يبدو أن طائر الموت سيظل يحلق فوق الطرق الصحراوية، فقبل يومين، شهدت عدة طرق حوادث متفرقة أسفرت عن مصرع وإصابة العشرات، ومن بينها الطريق الصحراوى الشرقي، الذى يمتد إلى نحو 300 كيلو متر فى قلب الصحراء ، ويعرف ب «طريق حلوان أسيوط» ، أو «طريق الكريمات»، ليصل بين القاهرة ومحافظة أسيوط، على الرغم من أن هذا الطريق «كان» يمثل حلما جميلا لأبناء الصعيد لما يوفره من وقت كبير ، كان يتم إهداره للسفر عبر الطريق التقليدى بمحاذاة النيل، المار بالمدن والقرى بما تحمله من زحام وكثافة بشرية، وجاء الطريق الحلم كما انتظره الجميع ممتدا على مرمى البصر ومتساوى الجوانب ومزدوج الاتجاهات . هذا الطريق تبدلت أحواله بعد 6 سنوات فقط ، مرت على دخوله الخدمة رسميا، حيث تحول المرور فيه إلى «مغامرة» بل «مخاطرة» يخوضها «المضطر»، فلا يكاد يمر يوم من دون وقوع حادث، ولعل حطام السيارات الملقى فى جزيرته الوسطى خير شاهد، ونذيرلمن يسير عليه بضرورة الالتزام بشروط السير عليه. «تحقيقات الأهرام» خاضت المخاطرة وتوجهت فى جولة ميدانية على الطريق، لترصد أحواله وتستمع لشكاوى المترددين عليه. الجولة بدأت من منطقة حلوان تلاها 15 مايو ، لاحظنا سوء حالة طريق الأوتوستراد فى هذه المنطقة وكثرة مطباته، وتعرجات طبقته الأسفلتية، وانتشار »الحفر« به التى على السائق أن يتجنبها بالكثير من المراوغات والانتقال من حارة إلى أخري، وربما هذا ما يدفع بعضهم للانطلاق بسرعة كبيرة منذ اللحظات الأولى للصعود إلى »طريق الجيش« الذى يتميز أسفلته بالسلاسة. ولكن على بعد كيلو أو يزيد قليلا، تبدأ أولى مشكلات الطريق التى ظهرت منذ عدة أشهر، وهى أعمال الصيانة التى تتم فى أجزاء من الطريق قبل بوابة حلوان، والتى حددت مسار السيارات فى حارة واحدة فقط، بعد أن تم وضع عدة صفائح مثقلة بالأسمنت وعصا خشبية لتحديد المسار، ويبدو من اندفاع بعضها نحو الداخل والخارج، أن الاصطدام بها متعدد وخاصة مع الغياب التام للإضاءة على الطريق ليلا وعدم وجود أى لافتات إرشادية قبلها . ممنوع السفر ليلا محمد الخولى موظف من أبناء المنيا، يعمل بالقاهرة منذ سنوات ويفضل السفر عبر الطريق الشرقي، التقينا به فى واحدة من الاستراحات »النادرة« على الطريق بعد أن هبط هو ومجموعة من راكبى الميكروباص المتجه إلى محافظته، قال: «منذ افتتاح الطريق وأنا أفضله فى السفر عن أى طريق آخر، فقد اختصر وقتا طويلا جدا عن الطريق الزراعى الذى كان خطرا أيضا، لأنه كان حارة واحدة فى كثير من المواقع قبل تطويره، ويشهد الطريق نموا مستمرا، ففى سنواته الأولى كان خاليا تماما من أى خدمات سوى محطة بنزين، وهذه الاستراحات ظهرت منذ عام واحد فقط، ولكنها مهمة وبالتأكيد لو زادت أكثر سوف يكون أفضل، فكما ترين الصحراء تحيط بنا من كل اتجاه». الطريق معتم «لا أفضل السفر على هذا الطريق ليلا»، هكذا بادرنا عزت صموئيل من سكان مغاغة قائلا: لا يوجد أى إضاءة والطريق معتم تماما، ونخشى من الحوادث، والسائقون يقودون بأقصى سرعة، وأحيانا كثيرة يركن سائقو النقل على جانب الطريق دون مثلث عاكس، أو أى اشارة لتوقفهم على الرغم من وجود أماكن مخصصة لركن السيارات بعيدا عن حرم الطريق، وهذا يعرضنا لخطورة كبيرة خاصة ليلا، ولكن «ربنا بيسترها معانا». فى مكان غير بعيد، وقف سائق الميكروباص أحمد حسنين يحث الركاب على سرعة الانتهاء من استراحتهم، سألته عن الطريق فأجاب : فى بعض المناطق الأسفلت