سبوع المولود طقس مصرى قديم، يرجع فى الأصل للاحتفال بسبوع المولود عند المصريين القدماء، وتميزت به مصر عن مختلف الدول. وارتبط هذا التقليد بدق الهون المعدنى لتنشيط حاسة السمع التى يرون أنها تبدأ عند الطفل فى اليوم السابع لولادته، ويرددون كلمات مثل: «اسمع كلام أمك، ماتسمعش كلام أبوك» إضافة لتعليق «حلقة ذهب» فى أذن الوليد، مرددين: «حلقة ذهب فى وداناتك»، وتسمى حلقة الإلهة «إيزيس» أم الإله «حورس»، ويطلبون من الوليد همسا فى أذنيه أن يطيع الإله، ليكون ذلك أول ما تسمعه أذناه، ويدعون المعبود بأن يحفظ المولود ويمنحه العمر الطويل، ويبدأ الحفل عادة بدق الهون على شكل نغمات لاستقبال المولود الجديد فى يومه السابع. .............................. الدكتور «مرسى السيد» أستاذ التراث الشعبى بجامعة القناة أكد أن «السبوع» عادة مصرية قديمة، مازال المصريون يحتفلون به إلى الآن بعد 7 أيام من مجيء المولود، وظهرت فى بعض الرسوم الجدارية فى عصر الدولة الحديثة، واتضح أنها تماثل الاحتفال بالسبوع الآن، ويبدأ بوضع الطفل المولود فى غربال، ويوضع على منضدة عالية وبجواره إبريق لو كان المولود ولدا، أوقُلّة إذا كانت بنتا. ثم يحمل الغربال بالطفل ويوضع على الأرض، ويبدأ «دق الهون»، وتقوم به غالبا جدة المولود أو إحدى السيدات كبيرات السن، وتردد وهى تدق عبارات بها وصايا للمولود، بأن يكون مطيعا لوالديه، ثم تخطو الأم فوق الطفل 7 مرات، تردد خلالها السيدة التى تدق الهون عبارات البسملة، ثم يوضع الطفل بالغربال مرة أخرى فوق منضدة، ويحمل الأطفال والكبار الشموع البيضاء مشتعلة، ويطوفون حولها مرددين أناشيد «السبوع» المعروفة إلى الآن وتتولى الأم أو الجدة توزيع الحلوى على الحاضرين . ومن تقاليد «السبوع» مفاهيم تاريخية موروثة، فبعد أن يوضع الإبريق بجانب الطفل الصغير فى «السبوع»، يرش وجهه بمياه النيل حتى يكون وجه وقدم الخير، وأما دق الهون ليعتاد الصوت العالى، والغربال ليتقبل أقدار الدنيا وتغيُرات الأيام. وتلضم سبع حبات من محاصيل المنطقة فى خيط ويأخذها الكبار تفاؤلا بالخير الذى سيعم المنزل بقدوم الوليد السعيد، وتوزع حلوى «السبوع» على الأطفال المشاركين فى الحفل مع لعب صغيرة حسب مستوى الأسرة، بعد انتهاء الحفل هدية من المولود تفاؤلا بأن يكبر مثلهم، وتختلف احتفالات السبوع من منطقة لأخرى، فمثلا فى بلاد النوبة، تحمل الجدة الطفل يوم السبوع وتصحبه إلى النيل، وتمسح رأسه بالماء، وترمى ما تبقى من حبله السري، لتقديس قدماء المصريين للنيل رمز الخير والرخاء، وهو ما يعتقده أيضا أهل النوبة إلى الآن. وتتشابه تقاليد الاحتفال «بالسبوع» فى أرجاء مصر، لكنها تختلف فى التفاصيل، وهى تقاليد تصحبها الأغانى التراثية وبعض الأغانى الحديثة المشتقة كلماتها من الأغانى التراثية. سبوع الصعيد يرى الدكتور خالد أبو الليل، أستاذ الأدب الشعبى بآداب القاهرة أن هناك اختلافا فى طقوس السبوع فى الصعيد عنها فى القاهرةوالإسكندرية. فلا يزال الصعيد أكثر محافظةً على الطقوس والأغانى التراثية، فالطقوس الصعيدية تتمثل فى خطوات «حمام السبوع» (مية الملايكة)، وكحل السبوع (تكحيل عين المولود)، وتسمية المولود، وتعليق «البسلة» (البازلاء) والأحراز، والغربلة والتخطي. وعند اختيار اسم المولود، يردّد المحتفلون أغانى مثل: «سموا المولود سعد الله.. إن شالله يعيش إن شالله»، وبعد التسمية توضع سبع