فى الطريق لمشاهدة فيلم «mother» أو «أم» كان دافعى الأساسى مشاهدة عمل جديد للنجمة جنيفر لورانس بطلة سلسلة أفلام «ألعاب الجوع» الشهيرة والتى يعرف عنها فى العادة حسن اختيارها للأعمال التى تقدمها. ............................................... لكن مع توالى مشاهد الفيلم والصياغة الفلسفية المعقدة لأحداثه التى قدمت فى قالب سينمائى أقرب للفانتازيا، وقفت أمام سؤال بدا لى هاما عن كيفية سماح جهاز الرقابة على المصنفات الفنية المصرى بعرض مثل هذا الفيلم للمخرج والسيناريست دارين أرنوفسكى، المعروف بأعماله المثيرة للجدل لتعارضها مع الأديان، منذ بداياته السينمائية بفيلم «بى» ونهاية بواحد من أهم أفلامه «نوح» للنجم راسل كرو الذى منع عرضه فى العديد من البلدان العربية لإساءته لصورة النبى نوح عليه السلام، ولم أجد إجابة مقنعة سوى أن الرقيب لم ينتبه للإسقاط الواضح فى أحداث «أم» على قصة الخلق بداية من آدم وحواء وذريتهما البشرية، وعلاقة الله عز وجل بالبشر والأرض، أوربما لم يقرأ ما كتب عن الفيلم فى مختلف المنصات الإعلامية فى الغرب. قصة «أم» تدور حول زوجة شابة (جنيفر لورانس) واقعة فى غرام زوجها الذى يكبرها سنا ويعمل كأديب وشاعر (خافيير بارديم) يسكنان فى منزل كبير فى منطقة معزولة تحيط به الخضرة والأشجار من كل جانب. أول ما يمكن ملاحظته هنا أن المخرج والسيناريست (وهو بالمناسبة من المصنفين فى أمريكا ضمن فئة اللا دينيين أو الذين لا يؤمنون بالأديان) لم يضع أسماء للزوج والزوجة مثلما لم يضع أسماء لباقى نجوم العمل، وإنما اكتفى بتعريف الزوجة بلفظ «أم» والزوج «هو» ولم يقدم سببا مقنعا للحب الهائل الذى تكنه الزوجة لزوجها المسن الذى يبدو غير مهتما بها، ولا قدم أيضا تبريرا لوجود منزلهما فى مكان معزول. التفسير الذى كتب عن هذا الأمر فى الغرب أن الزوج يرمز للإله والزوجة الواقعة فى غرامه هى الأرض أم البشرية، أما المنزل المحاط بالخضرة من كل جانب فهى جنة عدن. تفاجأ الزوجة بضيف مسن (إد هاريس) يقدمه الفيلم باسم «رجل» وتعرف أن زوجها دعاه ليس فقط لزيارتهما وإنما للإقامة فى المنزل عدة أيام، ونعرف أيضا بدورنا أن هذا الضيف يرمز لسيدنا آدم، الذى تستقبله الزوجة بتحفظ متوقعة أن يفسد نظام المنزل، وسرعان ما تلحق به زوجته «امرأة» (ميشيل بفايفر) التى ترمز بدورها للسيدة حواء، ومرة جديدة لا يوجد تفسير مقنع لظهورالزوجة فى المنزل بعد زوجها سوى حقيقة أنها خلقت بعد خلق آدم كما نعرف جميعا. يقيم الضيفان فى المنزل ويحاولان فرض سلوكياتهما غير المقبولة، ويحاولان أكثر من مرة دخول غرفة مكتب الزوج لكن الزوجة المغرمة تنهاهما عن ذلك لأن الزوج لا يحب أن يزور أحد مكتبه فى غيابه، وخصوصا أن يعبث بأيقونة زجاجية نفهم أنها ترمز للتفاحة الشهيرة التى حرمها الله على آدم وحواء، ويتأكد ما فهمناه حين تغوى الضيفة زوجها لدخول غرفة المكتب والعبث بالأيقونة فتقع على الأرض وتنكسر وهو ما يغضب صاحب المنزل بشدة، وتقرر الزوجة طردهما من المنزل. فى اللحظة التالية يأتى أبنا الزوجين الضيفين إلى المنزل ويتشاجران حول وصية والدهما التى يرى أحد الابنين أنها ظلمته، وخلال المشاجرة يقتل الابن الغاضب شقيقه، فيحمله أبويه مع صاحب المنزل إلى المستشفى حيث يلقى حتفه هناك. يعود صاحب المنزل مع ضيفيه مجددا ونفاجأ مع الزوجة بعشرات من أقارب الضيفين يملأون المنزل ويبدأون فى العبث بنظامه ومكوناته دون أدنى اعتبار لمحاولات الزوجة صاحبة المنزل منعهم، ثم لاحقا يأتى المئات والآلاف بنفس فكرة