متعرج بسبب سيارات النقل وبه كثير من المنحنيات الوعرة، ولكننا «حفظنا» الطريق ومشكلاته. قلت له : سائقو الميكروباص متهمون دائما بالسير بسرعة جنونية، رد :«لانتجاوز 120 كيلو مترا فى الساعة، لكن قادة الملاكى بعضهم يتجاوز 160». حواجز خرسانية انطلقنا مرة أخرى على الطريق، الذى يشهد أعمال صيانة، وتوضع حواجز خرسانية على الجانبين، وتم وضع لافتة توضح وجود تحويلة على بعد 600 كيلو متر ولكن لا إنذارات ضوئية لأعمال الصيانة ! على طول الطريق الصحراوى تنتشر لافتات «حمراء» تحذر من أن «السرعة مراقبة بالرادار»، وأخرى «زرقاء» توضح السرعة القصوى لكل مركبة، ولكن الواضح أن المترددين على الطريق يعرفون تماما أن الرادارات غير مثبتة، ويعرف سائقو الملاكى والأجرة والنقل متى يجب عليهم أن يبطئوا، وأين يوضع الرادار المتحرك . رادار محمول يشرح لنا عماد عبد الفتاح من أبناء سمالوط ذلك قائلا :«معروف لكل المترددين على الطريق أنه لا توجد رادارات ثابتة، ولكن يغلب الظن أن تكون سيارة ملاكى تقف مثلا على جانب الطريق، فقبل الاقتراب منها يخفض السائق سرعته، وهناك منطقة أخرى نطلق عليها «بين الجبلين» يقف فيها مندوب المرور بجهاز رادار محمول، ويستعين بوجود كتلة صخرية ضخمة للاختباء حتى لا تراه السيارات إلا بعد المرور به، ولكن أغلب السائقين حفظ هذا المكان ويهدئ قبله بوقت كاف. جذب العمران الدكتور محمد عبد الباقى رئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية والأستاذ بقسم التخطيط العمرانى بكلية الهندسة جامعة عين شمس، وصف الطريق بأنه «إضافة» للشبكة القومية للطرق الإقليمية لربطه بين محافظات الصعيد والدلتا، ومن أعظم ايجابياته وجوده فى عمق الصحراء، مما يسهم فى جذب العمران نحو هذه المنطقة. فصل النقل عن الملاكي وحث أستاذ التخطيط العمرانى على ضرورة فصل سيارات النقل عن الملاكى لما تمثله من خطورة بالغة على المواطنين ، وقال «لدينا تجربة ناجحة فى طريقى القاهرة - العين السخنة والقاهرة - الاسكندرية مما جعلها أكثر أمانا وتنظيما، ويمكن إعادة تخطيط الطريق الشرقى وعمل طريق مواز للنقل». ومن المتعارف عليه أن الطرق الإقليمية لابد أن تتوافر بها عواكس، وليس أعمدة إنارة تقليدية، لكنها تتطلب صيانة دائمة، حتى لا تعتم وتنتفى الفائدة منها، مع ضرورة توفير الإضاءة التقليدية عند التقاطعات والوصلات الفرعية، ويحتاج الطريق للمزيد من الخدمات الخاصة بخدمة السيارات، ومحطات تموين البنزين والسولار، وخدمات رفع الحوادث والصيانة والإسعاف السريع ومراكز واستراحات للسيارات وحافلات المسافات الطويلة. ويرى أن السبب فى كثرة الحوادث على الطريق الشرقى هو العامل البشرى ورعونة بعض السائقين وبخاصة عند التقاطعات، أما ما يتردد عن كثرة المنحنيات فى الطريق فهو أمر لا يؤثر على عامل الأمان، وخاصة فى حالة الطريق الشرقى الذى لا تمثل منحنياته خطورة، كما أن أغلب التقاطعات مصممة ومخططة بشكل سليم، بشرط عدم تجاوز السرعة المحددة للملاكى ب 120 كيلومترا، وهى مناسبة جدا فبعدها تزداد معدلات الخطورة، وتصبح السيارة أكثر عرضة للحوادث والانقلاب لأى سبب بسيط ويصعب السيطرة عليها. ويضيف:«سافرت على هذا الطريق عدة مرات، ولاحظت أن السائقين ينبهون بعضهم بعضا بإشارات معينة عن وجود لجنة فى مكان محدد، فالطريق مكشوف للجهة الأخرى ..لذا على إدارة المرور تسجيل المخالفات بالصورة والتاريخ بالكاميرات لتدفع عند تجديد الرخصة.