حبات من البسلة (البازلاء) وتُلفّ بقطعة قماش تحيكها الأم وهى تردد: «جعلتك حرز.. ولبّستك حرز.. من شر العين.. حرز الحسن والحسين» لإبعاد الحسد عن المولود، ثم يوضع البخور على جمر أحمر أُعدّ لهذا الغرض، فى المكان الذى ستتم فيه غربلة المولود، ووضع المولود فى غربال الحبوب وهزّه، مع ترديد كلمات مشهورة: «اسمع كلام عمتك.. وما تسمعش كلام العقربة خالتك»، و« ما تفرحيش يا أم الولد.. البنت كبرت عشقته»، وهى كلمات تقال لأم البنت المولودة حديثاً فى السبوع لكيد من أنجبن الأولاد، ثم تُخلط السبعة أنواع من الحبوب الشائعة النمو فى المنطقة وتوضع مع مقدار من الملح غير المجروش (الملح الصخري) فى وعاء قرب رأس المولود. وتوضع خلطة مكوّنة من حبوب النقل، والحمص، والفول السودانى فى غربال ويوضع فوقها الطفل ملفوفاً بأغطية. وتبدأ الداية أو من تقوم بالغربلة بالبسملة فى حالة المولود المسلم أو بالتسمية عليه فى حالة الطفل المسيحي.. ثم تبدأ مرحلة التخطى فيوضع سكين بجوار رأس المولود الذى يوضع فى الغربال، وتبدأ الأم بتخطى المولود بقدمها اليمنى ثم تعود إلى مكانها متخطية المولود مرة ثانية، وهكذا حتى تكمل سبعة أشواط، بينما الداية تردد: «الأولة بسم الله، والتانية باسم الله، والتالتة باسم الله، والرابعة بسم الله، والخامسة باسم الله، والسادسة باسم الله، والسابعة يا بركة محمد بن عبد الله». وبعد ذلك تدق النساء والفتيات الهون مع هزّ الداية للغربال والمولود بداخله، مع ترديد الوصايا والنصائح الشهيرة. ودق الهون فى المعتقد الشعبى يلفت سمع الطفل ليستقبل توصيه جدته أو الداية بأن يكون مطيعاً لأمه. وأحيانا تأخذ الوصايا شكلاً فكاهياً غالبا يتناسب مع الاحتفالية كأن يُقال: «اسمع كلام أمك.. ما تسمعش كلام أبوك.. اسمع كلام أختك.. وما تسمعش كلام أخوك.. اسمع كلام جدك.. ما تسمعش كلام جدتك.. اسمع كلام عمتك.. وما تسمعش كلام العقربة خالتك». ويشير «أبو الليل» إلى أن السبب وراء دق الهون معتقد شائع بأنه يحمى الأم وطفلها من شر الأرواح الشريرة، إذ تبتعد هذه الأرواح عند سماع أصوات قرع النحاس. وبعد ذلك تقوم الداية بهز الطفل ورفعه بين يديها ثم تعيده إلى الأرض وهى تردد: «غربلة يا غربلة..غربلتين وغربلة.. للقمحاية غربلة.. ...للفولاية غربلة.. للشعيرة غربلة.. للعدساية غربلة.. للرزاية غربلة.. للحلباية (حبّة الحلبة) غربلة». وبعد هذه الغربلة تقوم الأم بالمرور فوق الطفل سبع مرات. ثم توزيع «السبوع» فى عبوات وهو «حلوى خاصة بالأطفال أخذت اسمها من المناسبة» كما توزع على بيوت الأقارب والجيران فى أطباق يحملها الأطفال ممتلئة بالترمس والفشار والفول السودانى والحمص وبعض الحبوب. ولا تعود هذه الأطباق إلى بيت أهل المولود فارغة، لكنها تعود محمّلة بالنقود أو الخبز أو الحبوب التى هى رمز للخصوبة والخير. فهنالك اعتقاد بأنه فى حال عاد الطبق فارغاً، فهذا معناه فأل سيئ على المولود وأخيه . ويشير الدكتور «خالد أبو الليل» إلى أن الحبوب العائدة فى الطبق تُوزّع على جميع أركان منزل المولود، اعتقاداً بأنها ستجلب الخير، ويتم رش الملح مع الحبوب مصحوباً بأغنية: «يا ملح يا مليح.. يا ملح يا مليح.. يا جوهر يا فصيح.. يحطوك فى النار...تطرقع...يحطوك فى الماء..تسيح..يا ملح دارنا..عمر ديارنا..يا ملح دارنا..كبر عيالنا..