أنا ممن يؤمنون بأن صراعنا مع إسرائيل ليس خلافا على مترى أرض أو حول صياغة بند فى معاهدة، بل صراع وجود وليس صراع حدود، وقد يمتد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. لكنى فى الوقت نفسه مؤمن بأننا لن نتغلب على الصهاينة بالمظاهرات فقط أو بحرق علمهم الملعون أو حتى بمعركة عسكرية، إنما سنتغلب عليهم عندما نكون أقوى منهم .. علميا واقتصاديا وعسكريا وسياسيا واجتماعيا ورياضيا وعقائديا أيضا. وعندما نهتف «خيبر خيبر يا يهود.. جيش محمد سوف يعود»، لابد أن نعلم أن جيش محمد ([) كان يحارب بسيوف صنعها المسلمون بأنفسهم وبدروع لم يحصلوا عليها كمعونة من الفرس أو الروم، وكان يقتحم معاقل اعدائه بخيول عربية أصيلة. لذلك لن يعود جيش محمد ([) إلا عندما تصبح أمة محمد قادرة على أن تزرع غذاءها، وتصنع سلاحها، وتملك جميع مقدراتها بأيديها. جيش محمد ([) سيعود عندما تصبح جامعاتنا على رأس أفضل مائة جامعة فى العالم، وعندما يصبح فى مراكزنا البحثية مليون أحمد زويل، وعندما نجد سعر صرف الجنيه المصرى أعلى من سعر الدولار، ونرى عبارة «صنع فى مصر» محفورة على ملايين الأجهزة والمعدات المنتشرة فى كل بقاع الأرض. جيش محمد ([) سيعود عندما تختفى تأشيرات الدخول بين جميع الدول العربية من المحيط إلى الخليج، ويصبح للعرب جميعا إرادة سياسية واحدة، ونمتلك حق الفيتو فى كل المحافل الدولية. ليس هذا حلما من أحلام اليقظة، بل هدف كبير نستطيع كل فى موقعه المساهمة فى تحقيقه، إذا كنا بحق من أمة محمد ([). الكلمات السابقة كتبتها فى الأهرام بتاريخ 23 أغسطس 2011، وأعتقد أننا بحاجة ملحة إليها اليوم، ونحن ندخل مرحلة جديدة فى الصراع العربى الصهيونى مع قرار الرئيس الامريكى دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهو القرار الذى أعاد الزخم مرة أخرى للقضية الفلسطينية لتتصدر المشهد العربى والعالمي. بعد سنوات طويلة توارى فيها الاهتمام بما كان يسمى قضية العرب المركزية، وسط ضجيج الربيع العربى وتصاعد المعارك مع الجماعات الإرهابية التى ظهر معظمها للوجود تحت ستار مقاومة الاحتلال وتحرير فلسطين، ولكنها تحولت فى الواقع إلى خنجر مسموم فى قلب الوطن. وإذا كان البعض سواء عن عمد أو بجهل يحاول استغلال الموقف لتصفية حسابات سياسية داخلية أو الاكتفاء بتحميل قيادات الدول العربية المسئولية، فإنه من المهم مواجهة الشعوب العربية وخاصة من الشباب بأنها تتحمل المسئولية الأكبر، وأننا فى معركة طويلة المدى سينتصر فيها الأقوي، ليس عسكريا فقط ولكن فى كل المجالات، وأن كل خطوة ناجحة يقوم بها أى مواطن عربى فى حياته تقربنا من تحرير القدس. فالطالب الذى يقطر صوته حماسا فى المظاهرات دفاعا عن الأقصي، ثم يعود إلى منزله مستبشرا أنه قد قام بواجبه من أجل فلسطين، لا يعلم أن لديه بالفعل سلاحا حقيقيا فى المعركة مع اسرائيل هو التفوق العلمي، فهذا الطالب يجب أن يعلم أن اهتمامه بمجاله الدراسى والتفوق فيه هو جزء من الأخذ بأسباب القوة وخطوة على طريق تحرير فلسطين. فليس سرا أن إسرائيل تتفوق علينا فى البحث العلمي، فإسرائيل تحتل المرتبة ال15 على العالم من جهة أبحاثها المنشورة فى العلوم البحتة والتطبيقية، وتحتل الجامعات الإسرائيلية مراكز متقدمة فى أبرز التصنيفات العالمية للجامعات كتصنيف معهد شنغهاى وتصنيف كيو إس وتصنيف ويبوماتركس، وتنفق إسرائيل ما مقداره 4.7% من دخلها القومى على البحث العلمي. وفى عام 1973 توافر لدى إسرائيل 2400 عالم فى مجال العلوم والهندسة التطبيقية وتكنولوجيا المعلومات، وفى أواخر التسعينيات وصل العدد ل 135 ألفا. أى أن هناك عالما لكل 10 آلاف إسرائيلى مقابل عالم لكل 100 ألف عربي، ولدى إسرائيل 200 عالم فى المجالات النووية وهم على اتصال بنحو 600 مركز ومعهد عالمي. وقد نشر الباحثون الإسرائيليون 138881 بحثا محكما فى دوريات علمية، بينما نشرت الدول العربية مجتمعة رقما قريبا من رقم إسرائيل وحدها وهو 140 ألفا؛ إلا أن جودة ونوعية الأبحاث الإسرائيلية أعلى بكثير من الأبحاث العربية. أما بالنسبة لبراءات الاختراع، فهى المؤشر الأكثر تباينا بين العرب وإسرائيل، فقد سجلت إسرائيل ما مقداره 16٫805 ألف براءة اختراع، بينما سجل العرب مجتمعين نحو 836 براءة اختراع فى كل تاريخ حياتهم، وهو يمثل 5% من عدد براءات الاختراع المسجلة فى إسرائيل. فى مجال الثقافة والمعرفة بلغت نسبة إنتاج الكتب فى إسرائيل 100 كتاب لكل مليون نسمة، فى حين بلغت الدول العربية مجتمعة 1.2 كتاب لكل مليون نسمة. ويبلغ إنتاج العالم العربى من المعارف الانسانية 0.0002% من إنتاج العالم بينما تنتج إسرائيل 1.0% من المعارف العالمية؛ أى أن إسرائيل تنتج أبحاثاً ومعارف 5000 مرة أكثر من العالم العربي. الخلاصة، يستطيع كل منا أن يكون جنديا مؤثرا فى معركة تحرير فلسطين فعلا لا قولا، ودون انتظار عودة جيش محمد، إذا تفانى فى عمله وتفوق فيه، وأخذ بأسباب القوة العلمية والعملية والرياضية والثقافية والفنية والعسكرية والعقائدية، ووقتها ستكون كل جيوش العالم تحت سيطرته. كلمات: ويبقى الفقد فقد الموتي، لأن الأحياء يتعوضون. لمزيد من مقالات ◀ فتحى محمود