«أدهم» سبع سنوات ..»عمرو« خمس سنوات.. «أحمد» أربع سنوات.. ثلاث جثث راقدة علي الفراش بجوار أمهم التي لفظت أنفاسها في مستشفي المنيا الجامعي أمس، والثلاثة كانوا يغطون في نوم عميق في غرفتهم عندما انهال عليهم أبوهم ببلطة وهو يهذي بعد أن تملكته رغبة محمومة جعلته كالوحش الهائج الذي لا تروي عطشه إلا الدماء ولا يشبع بطنه غلا اللحم البريء. ومازال الأطفال يدفعون حياتهم ثمنا مريرا لشهوة الدم المجنونة التي تصيب بعض الذين انتزعت الرحمة من قلوبهم مع كل ما يمت إلي الإنسانية بصلة، ففي الأسبوع الماضي، كشفت مباحث سوهاج عن جرائم قتل 4 أطفال قدمتهم زوجة ضحايا على مذابح الشيطان لأنها عجزت عن انجاب طفل ذكر لزوجها، والآن في المنيا زهقت أرواح 3 أطفال أشقاء أكبرهم في السابعة من العمر وهم في فراشهم، كانت نهايتهم المفجعة تحت ضربات مجنونة من أب مدمن، قام فجأة مذعورا لينهال عليهم وعلي أمهم ببلطة مزقت أجسادهم البريئة. هذا هو حادث المنيا وقع في قرية «ريدة» في بيت لا يميزه عن باقي بيوت القرية شيء سوي أن فيه مدمناً، فالأب القاتل يعيش في الدور الثاني من منزل الأسرة وكان منذ عدة سنوات مثارا للمتاعب لكل من حوله منذ أن عرف طريق المخدرات حتي أدمن التعاطي الذي انفق عليه حصيلة ما جناه من عمله كسائق في ليبيا وفشلت كل محاولات علاجه وكانت آخر محاولة من أهله أن ألحقوه بمصحة لعلاج الإدمان لكنه هرب منها وعاد كما كان ليثير المشكلات علي اخيه وأمه اللذين يسكنان الدور الأرضي من المنزل نفسه الذي سكن هو دوره الثاني مع زوجته وأولاده. «جريمة في الانتظار» 6 مرات يتم ضبط ذلك الشاب المدعو خالد فاروق في قضايا تعاطي مخدرات، لم يأبه لشقاء والده الذي صبر عليه طوال ما مضي من سنين ولم يبخل عليه بالمساعدة ليزوجه من واحدة من أفضل بنات العائلة والقرية وأسكنه كعادة أهل القري فوق منزله بجوار شقيقه وكان خالد يذهب للعمل كسائق في ليبيا ويترك زوجته وأطفاله الثلاثة تحت رعاية أبيه. وخالد كأي شاب مدمن مستهتر كان قد فشل في تعليمه الثانوي التجاري حتي إنه انقطع عن المدرسة نهائيا في نصف سنوات الدراسة الثلاث، فلم ييأس منه أبوه، بل تكفل ببناء شقة له في الدور الثاني بمنزل الأسرة ليتزوج قبل 8 سنوات من شيماء وينجب كلا من آدم وعمرو وأحمد تباعا ولكنه لم يهتم لا بحياة الأسرة ولا تحمل مسئولية إنجابه أطفالا، واستمر في غيه بتعاطي المخدرات، وكانت المخدرات هي خاتمة المطاف والذي كان قد أدمنه في اثناء عمله في ليبيا. وفيما يبدو أن خالد البالغ الآن من العمر «33 سنة» قد استمرأ حياة الاستهتار لم يعرف شيئا عما يدعي بالمسئولة، فقد كان أبوه الذي يملك محل بالقرية نفسها، هو الذي ينفق علي الأسرة فكان خالد يغيب عن المنزل كثيرا وحدث أن تم ضبطه في 6 قضايا تعاطي مخدرات جلب بها المتاعب والعار لأسرته، مما اضطر شقيقه إلي أن يلحقه بمصحة للعلاج من الإدمان. لكن خالد لم