في مؤتمر الشباب الذي عقد العام الماضي طالب ممثلو الشباب بحلول مبتكرة لمشكلة محو الأمية، هذه التوصيات تفاعلت معها الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار، وبدأت خطوات عملية لتنفيذها على أرض الواقع، وهو ما أكده رئيس الهيئة الدكتور عصام قمر عندما سألناه عن مصير هذه المطالبات، قائلا لنا: «ننظم لشباب الخريجين دورات فى نظم محو الأمية فى أوقات قياسية، ونجذبهم مع الاستفادة بدعمهم فى إقامة مشروعات صغيرة، وتلقى قروض من البنك، ونستعين فى نفس الوقت بهيئة استشارية لمشروع قومى أطلقناه بشعار «اشتغل وتعلم»، وبالفعل أنجزنا معدلات حقيقية فى عدد الناجحين والذين يبلغون هذا العام نحو 300 ألف دارس، كما عقدنا لقاء موسعا بالهيئة مع ممثلين عن شباب الأحزاب، وعرضوا مشاركتهم بأن يفتح كل حزب مقراته بالمحافظات لعمل فصول بها، على أن تقوم الهيئة بالتدريب وتوفير مستلزمات العملية التعليمية والمدرس فى حالة عدم توفره لدى الحزب. هذه الخطوات العملية تهدف للقضاء على الأمية في فترة قصيرة ، لكن يجب هنا أن نرصد ما تم خلال ربع القرن الماضي ، ولنرجع الى عام 1989 عندما أعلنت الدولة بدء القضاء على الأمية وحددت مدة هذه المهمة القومية بعشر سنوات، وأنشأت الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار لتنفيذ هذا الهدف فى عام 1992 لتكون مكملة لدور وزارة التربية والتعليم، لتتولى مسئوليات التخطيط والتنفيذ والتعليم أيضا، بالتعاون مع مختلف الوزارات والهيئات العامة والشركات والأحزاب واتحادات العمال والجمعيات ورجال الأعمال، لكن مرت السنوات العشر ومثلها بعدها، ولا تزال السنوات تمر والأمية موجودة، وبرغم الخطط لم تفلح الجهود فى القضاء على هذه الأزمة نتيجة عوامل كثيرة منها التسرب، والفقر الذى تسبب فى انصراف شريحة كبيرة من الأسر عن تعليم أبنائها. مقترحات الشباب أيدها رئيس هيئة محو الأمية – في حينها – وعمل على تطبيقها ، فقد وصف هذه القضية بأنها «مسئولية قومية بين كل الأجهزة والهيئات فى الدولة والشباب من بينهم» تتعاون فيها مئات الجهات لجذب الأميين وإعطائهم حوافز مادية وأدبية، خاصة فى الريف بالصعيد، وعلل أسباب عدم ظهور أثر لمجهودات الهيئة بزيادة عدد المتسربين سنويا بالمقارنة بمن تخرجوا من محو الأمية فيأتى متسربون جدد أكثر، فى الوقت الذى لا تزيد فيه ميزانية الهيئة على نصف مليار جنيه، ودور الهيئة وضع الخطط الاستراتيجية وتقييم الأداء، ومتابعة تنفيذ السياسات والتدريب، ووضع الامتحانات ومراقبة أعمالها، ومنح الشهادات والتوجيه وبرامج التدريب وتوقيع اتفاقيات مع جهات الدولة الرسمية وغير الرسمية لتنفيذ المشروعات. حوافز ومنح وحسب الدكتور عصام قمر فإنه مع كل هذه الضغوط تتوجه جهود الهيئة لاستيعاب كل الأعمار من سن 15 عاما وحتى بعد سن المعاش، وتتضمن الاتفاقات وضع حوافز، بتشغيل الدارسين لدى هذه الجهات منح مكافآت للحضور والتعلم والنجاح، وهذه دوافع مهمة فى ظروف الأسرة الحالية ، ويجب ألا ننكر دور الهيئة فى انجاز المحافظات الخالية من الأمية وهى شمال سيناء والبحر الأحمر والوادى الجديد، وهى التى يقل الأميون فيها عن 7% من السكان، مع توفير الدوافع والحوافز الإنسانية فى برامجنا بما يساعد المواطن على المعيشة والتفرغ جزئيا للدراسة معنا، وهذا يشجع على مواجهة الأسباب التى تصب فى الأمية بسبب عدم توافر الخدمة التعليمية الجيدة لاستيعاب كل الأطفال، أو للتسرب بعد الانتظام فى الدراسة أو ارتداد الدارس للأمية لعدم تعامله بالقراءة والكتابة فينساها، وهذا دفع الهيئة لوضع ثلاثة أنواع من الدورات الدراسية، لمواجهة هذه المشكلة الأولى لمدة 3 أشهر للدارس الذى لديه فكرة جيدة عن القراءة والكتابة، والثانية لمدة 6 أشهر لمن يعرف مبادئ المادة التعليمية ، والثالثة لمدة 9 أشهر لمن لم يلتحق بأى نوع من التعليم، وليس لديه أى فكرة عن القراءة والكتابة . من ظواهر التخلف الدكتور مصطفى رجب رئيس الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار السابق وصف الأمية بأنها من ظواهر التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي، بل أشد تلك الظواهر أذى وتدميرا للمجتمعات، فهى قادرة على التشكل في صور مختلفة، مرة في صورة أمية هجائية، وأخرى في صورة أمية دينية، وثالثة في صورة أمية سياسية ، لذلك فإن القضاء على التخلف يتطلب أن تتضمن برامج التنمية العمل على مجابهة الأمية بمشروعات حقيقية، فالتجارب الدولية التى سبقتنا أكدت أن النجاح فى برامج محو الأمية يرتكز على وجود حملة قومية مركزة لاستثارة المجتمع وشحذ همته لتحقيق طفرة كبيرة فى أعداد من تمحى أميتهم خلال فترة زمنية محدودة، يعقبها عمل مستمر ودائم للتعامل مع البقية التى لم تنضم إلى الحملة القومية وتوفير فرص تعلم مستمر لمكافحة الارتداد للأمية ، وتركز هذه التجارب على تجفيف منابع الأمية، لضمان عدم إضافة أعداد جديدة من المتسربين من التعليم تزيد على قدرة الجهات المختصة بالتعامل معها، والارتقاء بمستوى عناصر العملية التعليمية لتقديم خدمة متميزة ذات جودة نوعية مالية من خلال منظور تنموى مبنى على المشاركة بما يؤدى إلى إحداث تغييرات إيجابية فى حياة الفئات المستهدفة، واعتبر أن محو الأمية واجب وطنى وأساسى للنهوض والتنمية ، وتؤهل الدارس لأن يكون إنسانا حقيقيا يفهم لغة عصره .