الإرهاب شجرة قديمة عتيقة تترعرع حين تجد التربة الملائمة لنموها وازدهارها وتذبل وتخبو حين ينقطع عنها المدد لكنها تعود مرة أخرى حين تجد من يرويها, شجرة الإرهاب أضحت تنمو فى كل بقاع العالم دون استثناء فى شرقه وغربه وسرطان يتغلل فى جسد البشرية. فالموجة الحالية من الإرهاب والتى شهدها العقد الأخير أشد فتكا وشراسة عما سبقها من موجات, فالقاسم المشترك لكل التنظيمات الإرهابية هو القتل وبأكبر عدد من البشر, عبر الأهداف الرخوة وهو استهداف المدنيين العزل وبأسلحة بسيطة, ما بين استخدام الشاحنات لدهس وقتل العشرات أو عملية انتحارية يقوم بها فرد لتوقع المئات أو قتل مدنيين عزل كما حدث فى مسجد الروضة ببئر العبد. كما أن القاسم المشترك فى غالبية ردود الأفعال عقب كل عملية إرهابية أنها تصب فى اتجاه واحد وهو تقليم أوراق الشجرة دون استئصال جذورها لتعود من جديد. تنمو شجرة الإرهاب في تربة تغذيها لعبة المصالح والتوظيف السياسى من جانب دول كبرى استخدمت تلك التنظيمات لخدمة أجنداتها وتحقيقها أهدافها فى تفتيت الدول وتقسيمها, تحت مظلة التغيير والثورات والديمقراطية كما حدث فى سورياوالعراق وليبيا واليمن واستغلت بيئة الاستبداد فيها ليكون البديل هو الخراب والدمار عبر إزكاء الصراع العرقى والطائفى والدينى. فرضية التغيير عبر العنف لا يمكن أن تنجح, فالتغيير السلمى دائما هو الأنجح والأقل تكلفة. وما كان يمكن لشجرة داعش وأخواتها من عشرات التنظيمات الإرهابية أن تنمو وتصعد لولا وجود من يتبناها ويرعاها ويمدها بالذرائع الوهمية تحت فكرة التغيير وتزويدها بالتمويل وأحدث الأسلحة الفتاكة ذات التكلفة المنخفضة فهى لا تحتاج طائرات أو مدرعات أو صواريخ لكى تمارس الإرهاب يكفى سلاح آلى لقتل العشرات فى لحظات. وعندما أصبحت الدول الكبرى, التى دعمت وتغاضت عن هذه التنظيمات, فى مرمى إرهابها انقلبت عليها مما أدى لذبول شجرة داعش فى العراقوسوريا. شجرة الإرهاب يغذيها تطويع الدين لتحقيق أهداف ومآرب سياسية, فهذه التنظيمات تدرك جيدا مكانة الدين والتدين لدى الإنسان العربى, فترفع شعارات إقامة الشريعة وتطبيق أحكامها لتستقطب آلاف الشباب البائس اجتماعيا والمحروم اقتصاديا, وتحولهم لأدوات للقتل والدمار. وقد نزع حادث قتل المصلين الآمنين فى مسجد الروضة بالعريش الغطاء الوهمى عن تلك الجماعات وأكد فرضية أن الدين براء منها, وأنها وظفته لتحقيق مآرب سياسية وخدمة أجندات غربية ووسيلة للاستيلاء على السلطة, بل أن الدين الإسلامى يعيش فى محنة حقيقية بسبب هذه التنظيمات الجهادية, التى شوهت صورته كدين حنيف جاء رحمة للعالمين وساد وانتشر بقيمه السمحة الوسطية, لتجعله فى أعين الكثيرين رمزا للقتل والذبح والإرهاب. شجرة الإرهاب لن تذبل وتموت وتستأصل جذورها إلا فى تربة الديمقراطية والحرية والمواطنة الحقيقية التى تستوعب التعددية الطائفية والدينية واللغوية والعرقية وتحولها لعامل ثراء وتكامل وليس للتطاحن والصراع, وإحلال ثقافة التسامح والتعايش بدلا من ثقافة الكراهية والانتقام. تربة يلعب فيها الدين دوره الصحيح كما أراده الله عز وجل فى نشر الفضيلة والخير وإعمار الأرض والتعايش بين كل البشر باعتبارهم كلهم أولاد أدم وإخوة فى الإنسانية, كذلك فك إشكاليات التعارض بين الدين والعلم وتأكيد التكامل بينهما. تربة تكون فيها الدولة الوطنية ومؤسساتها الأمنية والاقتصادية والإدارية قوية, ويسود فيها الانتماء الوطنى الجامع لكل الأطياف وتتراجع فيها الانتماءات الفرعية الدينية والجهوية والعرقية. شجرة الإرهاب لن تذبل إلا بتسوية حقيقية سلمية للمشكلات والصراعات فى المنطقة خاصة فى سوريا وليبيا واليمن والعراق وترتكز على حلول سياسية شاملة تستوعب الجميع وعدالة انتقالية تحاسب كل من تلوثت أيديهم بالدماء, ومصالحة وطنية تعيد اللحمة مرة أخرى إلى النسيج المجتمعى, ووقف كل أشكال التدخلات الخارجية التى أزكت نار الصراع والاستقطاب فيها وأن تنفض الدول الكبرى والإقليمية كإيران وغيرها يدها عن التدخل فى شئون الدول العربية. شجرة الإرهاب لن تذبل إلا بتوافر النوايا المخلصة من جانب الدول الكبرى برفع يدها عن رعاية التنظيمات الإرهابية, أن يكون هناك تعاون مخلص وجاد بين كل الدول ورغبة صادقة فى القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه ومصادر تمويله وعدم احتضان عناصره. شجرة الإرهاب لن تذبل إلا بتنمية حقيقية وعدالة اقتصادية لملايين الشباب الباحث عن العيش الكريم حتى لا تتلقفه التنظيمات الإرهابية بوعود براقة وزائفة. شجرة الإرهاب لن تذبل إلا بمواجهة شاملة عسكرية وفكرية واقتصادية وثقافية, وتطوير آليات المواجهة الأمنية لتعتمد أكثر على الجانب الاستخباراتى والمعلوماتى ومعرفة هذه العناصر وتكوينها وشبكاتها العنكبوتية ومصادر تمويلها وتوجيه الضربات الاستباقية الحازمة لها قبل أن تقوم بعملياتها, وأهمية المواجهة المجتمعية بعد أن أصبح المجتمع كله هدفا لها. مهما توحشت شجرة الإرهاب فإن مصيرها لزوال ولن ينجح بضع عشرات الآلاف من الإرهابيين فى الانتصار على الدولة ولا على مليارات البشر المسالمين الذين يبتغون الحياة فى مواجهة ثقافة الموت والخراب, لكن هذا لن يتحقق إلا باستئصال الشجرة من جذورها وليس مجرد تقليم أوراقها. لمزيد من مقالات د.أحمد سيد أحمد