كانت تخشى كثرة الحركة لتجنب الوقوع على الأرض، وتفاديا لتعرضها للكسر بسبب عظمها الزجاجى، وفى الوقت نفسه كان يداعبها حلم «الجري» أو ركوب «العجلة» مثل صديقاتها، وعندما نظمت كليتها رحلة إلى الحديقة الدولية، كسرت حاجز الخوف، واشتركت فى سباقات الجرى وشعرت بأنها تطير فى السماء. ومنذ تلك اللحظة وهى تحلق فى فضاء الأحلام.. إنها عتاب عياد عبد الستار ابنة كفر شنوان بمحافظة المنوفية التى تغلبت على المرض وحصلت على أعلى الدرجات العلمية. تعود عتاب (35 عاما) بذاكرتها، قائلة: كنت أحب المدرسة ولا أتغيب مطلقا، كل صباح تحملنى أمي، وتذهب بى إلى المدرسة، حيث ولدت مصابة بمرض العظم الزجاجى، و«تقوس» فى العمود الفقري، نتج عنه «قصر قامة»، وطولى حاليا لا يتعدى 130سم. كل ذلك حرمنى من حضور طابور الصباح، والاستمتاع بحصة التربية الرياضية، لأن الوقوف كان يمثل خطرا على صحتي، لذا كنت أجلس مع زميلاتى ونلعب معا «سيجا». لكن ظروفى الصحية لم تمنعنى من الانضمام إلى صفوف المتفوقين، بل كنت دائما بين الأوائل، حتى وصلت إلى الثانوية العامة، واخترت القسم العلمى لأحقق أول أحلامى وهو الالتحاق بكلية الهندسة، إلا أننى لم أوفق فى الحصول على مجموع يؤهلنى لذلك، والتحقت بكلية الاقتصاد المنزلى جامعة المنوفية. التفصيل.. فن ودراسة وأضافت: كان سبب اختيارى كلية الاقتصاد المنزلى حب التفصيل، والذى تعلمته على يد أمى، وعندما كنت طفلة صغيرة أحضر عروستي، وأصمم لها «ملابس» مختلفة، وبمرور السنوات أتقنت التفصيل، مما دفعنى لاختيار قسم «ملابس ونسيج» فى العام الثانى بالجامعة، وكان هناك اعتراض من الجامعة على قبولي، لأنهم يعتبرونه من أصعب الأقسام لاعتماده على الدراسة العلمية أكثر من النظرية، ولكن فى النهاية تم قبولي، وكنت مشهورة بأنى اقصر واحدة فى الدفعة وأحمل «مانيكان» أطول مني. أتيليه صغير وتقول عتاب عن مرحلة ما بعد الجامعة: تخرجت بتقدير عام جيد، وأنشأت أتيليها صغيرا أسفل منزلي، وأعلنت الكلية عن إمكانية قيام الحاصلين على تقدير عام جيد الالتحاق للحصول على الماجستير، وذلك كان يحدث لأول مرة، حيث كان المعتاد السماح للحاصلين على تقدير جيد جدا فقط، لذلك اعتبرتها فرصة ذهبية وتقدمت على الفور، وقل نشاط الأتيليه لانشغالى بالماجستير إلى أن أقتصر الأمر على قيامى بالتفصيل لبعض الأشخاص كنوع من المجاملة فقط. وكان موضوع الماجستير الذى حصلت عليه عام 2008 عن «ملابس المرآة العاملة المستوحاة من التاريخ البيزنطي»، وكنت أود اختيار موضوع أخر هو عمل تصميمات تخفى تشوهات العمود الفقري، ولكن فوجئت بزميلة أخرى تحصل على موافقة عن نفس الموضوع. مسئولة عن أسرتي وتواصل حديثها: بعد حصولى على الماجستير، حلمت بالدكتوراه، واخترت موضوعا مميزا وهو (ملابس الإحرام «الحج» للمرأة)، وكيف تكون من خامات مريحة وتتناسب مع قواعد الإسلام. وفى وهج حماسى توفيت أمى التى كانت السبب الرئيسى فى كل ما وصلت إليه، وفجأة أصبحت مسئولة عن أسرتى المكونة من أبى وأخوتى الاثنين، وأيضا تم تعينى مدرسة بنظام العقد، ومع الوقت والمثابرة تجاوزت حزنى على فراق أمي، وتمكنت من القيام بكل المسئوليات. واعتبرت رسالة الدكتوراه طفلتى التى لم أنجبها، وقررت عمل كل خطواتها بنفسى دون الاستعانة بأحد، مما جعلنى ابحث على شبكة الإنترنت لأتعلم كيفية إجراء الإحصاء الخاص بموضوع الرسالة، ووفقت فى ذلك ونالت رسالتى إعجاب لجنة المناقشة والحضور وحصلت عليها فى عام 2015، ومن أهم التعليقات التى قيلت كان للدكتور عادل هنداوى بكلية تربية نوعية جامعة طنطا «لو كنت صاحب الرسالة لصعدت فوق مئذنة وقلت أنا بطل»، وأيضا قالت الدكتورة ماجدة ماضى بجامعة حلوان «إن موضوع الرسالة يصلح أن يكون مشروعا قوميا تتبناه الحكومة». مصنع لذوى الإعاقة وأخيرا تقول عتاب: مرة أخرى تجددت الأحزان حيث فارق أبى الحياة مؤخرا، وبقيت أعيش مع أخي، التقط طيف الأمل والعزيمة لأواصل مشوار الحياة ولا أزال عندى أحلام أهمها أن أجد من يدعمنى لإنشاء مصنع للملابس الجاهزة الخاصة بالسيدات، ويكون كل العاملين فيه من مختلف ذوى الإعاقة لتقل نسبة البطالة، وتكون هناك خطوط موضة محلية وعالمية باسمى بطابع مصرى وعربى أصيل.