عقب إعلان ترامب عن نيته في إعلان القدس عاصمة لإسرائيل ، رفضت السفيرة الأمريكية لدى الأممالمتحدة نيكي هيلي ، انتقادات قادة العالم الذين استنكروا قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن القدس ، قائلةً إن واشنطن لديها الصلاحيات لاختيار مواقع سفاراتها. وقالت هيلي، في تصريحات نقلتها صحيفة ذا هيل الأمريكية : "لدينا الحق أن نفعل ما يحلو لنا فيما يتعلق بالمكان الذي نضع فيه سفاراتنا" وسخرت هيلي من المنتقدين ، قائلةً : "لا نحتاج أن تخبرنا بلدان أخرى ما هو الصواب والخطأ" وابدت هيلي إعجابها بموقف ترامب الذي اعتبرته "موقفا شجاعا" ، ينحاز لرغبة الشعب الأمريكي في الوقوف بجانب إسرائيل ، وختمت تصريحاتها بعبارة غريبة للغاية وهى : "والآن يمكن أن نرى بدء تفعيل عملية السلام" !! عن أي سلام تتحدث السفيرة الأمريكية ؟! ولكن ماذا ننتظر بعد احتلال فلسطين كل هذه العقود المتتالية مع التقليص والتحجيم المتتالي لحجم الأرض التي يمتلكها ويسيطر عليها الفلسطينيون ؟! الكل يعلم أن فلسطين محتلة ولكن البعض كان لا يزال لديه أمل في تحرير الأراضي الفلسطينية بالكامل والبعض الآخر كان يكتفي فقط بالأمل في التعايش السلمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين وإقامة دولتين ، على أن تكون القدس عاصمة فلسطين ولكن إسرائيل ترفض منذ عام 1967 الاعتراف بحق الفلسطينيين في القدسالشرقية . كما أنّ ترامب برر قراره إعلان القدس عاصمة لإسرائيل بأنه يطبّق القانون الذي أصدره الكونغرس عام 1995 وينص هذا القانون على أنّ مدينة القدس "يجب أن تبقى موحدة"، و" ينبغي الاعتراف بها عاصمةً لدولة إسرائيل" السؤال الذي يفرض نفسه : ما الأسباب الحقيقية التي دفعت ترامب إلى المضي قدماً في إعلان قراره بخصوص القدس، على الرغم من معارضة كبار مستشاريه في مجلس الأمن القومي؟ في مارس 2016، ألقى ترامب خطاباً أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية - الإسرائيلية (إيباك)، الذراع الطولَى للوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدة ، تعهّد فيه بنقل "السفارة الأميركية إلى العاصمة الأبدية للشعب اليهودي، القدس". وحرص ترامب في خطابه على تأكيد التزام إدارته "القوي بتسهيل التوصل إلى اتفاق دائم للسلام". ولأول مرة منذ وصوله إلى الرئاسة يعلن ترامب دعمه حل الدولتين، غير أنّ دعمه هنا جاء مشروطاً بموافقة الطرفين "بحيث تدعم الولاياتالمتحدة حل الدولتين إذا وافق عليه كلا الطرفين"... وهو ما يعيد المفاوضات إلى مربعها الأول ، فهو يمنح حق الفيتو لإسرائيل التي ترفض الاعتراف بدولة فلسطينية بناءً على قرارات الشرعية الدولية. بحسب تقارير مختلفة ، فإنه بعد ذلك الخطاب انحاز الملياردير اليهودي، شيلدون أديلسون ، مالك الكازينوهات الشهير (الذي أطلق اسمه على حيٍ في القدسالشرقية بعد الاحتلال مباشرةً)، والداعم للجمهوريين، إلى دعم حملة ترامب للرئاسة، وتبرّع بمبلغ عشرين مليون دولار إلى إحدى اللجان السياسية الانتخابية المؤيدة لترامب، ثم تبرع مرةً أخرى بقيمة مليون ونصف المليون دولار لتنظيم مؤتمر الحزب الجمهوري الذي أعلن ترامب رسمياً مرشحاً رئاسياً له. وتشير التقارير كذلك إلى أن الإنجيليين الذين يمثلون نحو 25 في المئة من الشعب الأميركي ، صوّت نحو 80 في المئة من البيض منهم لمصلحة ترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ؛ حيث تمثل قضية نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس إحدى أولويات تلك الكتلة التصويتية، بل إنّ كثيراً من جماعاتهم ضغط على ترامب للتعجيل بقرار نقل السفارة وإعلان القدس عاصمةً لإسرائيل وبالنسبة إلى الإنجيليين، فإن قضية نقل السفارة لا تتعلق بأمر سياسي، بقدر ما هي تحقيق لنبوءة تمهد الطريق لعودة المسيح في الطريق إلى معركة نهاية التاريخ التي يفترض أن تقع في سهل "مجيدو" بحسب اعتقادهم ، على أن يقبل اليهود "المسيح" مخلّصاً لهم بعد أن رفضوه من قبل. في الحقيقة ، ترامب بقراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ، وتوجيهه للخارجية ببدء تحضيرات نقل السفارة ، يكون قد أنهى، عملياً ، سياسةً اتّبعها أسلافه الثلاثة ، على مدى أكثر من عشرين عاماً، بتأجيل قرار النقل إلى أن يتم التوصل إلى تسوية سلمية توافقية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ويكون كذلك قد تم استكمال جهود القضاء على آخر طموحات الفلسطينيين في إنشاء دولة فلسطينية على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة التي احتلت عام 1967، لتكون عاصمتها القدسالشرقية والأسئلة التي تفرض نفسها : لماذا لا يضع ترامب فى حساباته مصالح أمريكا مع العالم العربي رغم الأرصدة العربية التي تتعاظم بصفة مستمرة في البنوك الأمريكية ؟! لماذا لا يضع ترامب في حسابه صفقات السلاح الهائلة التي يشتريها العرب من أمريكا من وقت لآخر ؟! لماذا لا يضع ترامب في حساباته حجم الواردات العربية الضخمة من كافة السلع الاستراتيجية وغير الاستراتيجية الأمريكية ؟! [email protected] لمزيد من مقالات نهى الشرنوبي;