"قد مات جمال وليس بعجيب أن يموت، فالناس كلهم يموتون، لكن العجيب وهو ميت أن يعيش معنا، وقليل من الأحياء يعيشون وخير الموت ألا يغيب المفقود وشر الحياة الموت فى مقبرة الوجود". بهذه الكلمات كان رثاء الشيخ الراحل محمد متولى الشعراوى للرئيس عبد الناصر عقب وفاته الذى أضاف اليها " للزعامات في دنيا الناس تجليات فليس الزعيم الذي يعمل لك بنفسه طوال عمره إلى نهاية أجله، لكن الزعيم الذى يعلمك أن تعمل بنفسك لنفسك طوال عمرك إلى نهاية أجلك، وعلى مقدار تسلسل الخير فيه يكون خلود عمره". ذكرى هذه الكلمات تأتى لنا بمناسبة،هذا الهجوم الذى شنته الكاتبة فريدة الشوباشى ضد الشيخ الشعراوى،واعتبرته أن سجدته لله بعد نكسة يونيو جاءت شكراً لهزيمة مصر للحرب وبالتالى بنصر اسرائيل، وأن هذا من باب النكاية فى عبد الناصر،لأن الشيخ كان يعتبره شيوعياً ! نحن لسنا من هواة المبالغة فى تقديس الرموز والزعماء، أو اعتبار مايفعلونه وكأنه كتابا مقدساً لايجب الاقتراب منه أونقده ونؤمن أكثر أنه من حق كل كاتب أن يعبر عن رأيه فى هذا الرمز أو الزعيم ولكن فى إطار من الحرية المسئولة . من هنا إن كانت السيدة فريدة الشوباشى من حقها أن تنتقد سلوكاً رأته غير وطنى فى ظرف تاريخى وسياسى صدر عن الشيخ الشعراوى فإنها وبإعتبارها كاتبة صحفية ومحللة كان عليها أولاً أن تُفعل موضوعيتها الصحفية إن كانت صادقة النية فى طرحها . ولو فعلت هذا لكانت قد عادت حتى لتصريحات الشعراوى نفسه حول الواقعة وفسرها بأن "سجدة الشكر والعرفان لله العلى القدير لا تأتى فى أوقات المنن فقط، بل هى مندوبة فى المنن والمحن وفى السراء والضراء" . وأن" الشكر فى اليسر والمنن شكر لله على نعمه التى لا تعد ولا تحصى،أما الشكر فى العسر والمحن فإنها شكر للمنعم ثقة فى حكمه وإيمانا منا لعدله فى قضائه وقدره ". كان هذا هو تفسير الشيخ الشعرواى لما قام به، فكيف إذن تأكدت الشوباشى من النية التى أكدتها بأنه كان سعيداً بهزيمة مصر ؟! ان عدم إطلاع الشوباشى لما صرح به الشعراوى يُحسب عليها ، أما إن كانت تعرف وتتجاهل هذا فهذا يُحسب عليها أكثر ،خاصة عندما تضع الشعراوى فى مقام واحد مع ياسر برهامى وتعتبره معه أداة لتفتيت الوطن العربى ! فى رأينا ان رأى الشوباشى فى الشعراوى، له صلة برؤيتها أنه لم يكن مُحباً للرئيس عبد الناصر،رغم ماقاله الرجل فى رثائه و نتذكرأيضاً زيارته لضريح ناصر عام 1995 ووقف يدعو له بعد رؤيا له فى المنام قال عنها" لقد أتانى عبد الناصر في المنام ومعه صبي صغير وفتاة صغيرة والصبى ممسكاً بمسطرة هندسية كبيرة والبنت تمسك سماعة طبيب ويقول لي ألم يكن لدى حق أيها الشيخ، فقلت له بلى يا عبدالناصر أصبت أنت وأخطأت أنا". وكان هذا رداً على سوء تفاهم حدث بسبب إدخال الزعيم عبد الناصر الطب والهندسة في علوم جامعة الأزهر وهو ما اعترض عليه الشيخ الشعراوي بشدة حيث كان يرى أن الأزهر للعلوم الدينية فقط وكان يرى عبد الناصر أن الأزهر يجب أن يكون فيه الطبيب المسلم والمهندس المسلم بجانب العلوم الدينية. ان التاريخ لم يجد موقفاً للشيخ الشعراوى يقول فيه أنه كان شخصية غير وطنية بل هوصاحب المقولة الشهيرة "مصر التى صدّرت علم الإسلام للدنيا كلها، صدرته حتى إلى البلد الذى نزل فيه الإسلام، وستظل مصر دائما رغم أنف كل حاقد أو حاسد أو مستغل أو مستَغلٍ مدفوع من خصوم الإسلام". نعم نحن مع فريدة الشوباشى فى أن انتقادها لأى شيخ يجب ألا يعتبره أحداً هجوماً على الاسلام ،لأن الإسلام أجل وأكبر من الأشخاص مهما عظم قدرهم ، لكن الأهم أيضاً أن نبقى حريصين عندما نتحدث عنهم وعن غيرهم من الأشخاص أن نكون موضوعيين بمعلومات دقيقة لاتشوه إنساناً أمام الآخرين، خاصة إذا كان الأمر مرتبط برموز نحترمها . نتمنى والبعض يرانا قادة للرأى أن يكون الحديث عن الأشخاص فى إطار من الموضوعية،وبمعلومات دقيقة، وباسلوب راق بعيداً عن الإساءة الشخصية لأرواح ذهبت عند ربها، ونحن فى إنتظار الذهاب إليها بمن فيها صاحب الرأى !! لمزيد من مقالات حسين الزناتى;