يكمل ستة أشهر، حتي هرب من المصحة وعاد إلي منزل الأسرة، فلم يجد أبوه سوي الاستسلام لأمره فتركه يعيش عاطلا لا يجلب لهم سوي الفضائح، فقد شاع خبره بأنه، ليس سوي مدمن هيروين ولذلك تجنبه الجميع، بينما ظلت زوجته صابرة علي ما ابتليت به ومكثت في بيتها تربي أطفالها الثلاثة عسي أن تجد في رعايتها لهم سلوتها وفي الحرص عليهم ما يعوضها عن هذا الرجل الذي لم تعد تربطهم به أي صلة حقيقية سوي أن اسمه يتلو أسماءهم في شهادات الميلاد. وتوغل خالد في رحلة إدمانه وكان يبدو مع كل محاولة للعلاج أنه يسعي إلي الفشل، حتي دخل أخطر مراحل الإدمان، إذ بدت عليه مظاهر لوثة عقلية غالبا ما تلازم فورات احتياجه لأن يشبع رغبته في التعاطين، حيث يتحول إلي شيطان آدمي يريد أن يسحق أي شيء في طريقه. «وقائع الجريمة» صار خالد يعيش في عالم منفصل تماما عن عالمنا في مشاعره وقواعد سلوكه، حيث إن الشرط الأول لاكتمال صفة المدمن هو أن يفتقد «الضمير الإنساني» ثم بعد ذلك يسهل ارتكاب أي جريمة، فلا حرمة لمال ولا لدم ولا لعرض في عالم المدمنين وهناك ليس مسموحا بأي شيء لا يشبع الجوع الشيطاني، فبدت عليه كل ملامح الجنون ومع ذلك لم يكترث له أحد، ربما ظنوا أنه سوف يتجنب إيذاء الأطفال، مع أن كل تجارب الإدمان في كل بيت تؤكد أن المدمن قد أسلم نفسه للشيطان يفعل به ما يريد. ولذلك لم ينتبه أحد إلي أن خالد قد أحضر بلطة وخبأها لأمر ما وتربص حتي هجعت العيون ووقف فوق أطفاله النائمين في وداعة بجوار أمهم البالغة من العمر «27 سنة» وانهال بالبلطة علي الأربعة وهو يصرخ بجنون. لم تكن العائلة قد استعدت لهذه اللحظة المرعبة، فأصيب الجميع بالهلع عندما وجدوا فراش الأطفال وأمهم قد تحول إلي برك صغيرة من الدم، بينما أفلت خالد إلي خارج المنزل يحمل بلطته تسيل منها الدماء بعد ان أتم ما عليه حسب العقد غير المكتوب مع الشيطان ليلوذ بغيطان القصب يتخذها مخبأ له بعد أن أخفي البلطة. «ما بعد الجريمة» بينما كان ملك الموت قد استلم روحي الطفلين آدم وعمرو، ظل شقيقهما الثالث يصارع الموت مع أمه في مستشفي المنيا الجامعي قبل أن يلقي حتفه، كذلك كانت أجهزة الأمن قد توصلت إلي القاتل بين زراعات القصب الكثيفة. كانت التعليمات الصادرة من اللواء جمال عبد الباري مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن العام، تعليمات مشددة بسرعة التوصل إلي القاتل، وما أن أمسك به ضباط المباحث، حتي وجدوه مستسلما ولم يرهقهم في الإجابة عن سؤال موضع أداة الجريمة، فقد دلهم علي البلطة التي قتل بها أولاده ولكن هذيانه لم يكن هذيان لوثة جنون كما يبدو، بل كان أحد انفعالات اللهفة علي تعاطي المخدر ولم تجد النيابة بدا من إصدار أمر بعرضه علي مستشفي الأمراض النفسية لوضع تقرير عن حالته بعد أن واجهه بقتل أطفاله الثلاثة، فقد وصل المحقق إخطار بوفاة الطفل الثالث أحمد والأم صباح أمس فى نهاية مأساوية.