كتر عيالنا» وتستمر الداية أو الجدة بترديد المقطعين الأخيرين وهى ترش الملح المخلوط بالحبوب، حتى تبلغ باب المنزل فتتوقف وتأخذ طشت حمام السبوع وترش ما فيه من ماء أمام عتبة الدار. وكشفت الدراسات عن أن لهذه الطقوس دلالة رمزية على الخير، ودرء الحسد، وجلب السعادة لأهل المكان. وفى نهاية الاحتفالية يدعون للمولود بالسرعة فى المشى قائلين: «دارج يا فلان دارج (بذكر اسم المولود)..دارج يا ولد دارج..دارج بين البيوت..دارج على المساطب..دارج وسط الغيطان». وقال الباحث فى التراث الشعبي: «إن الدراما الفنية أثرت فى عصرنا فى شكل السبوع وأغانيه ونقلته إلى الحياة الاجتماعية وحولته إلى نوع من أنواع التفاخر بالحالة المادية أكثر مما هو طقس، أغانى السبوع تختلف فى الصعيد عن الإسكندريةوالقاهرة برغم أن إيقاعها يكاد يكون واحداً والاختلاف باللهجات فقط.فإذا كانت الطقوس تتشابه فى أغلب عناصرها من حرص الأسرة على دق الهون النحاسى فى أذن المولود وغربلته فى غربال وقيام أم الطفل بالمرور فوق طفلها سبع مرات. فالطقوس فى السبوع فى القاهرة تغيرت عبر التاريخ وأصبحت «ديجيتال» تُستخدم فيها أحدث الأغانى والرقصات المصحوبة بالموسيقى المسجّلة. أما الأكلات فتختلف باختلاف الحالة الاجتماعية. ففى الأحياء الشعبية تُوزع بعض الأكلات الشعبية كالأرز بالحليب، الكسكسى باللحم، فوانيس ورقية ممتلئة بالفول السودانى والحلويات. أما الأسر الثرية فتقوم بوضع قطعة «شوكولا» مع برواز صغير فيه صورة الطفل وورقة مالية وبضع قطع من الجنيهات الذهبية وتُوزّع على الأطفال وهناك أغان خاصة بالمولود إن كان ولداً، وأغان أخرى للبنت ما زالت تغنّى فى الأحياء الشعبية، فإذا كان المولود ولداً تغنى الأم «يا ولد يا ولد.. تو طبللك ما ضرب (دقت طبول الفرح فى مولدك)..والمدينة إدردكت (وتهدّمت منازل المدينة)..والغز جامت ع العرب (وهجم الأعداءعلى العرب)..يوم ما قالو إنه ولد..انشدّ ظهرى واتسند..وجابولى البيض مقشر..وعليه سمن البلد». أما إن كان المولود فتاة فتغنى الأم أبياتاً كيدية: «ما تفرحيش يا أم الولد (موجهةً للنساء اللواتى أنجبن ذكوراً)..البنت كبرت عشقته (أحبته).. يجبلها بيت بحر البلد (سيجلب ابنك لبنتى منزلاً فى الناحية البحرية)..تحرم عليكى دخلته (ولن تدخلى هذا البيت أبداً)». أما رقية المولود فتكون بصنع عروس (دمية) من الورق ويتم تخريمها بالإبرة سواء كان المولود ذكراً أو أنثى. وأثناء التخريم تردد القابلة (الداية) أو من تقوم بالرقية: «من عين أمك، من عين أبوك، من عين كل اللى حسدوك، من عين فلان، وعين فلانة، من عين كل من شافك وما سماش ولا صلاش ع النبى». الإسكندرية نجد فى الإسكندرية أسواقا متخصصة أيضا فى «السبوع» منها سوق الميدان بمنطقة المنشية، فتضيف الأسر فى احتفالات «السبوع» ورقا على شكل نقود، مطبوع عليها اسم المولود وتاريخ ميلاده، أو شريطة ستان، وتضاف نقودا معدنية، وكثير من الأسر بها لا تلتزم بيوم «السبوع»، وربما تحتفل بعد الموعد بعدة أيام. ومع ذلك لا تختلف طقوس السبوع فى الإسكندرية عن القاهرة كثيراً من حيث الأغاني، إلا أن الاختلاف يكون فى التفاصيل. فحكايات الاحتفال بالسبوع لم تنته حتى يومنا، ويظل مصدر فرحة للكبير والصغير بكل تفاصيله فى البيت المصرى، وبداية جديدة فى حياة المولود. وفى الآونة الأخيرة، اهتم بعض المسلمين بشعيرة «العقيقة» فى «السبوع»، وهى شعيرة إسلامية وسنة عن رسول الله عليه السلام، بذبح بقرة أو خروف وإطعام الأهل والأقارب والفقراء.