التناسل البشرى ويقومون بتخريب المنزل تماما. مرة جديدة نفاجأ مع الزوجة بمئات من المعجبين (ربما يمكن اعتبارهم مريدين) يأتون لزيارة الزوج المبدع ويحيطون بمنزله للحصول على توقيعه او صورة معه، وهو ما يغضب الزوجة مجددا، خاصة أنها على وشك الولادة، لكن الزوج كعادته لا يأبه برغباتها، ويمتلئ المنزل من جديد بالآف البشر المخربين الذين يقتلعون كل شئ فى المنزل. فى غضون ذلك تضع الزوجة وليدها الذكر، وتحاول منع زوجها من حمله تعبيرا عن غضبها منه، لكنه يغافلها ويحمل الطفل ليعرضه على آلاف المريدين المنتشرين فى المنزل، وتبدأ حالة من الهرج والمرج حينما يحاول كل منهم حمل الطفل حتى ينتهى به الحال مقتولا وسط صرخات الأم المكلومة والمظلومة، التى تعبر عن غضبها هذه المرة بإحراق المنزل بمن فيه، فتحترق هى وكل المريدين المنتشرين فى المنزل، وينجو الزوج وحده دون سبب واضح أيضا. المشهد الرئيسى للفيلم أو «الماستر سين» يقدم حوارا بين الزوجة التى تلفظ انفاسها الأخيرة متأثرة بالحروق البالغة، وبين الزوج الذى لم تمسه النار، وبدلا من محاولة إنقاذها يطلب منها ذلك الشئ الذى يلهمه وهو حبها له،فتوافق الزوجة ونفاجأ ربما مرة عاشرة بالزوج يضع يده داخل صدر زوجته ليخرج قلبها ويمزقه مستخرجا منه نفس الأيقونة الكريستالية التى كسرها الضيفان فى وقت سابق. ينتهى الفيلم بنفس مشهد بدايته حين استيقظت الزوجة الشابة من نفس السرير وهى تبحث عن زوجها لكن الفارق بين المشهدين فى إختلاف شخصية الزوجة هذه المرة، ما يعنى فلسفيا بدء دورة جديدة من الحياة ربما فى كوكب جديد غير الأرض. بخلاف ما كتب عن الفيلم فى الغرب، وأغلبه بالمناسبة لا يدين الأفكار التى ناقشها وإن أقرّ بخروجها على تقاليد الديانة المسيحية مثلا، فإن هناك تفاصيل تبدو غير مألوفة لتعارضها مع الاديان بشكل عام، مثل الأنانية المفرطة للزوج (ونعرف هنا من الذى يرمز إليه) مثلما يتضح من بعض المشاهد التى ذكرتها، وكذلك خلال حوار مع زوجته تقول له فيهإنه لم يحبها يوما وإنما كان فقط يحب حبها له، (لاحظ أنه كرس ذلك الشعور تحديدا فى المشهد الرئيسى للفيلم» وأيضا عدم مبالاته بالحفاظ على المنزل وصاحبته مقابل ضعفه «غير المبرر» أمام إعجاب الزوجين الضيفين به، ثم تسابق عشرات الآلاف من المريدين على التقرب منه، فضلا على إشادة الجميع بكرمه وعطائه، وهو تصرف يصعب فهمه حتى حينما يصدر من إنسان عادى. فنيا لا يمكن تجاهل أن المخرج بذل جهدا خارقا فى كتابة سيناريو الفيلم وصياغة مشاهده المعقدة بطريقة احترافية مميزة، لكن الناتج النهائى الذى يمتد لحوالى ساعتين ربما يصعب على أى مشاهد عادى تحمل متابعته خاصة أن الاحداث تحفل بمشاهد الفانتازيا غير المشوقة، وربما سيفقد الكثيرون أعصابهم فى منتصف الأحداث من استمرار الزوجة التى يحمل الفيلم اسمها «أم» فى العطاء والحب بشكل أبله، وكذلك من استمرار الزوج أو «هو» فى تسهيل مهمة تعذيبها على أيدى البشر والسماح لهم بدخول المنزل وتخريبه وقتل طفله دون أى رد فعل، ثم أنانيته المفرطة لا سيما أن كل تلك الأشياء غير مبررة فى سياق الأحداث. أخيرا نذكر أن الفيلم الذى بدأ عرضه عالميا فى منتصف سبتمبر الماضى حصد إيرادات بلغت حتى أواخر اكتوبر الماضى43 مليون دولار مقابل ميزانية 30 مليونا، ورشح للمنافسة على جائزة الأسد الذهبى لأفضل فيلم فى مهرجان فينسيا السينمائى الدولى فى دورته الرابعة والسبعين التى عقدت فى بداية سبتمبر الماضى، قبل أن يفوز بها فيلم رعب أمريكى آخر هو «شكل المياه» للمخرج جييرمو ديل تورو.