، موضحا انه مع ارتفاع سعر الدولار ارتفعت أسعار المواد الخام ومواد التغليف والتعبئة وأجور العاملين وكل مدخلات الصناعة، وهو الأمر الذى تسبب فى زيادة تكلفة المنتج وخسارة أصحاب الشركات. أما الدكتور محمد مبروك، الرئيس التنفيذى لإحدى شركات الأدوية فيرى أن السبب ليس وليد اللحظة وهو إرث من تراكم مشكلات الصناعة الدوائية وعدم تطويرها، مما تسبب فى تفاقمها فى ظل الظروف الاقتصادية غير المواتية، ويرى ان الحل يتمثل فى إعادة هيكلة أسعار الأدوية وإنشاء الهيئة العليا للأدوية بحيث تخضع لإشراف ومتابعة وزارة الصحة دون سيطرة مباشرة عليها، بالإضافة إلى إعادة النظر فى صندوق المثائل الذى به احتكار عند بعض الشركات، ويرى ضرورة استبدال صندوق المثائل أو الشبيه بالأصلي، لأنه يمثل عائقا فى وجه المنتج ويفتح الباب للعديد من الطرق غير السليمة والفساد، ويرى أهمية تغيير فلسفة التسجيل الدوائى بحيث يشتمل صندوق المثائل لأى منتج على 10أدوية محلية بالإضافة إلى دواء واحد أصلى وآخر مستورد.