فى تسعينيات القرن الماضى تعرفنا على أولى الاحصائيات التى تتحدث عن نسبة الأسر التى تعيلها النساء المصريات اقتصاديا، منفردات. حينذاك كانت النسبة 18% من مجمل عدد الأسر. وعندما استند المجلس القومى إلى هذه النسبة فى مطالبته بضرورة احتضان الدولة لسياسة تمكين المرأة اقتصاديا ودمجها فى مشاريع التنمية أو النمو الاقتصادي، لم يتناول الجميع هذا المطلب على محمل الجد. كما اعتبر الكثيرون أن المجلس يبالغ فى الموضوع حتى يثبت أن المجتمع يعانى تخلف نظرته إلى مجمل قضايا النساء المصريات. ثم ارتفعت النسبة من 18% إلى 20% ثم إلى 22% وبدأ المجتمع يتابع حالة اجتماعية تتحول إلى ظاهرة اجتماعية تنمو مع الوقت ولها آثارها على الأبناء. وهنا لابد من توضيح أننا كنساء عاملات لا نرفض مساهمة المرأة فى الإنفاق على أسرتها. وإلا فلماذا نتعلم ولماذا نعمل؟ وإنما نتحدث عن تحمل المرأة مسئوليات الأسرة الاقتصادية منفردة، ونحن نعلم أن نسب الأمية والفقر والبطالة ترتفع فى صفوف النساء عن مثيلتها فى صفوف الذكور، بما يؤثر على قدرتها، منفردة، على الاستجابة لاحتياجات أسرتها. والآن يخرج إلينا اللواء أبو بكر الجندى رئيس الجهاز المركزى للتعبئة والاحصاء مشيرا إلى أن الإحصاء العام لعام 2016 يوضح أن نسبة الأسر التى تعيلها النساء المصريات منفردات ارتفع إلى 30%. إذن نحن لسنا امام مجرد ظاهرة اجتماعية فحسب وإنما أمام ظاهرة اجتماعية تنمو وتزداد خطورة، تستحق منا الدراسة والتحليل والعمل الجاد. وعندما نقول جميعا، فنحن نعنى الدولة بكل مجالات عملها ومعها المجلس القومى للمرأة والمجتمع المدني. ولكن لابد للدولة إن تقود العمل لأنها المسئولة عن العمليتين التعليمية والصحية وعن توفير المناخ المولد لفرص العمل للرجال كما للنساء. وفى هذا الشأن أود أن أسجل مجموعة من الملاحظات أراها مهمة: أولاها أننا أمام نسبة مجملة تشير إلى أن 30% من الأسر المصرية تعيلها نساء دون أن توضح حقائق علاقة هؤلاء الإناث بهذه الأسر. فالذى يخطر على البال فور سماع النسبة هو أن هذه الأسر تعولها الأمهات. أما الحالات العامة التى نرصدها أحيانا، أو عادة، ان النساء المعيلات لهذه النسبة من الأسر لا يكن الأمهات, إنما تتنوع القرابة بحيث يمكن أن تكون الأخت الكبرى أو الوسطى أو حتى الصغرى أو الأخت التى حصلت على قدر من التعليم وانخرطت فى نشاط اقتصادى قد يكون فى القطاع غير الرسمى أو حتى فى القطاع الرسمى، ولكنها باتت مسئولة عن اسرتها جزئيا أو كليا. وفى احيان تكون المرأة المعيلة الجدة سواء للأب او للأم. كما اننا نرصد احيانا أن المرأة المعيلة لأسرة قد تكون أرملة تحصل على معاش عن زوجها بمشاركة مع أبنائه. فى هذه الحالة نحن أمام حالة من الإعالة الجزئية ليست فى قسوة الإعالة الكاملة.. وفى أسر كثيرة تكون فيها الابنة هى العائل المكمل لأسرتها بسبب عجز والدها عن مواجهة احتياجات الأسرة بسبب انخفاض