بعد اعتراف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بالقدسالمحتلة عاصمة لإسرائيل، تعالت أصوات من هنا وهناك، إما «جاهلة» أو «مغيبة»، وعلى الأرجح «موجهة»، لمطالبة مصر بمحاربة إسرائيل والدفاع عن المدينة المقدسة، وإنقاذ الفلسطينيين من نيران الاحتلال، وسط ترديد شعارات تقليدية من عينة «أين الحكام العرب»، وأين الجيوش العربية»، وأين الجيش المصري»؟ ووصل الأمر إلى درجة توجيه اتهامات بالخيانة والعمالة، على طريقة مرض «الإسقاط» الشهير الذى يعرفه علماء الطب النفسى على أنه معاناة مريض نفسى من نقيصة ما، فيبدأ فى اتهام كل من حوله به! نداءات الحرب واتهامات الخيانة خرجت من أبواق إعلامية تصدر فى لندن أو أنقرة أو الدوحة، وعواصم عربية أخري، وعبر منتديات التواصل الاجتماعى التحريضية التى تنفذ بالضبط ما أراده لوبى مخطط لتدمير المنطقة من قرار ترامب بشأن القدس، وخرجت من فوق سلالم نقابة الصحفيين بالقاهرة، ومظاهرات تصدرتها الجماعات الإسلامية المتطرفة فى دول آسيوية ذات أغلبية سكانية مسلمة. ولكن أحدا من المشاركين فى هذه المظاهرات و«التمثيليات» لا يدرك أن مصر وحدها هى التى حاربت إسرائيل، وفى أعوام 1948 و1956 و1967 و1973، سقط لها آلاف الشهداء والمصابين فى حروب حقيقية، لا حروبا بالكلمات، وهى صاحبة الجيش النظامى الوحيد فى المنطقة الذى حقق انتصارا عسكريا على الدولة العبرية فى أكتوبر 73، وهى صاحبة النظام السياسى الوحيد الذى «قهر» تل أبيب دبلوماسيا وقانونيا فى معركة «السلام» لاستعادة سيناء، والأهم من ذلك أنها الدولة العربية والإقليمية الوحيدة التى رفضت التطبيع مع إسرائيل رغم وجود علاقات دبلوماسية معها، بعكس تركيا مثلا التى يسجل خليفة المسلمين فيها رجب طيب أردوغان تبادلات تجارية مع إسرائيلية تقدر بثلاثة مليارات من الدولارات! ليس هذا فحسب، بل إن مصر كانت ولا تزال الدولة الوحيدة التى تحارب حتى يومنا هذا، فهى تخوض حرب الإرهاب «القذرة» بمفردها، وتواجه حربا اقتصادية ودبلوماسية وإعلامية حقوقية أشد «قذارة»من دول ومنظمات كل هدفها تحقيق الهدف الأسمى لإسرائيل وهو إخلاء سيناء لها حتى الضفة الشرقية من النيل، بعد أن قامت داعش صنيعة المخابرات الإسرائيلية والغربية بالمهمة على أكمل وجه فى سوريا والعراق على مر سنوات، ومن باب المصادفة أن يأتى قرار ترامب «القنبلة» بشأن القدس متزامنا مع إعلان وفاة داعش! والدليل على ذلك أن وسائل الإعلام الأجنبية اتفقت بشكل جماعى على إطلاق وصف «متشددين»، على الميليشيات المدعومة أجنبيا التى تقتل العسكريين والمدنيين فى مصر، ويطلق على نظرائهم فى أوروبا وأمريكا وكل دول العالم مسمى «إرهابيين». منفذو هجوم «الروضة» متشددون، لا إرهابيون، هذا ما ذكرته «رويترز» بتاريخ 24 نوفمبر الماضي، وهذا ما ذكرته وكالة «أسوشييتدبرس» اليوم نفسه، وتكرر استخدام المصطلح أكثر من مرة فى تقرير واحد، وهذا أيضا ما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية «بي.بي.سي.» فى تقريرها يوم 24 أيضا عن الحادث نفسه، والمصطلح نفسه استخدمته شبكة «سي.إن.إن» يوم 24، فهل هذه مصادفة؟ وهل هذه حرب أم شيء آخر؟! أردوغان فى تركيا يقول كلاما جميلا عن الإسلام والخلافة والمقاومة، ولكن تركيا – عضو الناتو - لم تحارب، ولا تحارب، ولن تحارب. تميم فى قطر يروج عبر «الجزيرة» لفكرة «أين الجيش المصري»، وقبل أيام فقط اشترى أسلحة وطائرات «رافال» بمليارات الدولارات من فرنسا، وقبلها اشترى أسلحة بمليارات أخرى من الولاياتالمتحدة وبريطانيا وروسيا لشراء ولائهم لبلاده فى أزمتها مع «الرباعى العربي»، ولكن قطر لم تحارب، ولا تحارب، ولن تحارب. إيران التى يبدع فيها «الملالي» بترديد عبارات «الموت لإسرائيل، وتباهى بأن لديها قوة عسكرية هائلة، لم تفكر يوما فى إطلاق صاروخ على إسرائيل، فهى لم تحارب، ولا تحارب، ولن تحارب. باكستان، إندونيسيا، ماليزيا، الجزائر، المغرب، السعودية، هل أعلن أحد منهم الحرب؟ أما مصر، فهى فى خضم الحرب الآن بالفعل، وهذه الحرب بدأت فعليا منذ تاريخ معروف للجميع قبل سبع سنوات، وليست فى حاجة إلى من يوجهها من وراء الشاشات والميكروفونات، ومن لا يقتنع أن مصر «تحارب» الآن، فليسأل نفسه، من المستفيد من إرهاب شمال سيناء؟ ومن يمول هؤلاء الإرهابيين، ومن يخطط لهم، ومن أين يأتى عتادهم، وما هى الدول المحفورة أسماؤهم على أسلحتهم؟ فهل كان قرار ترامب والقدس مجرد قرار سياسى لا قيمة له؟ أم محاولة لإسقاط من لم يسقط ولتدمير من نجا، ولتوريط من لم يتورط؟