قيمة معاشه أو دخله فى وقت تكون فيه الأسرة كبيرة العدد. وبسبب تراجع الثقافة العامة المحيطة بوضع المرأة وخاصة فى المناطق الزراعية والعشوائية فإننا نأخذ هذه البيانات الصادرة من الجهاز ببعض الحيطة والحذر. ففى فترة كان المجلس القومى للمرأة ينفذ مشروع القروض الصغيرة للريفيات وتحديدا للعائلات لأسرهن بسبب غياب الزوج أو عجزه عن العمل، وفى حالات كثيرة كان القرض يصرف للمرأة ويستمر باسمها، ولكن فى العلن يقفز الابن ليقول أنه صاحب المشروع لا لسبب الا لأنه يخجل أن يقال ان أمه هى التى تنفق عليه.. وكان اعضاء المجلس يتغاضون عن هذه التصرفات لمجرد رغبتهم لتسهيل الأمور وعدم تعطيل المشروع، وطالما كانت القروض تؤدى غرضها الاقتصادى وتسدد فى مواعيدها. الملاحظة الثانية أن البيانات قدمت لنا النسبة ولكنها لم تمس الحالة التعليمية ومصدر ارتزاق المرأة. فلاشك ان المرأة المتعلمة العاملة فى القطاع الحكومى غير المتهرب من النظام التأميني، أو تلك التى تمتلك مشروعها الخاص تصبح أكثر حظا من تلك المرأة المعيلة الأمية التى لا تملك من حرفة الا العمل فى المنازل أو فى الاتجار فى الحاجيات الصغيرة كأن تمتلك «فرشة» لبيع بعض الخضراوت أو الحلويات المغلفة للأطفال. فالمرأة الأولى المتعلمة التى تملك عملا ثابتا تستطيع مواجهة صدمات الحياة اكثر من المرأة الثانية. ومن هنا يصبح توضيح الحالات بالإحصاء مهما حتى تتمكن الدولة ومعها المجتمع المدنى من التوجه الى المجموعات الاكثر احتياجا من النساء العائلات لأسرهن. والملاحظة الثالثة هى أن هذه النسبة وتلك الإحصائيات لم تذكر لنا كم الأفراد الذين تعولهم المرأة ودرجة قرابتهم لها. فالتعرف على هذه التفاصيل يقدم لنا الصورة الحقيقية والواقعية لعلاقة النساء بالواقع الاجتماعى للمجتمع سواء كان الواقع العائلى أو الاقتصادى العام. حقيقة الأمر لا يقع كل عبء الكشف عن هذه الحقائق على الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء بمفرده. فالحصول على قاعدة بيانات كاملة عن علاقة النساء بإعالة أسرهن سواء كانت جزئية او كلية تحتاج الى تكاتف عدة أجهزة يأتى ضمنها الجهاز المركزى للتعبئة والاحصاء والمجلس القومى للمرأة ووزارة التضامن الاجتماعى التى تمتلك القدرة على تحريك منظمات تنمية المجتمع بجانب منظمات المجتمع المدنى العاملة فى نشاطى التنمية والمرأة. ذلك لأن الحصول على مثل قاعدة البيانات هذه يحتاج إلى التعامل مع تقاليد وعادات لا تزال تعتبر مجرد الإعلان عن إعالة الانثى للرجال عيبا أو عارا يصعب الاعتراف به. بجانب احتياجها الى بعض الوقت الممتد. ولكنها تستمر مهمة للمجتمع والمرأة والأسرة والابناء. وهى أننا فى أشد الاحتياج لعمل هذه الدراسة الشاملة لواقع هذه الاسر تشمل كل ما يمكن ان يقودنا الى الطريق والاسلوب الأمثل لوقوف المجتمع معها بحيث نضمن المستقبل الآمن لأولادها. لمزيد من مقالات أمينة شفيق;